الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل الأخير
الفصل الأول
অজানা পৃষ্ঠা
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل الأخير
حديث القمر
حديث القمر
অজানা পৃষ্ঠা
تأليف
مصطفى صادق الرافعي
غرض الكتاب
بقلم مصطفى صادق الرافعي
هذه مقالة صرفت فيها وجه الحديث إلى القمر وبعثت إلى الكون في أشعة الفجر كلماتها.
ولقد كان القمر بضيائه كأنه ينبوع يتفجر في نفسي، فكنت أشعر بمعاني هذا الحديث كما يشعر الظمآن للهف قد بلغ الري وتندى الماء كبده فأحس بروحه تتراجع كأنما تحدرها قطرات الماء.
ونشرت على خيوط القمر ليلا من ليالي الجمال دونه شباب الشاعر الغزل يمتد مع ألحاظ فاتنته الحسناء كلما استطار في آفاقه ابتسامها.
وكنت أرى الطبيعة وقد شفت لعيني كأنها أخرجت حقائقها لتغسلها من ظنون الناس وأوهامهم بهذا الضياء الساكن المرتعد كأنه عرق يرفض من جبين السماء وقد تخشعت من جلال الله وخشيته إذ يتجلى عليها، فما فرغت من تصوير الأثر الذي تركته تلك الرؤية في نفسي حتى رأيت هذه المقالة في يدي وكأني أحملها رسالة تعزية من الطبيعة إلى العالم.
كتبتها وأنا أرجو أن تكون الطبيعة قد أوحت إلي بقطعة من مناجاة الأنبياء التي كانت تستهل في سكون الليل فيعيها كأنه ذاكرة الدهر، وأن تكون قد بثت في ألفاظي صدى من تلك النغمات الأولى التي كان يتغنى بها أطفال الإنسانية فتخرج من أفواههم ممزوجة بحلاوة الإيمان الفطري، وتذهب في السماء متهادبة كأنها طائرة بروح من اطمئنان قلوبهم، وتسيل في ضوء الصباح وظل الشمس ونور القمر كأنها في جمال الطبيعة أفكار طيور مغردة تدور على ألسنتها ... ... وكتبتها وأنا آمل أن تكون الطبيعة قد ألقت في معانيها بذورا من عناصر التحول الأخلاقي تزكو في هذه القلوب الحيوانية التي لو نقلت إلى جوانح البهائم لعاشت بها ... وهذه النفوس التي تذل لأحقر من في الأرض ولا تثور إلا على السماء، وهذه العقول التي تحاول أن تكتب للروح تاريخا أرضيا يبتدي وينتهي في التراب فتكون الحقيقة الإلهية التي لا يدركها الإنسان بسبيل من الوهم الإنساني الذي لا يدرك الحقيقة ... ... وكتبتها وأنا أطمع أن تكون الطبيعة قد نفخت فيها نسمة الحياة للعواطف الميتة المدرجة في أكفان من الحوادث الدنيئة؛ فإن هموم العيش لا تميت من عواطف القلوب إلا تلك التي لا تعرف كيف تستمد الحياة من روح الطبيعة، وإنما يكون استمدادها من مادتها فتحيا بخبر وتموت بخبر، وقد تمضي كالوحش الذي يرميه الصائد ولا يصميه فينفر حاملا جنبه وفي جرحه الموت والحياة معا ... ... وكتبتها أتناول ألفاظها من تحت لساني وأكشف من قلبي معانيها وأنقض عليها ألوان الطبيعة التي تصور أحلام النفس وخيالاتها، وأنا أرجو أن أكون قد وضعت لطلبة الإنشاء المتطلعين لهذا الأسلوب أمثلة من علم التصور الكتابي الذي توضع أمثلته ولا توضع قواعده؛ لأن هذه القواعد في جملتها إلهام ينتهي إلى الإحساس، وإحساس ينتهي إلى الذوق، وذوق يفيض الإحساس والإلهام على الكتابة جميعا فيترك فيها حياة كحياة الجمال، لا تداخل الروح حتى تستبد بها، ولا تتصل بالقلب حتى تستحوذ عليه فتكون له كأنها فكرة في ذاته.
وكل علوم البلاغة إنما تدور على شرح أمثلة بليغة وغير بليغة. فما من كاتب يحاول أن يستفيد تصوره من هذه العلوم على أن ينزلها في ذلك منزلة الأصول والضوابط إلا انتهى إلى ملكة علمية تتصل منه بعقل جامد كأنه غلاف لفظي نسجته القواعد والأمثال، فإلى أن يعقد الموت لسانه لا تكون قيمة عمره قد أربت في البلاغة على ثمن كتاب من كتب علوم البلاغة ... ولا غرو فإن من ضلال العقل أن يعمل المرء لمقدمات متسلسلة ينتج بعضها بعضا وليس لمجموعها نتيجة.
