وفي صباح اليوم التالي دخلت عليه راضية عبد الخالق فحيته وقالت: راضية عبد الخالق، سكرتير سعادتك إذا سمحت ووافقت ..
فقال وهو يتذوق انفعالا طيبا: أهلا بك، من أي قسم؟ - المستخدمين. - عظيم، وما مؤهلاتك؟ - ليسانس آداب قسم التاريخ .. - عظيم ..
هم بسؤالها عن سنها ولكنه أمسك، وقدره بخمسة وعشرين عاما. رشيقة القوام بصورة ملحوظة، ذات هالة من الشعر الفاحم سواها الحلاق في بساطة وانسياب فأحدقت بجانبي الوجه الأسمر الطويل صانعة له إطارا حانيا، وعيناها صغيرتان وواضحتان وذكيتان تومضان بجاذبية، وبروز ثنيتيها - وربما عد عيبا - أضفى على فيها شخصية حلوة. انفعل بجاذبيتها وقال في سره: لعنة الله على اختيار مدير المستخدمين الموفق ..
وقال لنفسه أيضا: إني في حاجة إلى مظلة في هذا الجحيم ..
ومن أول نظرة نزع قلبه إليها بارتياح وسرور ورغبة خفية في الاحتماء. وبمرور الأيام ازداد تعلقه بها وبخاصة عندما علم بأنها يتيمة وتعيش مع عمة عانس. وفضحته أمانيه العميقة أمام نفسه، فضحت أحلامه ورغباته، ولكنه كان أبعد ما يكون عن التفكير - مجرد التفكير - في ارتكاب أية حماقة. قال لنفسه: حسبي أن أصبح على وجهها كل يوم.
واستأسره أدبها ورقتها وعذوبة نظرتها الناعمة. وحلل ذلك بأنه السلوك الواجب من سكرتيرة نحو مدير، وهو واجب أكثر إذا كان المدير في سن والدها. ولكن ما بالها تشغله أكثر مما يجب، ما بالها تعبق حياته بشذا طيب ونفاذ. وقال لنفسه: في لحظة من لحظات الحياة يستوي من أخذها مأخذ الجد ومن لها بها لهو العبث والهزل.
وتوجه إلى ربه داعيا: اللهم عفوك ورحمتك.
وجعل يلاحظ عملها باهتمام حتى سألها يوما: أيشق عليك العمل في مكتبي؟
فأجابت بحرارة: كلا، إني أحب العمل! - كذلك كنت منذ نشأتي الأولى، وما زلت وأبشرك بأنه جهد غير ضائع .. - ولكن يقال ...
فقاطعها: أعرف ما يقال، ولا أنكره، الوساطة .. القرابة .. الحزبية كل أولئك وما هو أشنع، ولكن الكفاءة قيمة لا يمكن تجاهلها كذلك، حتى أصحاب المراكز من غير ذوي الكفاءة يجدون أنفسهم في حاجة إلى من يغطي عجزهم من الأكفاء الحقيقيين ..
অজানা পৃষ্ঠা