وتمتم بلا وعي: رجل حقيقي خير من خيال. - أنت تحبها، أليس كذلك؟
فقال بأسى: إني أحبها. - حكاية محفوظة في حارتنا. - وهي حقيقية. - عظيم، ولم لم تتكلم؟
فقال بحدة: لا أستطيع. - اسمع، توسلت البنت إلي أن أبلغك ..
تنهد في يأس كامل. فقالت المرأة: اذهب من توك فاخطبها أو دعني أتولى ذلك عنك.
حادث نفسه بأصوات مبهمة كأنما يتكلم لغة مجهولة حتى ذهلت المرأة فقال مواصلا حديثه مع نفسه: ولن يغفر الله لي .. - أعوذ بالله، أتراها غير أهل لموظف مثلك؟ - لا تتقولي علي يا أم حسني .. - أطلعني على قلبك، أنا أمك ..
فقال متنهدا: لا أستطيع أن أتزوج الآن. - تنتظرك كما تشاء. - سيطول الانتظار .. - اربطها بكلمة، هذا يكفي الآن .. - كلا، لست أنانيا، إني أرفض حرصا على سعادتها.
وهمت بالاسترسال في الحديث ولكنه غادر الحجرة. سار ببطء في الحواري الضيقة. كان يتعذب بعمق ويسلم بمرارة بأنه لن يراها مرة أخرى. ورغم عذابه شعر بارتياح خفي يائس، وبقدر ارتياحه آمن بأن اللعنة حلت به. إنه يحبها ولن تملأ أخرى الفراغ الذي خلفته وراءها في نفسه. وهذا الحب لن يمحى بسهولة، وسيعلمه كيف يكره نفسه وطموحه، ولكنه سيصر على التعلق بهما بقوة الكراهية واليأس. إن ما يركبه جنون، ولكنه جنون مقدس يغلق باب السعادة باستهانة وكبرياء ويدفعه بقوة في طريق المجد الشاق المحفوف بالأشواك. إن السعادة تغريه بالتفكير في الانتحار أما الشقاء فهو الذي يحرضه على نشدان الحياة وعبادتها.
ولكن يا للخسارة يا سيدة! ..
10
وتقدم في كل شيء ولكن عذابه لم يكد يخف، ورسخت قدمه في عمله حتى شهد له سعفان بسيوني - رغم إخفاقه معه - بالمواظبة والكفاءة والاستقامة، وكان يقول عنه: إنه أول الحاضرين وآخر الذاهبين وفي أوقات الصلاة يؤم المصلين بمصلى الوزارة ..
অজানা পৃষ্ঠা