অজানা পৃষ্ঠা
وحسب مثل هذا عقابا (بليغا) في رجع أمره أنه لا يزال ينشر أذنيه على البلاغة طمعا فيها وهو موقن باليأس منها، وذلك ضرب من المطمع لا تبتلى النفوس بأشد منه، حتى إن نفس الأثيم الذي أنسلخ من الفضيلة لتقر على كثير من أنواع العذاب ولا يعذبها شيء كرؤية هذا المجرم للفضيلة في غيره وهو يعرف أنه لن يستطيع أن يحرزها لنفسه.
البلاغة التي حار العلماء في تعريفها على كثرة ما خلطوا لا تعدو كلمتين: قوة التصور، والقوة على ضبط النسبة بين الخيال والحقيقة؛ وهما صفتان من قوى الخلق تقابلان الإبداع والنظام في الطبيعة، وبهما صار أفراد الشعراء والكتاب يخلقون الأمم التاريخية خلقا، ورب كلمة من أحدهم تلد تاريخ جيل.
فإذا مسخ التصور في الإنشاء فجاء كتصدر المريض، وثرد الخيال فذهب كخيال المجانين، وأدير الإنشاء بعد ذلك على أنه بليغ، فاعلم أنها بلاغة العصور الذاهبة في الإنحلال بآفات الاجتماع وأمراضه، فيكون طابعها في اصطلاح مرضا من نفسها؛ ولقد فشا ذلك في العربية حوال القرن الخامس للهجرة إلى عهدنا، فثم عالم من الشعراء والكتاب بلا شعر ولا كتابة.
1
وما البليغ إلا ذلك الذي لا يستطيع أن يؤتيك طبائع الأشياء - التي تجعلها - في غير صورها، ثم أنت لا تعرفها من كلامه إلا في صورها، فكأنه ناسب بين قوتها وضعفك بصناعته وسحره؛ إذ يمازجها بخيال قوي كالعقل يوازن ضعفك، وحقيقة ضعيفة كالقلب توازن قوتها؛ وهو لا يتسلط على طبيعتها إلا بتصوره، ولا يستهوي طبيعتك إلا بقدرته على ضبط النسبة بينك وبينها.
فالبلغاء هم أرواح الأديان والشرائع والعادات، وهم ألسنة السماء والأرض، وإذا شهد عصر من العصور أمة ليس فيها بليغ فذلك هو العصر الذي يكون تاريخا صحيحا لأضعف طبائع الأمم.
وكتبت هذه المقالة وبحسبي منها أن يكون عند الحقيقة ذخرها، وعند الجمال شكرها، وعند الله أجرها.
الفصل الأول
أيها القمر!
الآن وقد أظلم الليل وبدأت النجوم تنضح وجه الطبيعة التي أعيت من طول ما انبعثت في النهار - برشاش من النور الندي يتحدر قطرات دقيقة منتشرة كأنها أنفاس تتثاءب بها الأمواج المستيقظة في بحر النسيان الذي تجري فيه السفن الكبيرة من قلوب عشاق مهجورين برحت بهم الآلام، والزوارق الصغيرة من قلوب أطفال مساكين تنتزعها منهم الأحلام، تلك تحمل إلى الغيب تعبا وترحا، وهذه لعبا وفرحا والغيب كسجل أسماء الموتى تختلف فيه الألقاب، وتتباين الأحساب والأنساب، وتتنافر معاني الشيب من معاني الشباب، وهو يعجب من الذين يسمونه بغير اسمه ولا يعلمون أنه كتاب في تاريخ عصر من عصور التراب. ... والآن وقد بدأت الطبيعة تتنهد كأنها تنفس بعض أكدارها، أو هي تملي في الكتاب الأسود أخبار نهارها، وبدأ قلبي يتنفس معها كأنه ليس منها قطعة صغرى. بل طبيعة أخرى، ولله ما أكبر قلبا يسع الحب من قبلة اللقاء إلى ذكراها، ومن حياة الصبي الأولى إلى ما يكون من الجنة أو النار في أخراها، إن هذا لهو القلب الذي ترى فيه الطبيعة كتاب دينها المقدس، فإذا لحق العاشق الذي يحمله بربه تناولته وهي جاثية كأنها في صلاة الحزن، ثم قلبته متلهفة، ثم قلبته متخشعة ثم أودعته في مكتبة الأبد لأنه تاريخ قلب آخر، بل جزء من الموسوعات الكبرى التي يدون فيها الدهر تاريخ النفس الإنسانية على ترتيب بعينه تعلم الناس منه أن يبدئوا لغاتهم جميعا بحرف «الألف» لا لأنه من أقصى الحلق ... بل لأنه من أقصى القلب، بل لأنه من أقصى التاريخ، بل لأنه أول اسم «آدم» ذلك العلم الأول في تاريخ الحب. ... والآن وقد رقت صفحة السماء رقة المنديل، أبلته قبل العاشق في بعاد طويل، أو هجر غير جميل، وتلألأت النجوم كالابتسام الحائر على شفتي الحسناء البخيلة حيرة القطرة من الندى إذ تلمع في نور الضحى بين ورقتين من الورد؛ وأقبل الفضاء يشرق من أحد جوانبه كالقلب الحزين حين ينبع فيه الأمل، ومرت النسمات بليلة كأنها قطع رقيقة تناثرت في الهواء من غمامة ممزقة وأقبلت كل نفس شجية ترسل آمالها إلى نفس أخرى كأن الآمال بينهما أحلام اليقظة، ونظر الحزين في نفسه، والعاشق في قلبه؛ ونام قوم قد خلت جنوبهم فليس لهم نفوس ولا قلوب، ولبس الكون تاجه العظيم فأشرق عليه القمر.
