وبعد ذلك تروغ بها من وراء الصباح روغة ثم تدفنها في بعض الكواكب المنطفئة التي هي مقبرة الأبدية في غيب الله.
فلا يزال دأب العاشق الحكيم أن يذوب في شعاعك لكيلا يبقي من نفسه غير المادة التي تذوب في شعاع الجمال، فيكون بجملته نفسا روحية تتلقى الحكمة العالية عن النظرات والابتسامات كما تتلقاها عن الآداب والشرائع.
وقد نرى أقواما ممن يدعون الحب سفها وغلظة وإن أحدهم ليذهب فيقذف بنفسه في ابتسام الجميلات كما ترمي بالحجر في الماء العذب لا يعدو بطبيعته أن يستنقع فيه.
وترى ذلك الجلف لما يعالج من شهوات الحياة كأنه قدر تضطرم آخر النضج وهو لا ينفك يزعم أنه يشعر بالحب وأنه مبتلى به ويقول لك حسبك من حب مضضه أشد على النفس من سعار الجوع ... ثم ترى أضلاعه وقد أحاطت بقلبه كالسياج حول المكان الخرب. وهو قلب هدمه الحب حتى سواه بمعدته كما يسوى الحائط المنقض بالأرض، ولكن الحب لم يبنه؛ لأن القلب لا يبنى على أساس من المعدة وليس في الرجل أمتن من هذا الأساس ... لا بل ما أحرى ذلك القلب أن يكون معدة ثانية تؤتي غذاءها من سفاله ولؤمه فلا يدخله الطيب حتى ينقلب خبيثا.
ويأتي هذا الرجل - ولا يكون إلا غنيا - وقد أدل بنفسه وأشرق وجهه كأن فيه كل معاني ذهبه وفضته، وإن كان هذا الوجه الجلدي كأنه بعض ما خلق من أحذية الرذيلة ... فيريد أن يتسفه الجمال عن ماله وثروته؛
1
ويريد أن يشتري الحسناء الجميلة التي خلقت للحب لا للبيع؛ وكأنه والله رجل جاءت به اللعنة المقعدة ليحملها ويسعى بها، فحملها وحمل الخزي معها وألقى عليه الله غضبه من عيني الجميلة التي اشتراها.
اشتراها من فقرها بماله، ومن تعاستها بقبحه؛ وكل تجارة الجمال في يدي الفقر والتعاسة، واشتراها وانقلب بها وكان لها - وا أسفا عليها - خزانة من حديد حبست فيها لؤلؤة!
فيا أيها القمر، لقد زعموا قديما أن هذا المحو الذي تراءى به هو عين ثرة، وأنها تفيض بقطرات من دموعها في الغلس على زهرة من أزهار الفجر؛ وزعموا أنها لا يفلح السحر إلا إذا وفق أهله لدمعة من دموعك يأخذونها من شفتي الزهرة كأنها كلمة القضاء؛ فأرسل أيها القمر كل ما في عينك على زهرات فجر الحب ليمتزج بندى هذه العيون الساحرة التي يبكي بها الجمال المحزون في أسره: وعسى يفلح سحرها في أولئك البهائم فيمسخهم أناسا يحسون بشعور الجمال الذي يخلق في كل حسناء ليكون حياة لجمالها وجمالا لحياتها فإن الله يأبى أن يجعل في الأرض أو في السماء قوة تجعل الحسان الجميلات يشعرن من الغلظة والفظاظة بما يشعر به أولئك البهائم.
رحمة لهذا الجمال!
অজানা পৃষ্ঠা