অজানা পৃষ্ঠা
والآن وقد طلعت أيها القمر لتملأ الدنيا أحلاما وتشرف على الأرض كأنك روح النهار الميت ما ينفك يتلمس جوانب السماء حتى يجد منها منفذا فيغيب، فهلم أبثك نجواي أيها الروح المعذب، وأطرح من أشعتك على قلبي لعلي أتبين منبع الدمعة التي فيه فأنزفها. إن روحي لا تزال في مذهب الحس كأنها تجهش للبكاء ما دامت. هذه الدمعة فيه تجيش وتبتدر، ولكن إذا أنا سفحتها وتعلقت بأشعتك الطويلة المسترسلة كأنها معنى غزلي يحمله النظر الفاتر فلا تلقها على الأرض أيها القمر، فإن الأرض لا تقدس البكاء، وكل دموع الناس لا تبل ظمأ النسيان ولو انحدرت كالسيل يدفع بعضها بعضا.
أرأيت أيها القمر هذا النهر الصافي الذي يجري كأنه دموع السحر من أجفان هاروت وماروت. ويطرد بجملته كأنه قطعة من السماء هاربة في الأرض؛ وهل تبصر في شاطئه تلك الشجرة الناضرة الممتلئة بالأوراق كأنها مكتبة يتصفحها الهواء؟ هذه هي مثال الفلسفة الطبيعية، فكل حكيم لا ينبت على شاطئ الدموع الشريفة فهو فيلسوف جاف كأنه مصنوع من جلود الكتب؛ وما دمعتي إلا النهر الذي نبت في شاطئه، وهي أطهر شيء وأصفاه؛ لأنها مخلوقة من ثلاثة عناصر تقابل العناصر السماوية من الحب الذي يقابل عنصر النار، ومن اللين الذي يقابل عنصر الهواء، ومن البكاء الذي يقابل عنصر الماء.
ليس كل من عصر عينيه فقد بكى؛ إن البكاء لأشرف من ذلك، وكما يكون الضحك أحيانا حركة في الأفواه تبعثها العادة كحركة الحواس الغليظة فيضحك المرء وقلبه صامت، كذلك يكون من البكاء ما هو حلم الأسى؛ لأن في العين حاسة لا بد من تمرينها أحيانا تسمى حاسة الدموع.
وما إن لقيت باكيا إلا رأيت وجهه مقبلا علي كأنه يسألني: ترى من أين يذبح الإنسان إذا كانت دموعه هي دماء روحه؟ ذلك لأن الدموع لم تعد على طبيعتها دموعا، بل هي علامات الألم أو السخط. الألم من المخلوق والسخط على الخالق، فهي ألفاظ من لغة العجز قد تكون أفصح منها في الأداء كلمات السفاه والغيظ والحنق وما إليها.
ولكن الباكي بها لا يجد من قوة الجراءة ما يرفع صوته من حفرة الحلق التي لا تمتلئ، مع أن نفس الحر تئد فيها كل يوم ألفاظا كثيرة من عبارات الذل والتمليق فلا ينطق بها، وتئد فيها نفس الذليل كل ألفاظ الإباء والأنفة فلا ينطق بواحدة منها، وذلك لعجز الباكي ولضعف إحساسه بالذل السياسي، أو لضعف قلبه بالتقوى التاريخية، فيرفع صوت روحه وهي تتكلم من العين بهذه المعاني السائلة التي نسميها الدموع.
أريد أن أبكي بكائي الطبيعي أيها القمر، لأنه يخيل إلي أن حقائق كثيرة تغتسل بدموعي؛ وإني لا أكون في حاسة إلى البكاء إلى حين تكون هي في حاجة إلى الدموع، ولقد شعرت مرارا بحركة عقلي في تصفح الأسفار، واضطراب نفسي في متاحف الآثار، واختلاج قلبي في معابد الطبيعة التي قامت الجبال في بنائها لأنها أحجار؛ فما أفدت من كل ذلك ما أفدته من دمعة تفور في صبيبها كأنها روح عاشق يطاردها الموت بين يدي حبيبها فإن في هذه الدمعة ثواب كل آلامي، ويقظة كل الحقائق من أحلامي.
وما زلت حائرا في أمر مشتبه لا أصيب الوجه فيه، فلا أدري إذا كانت هذه الدموع المتساقطة تنقض من بناء الحياة لينهد، أو هي تضاف إليه ليشتد: فإني أرى أقواما يحيون بالدموع وآخرين يموتون بها، ولعل عين الإنسان ملئت بالدموع من أصل الفطرة لتكون منها خنادق مستفيضة حول الروح فلا يقتحمها الفكر ولا يرى أبدا إلا ظاهرها، ولولا ذلك ما بقيت الروح من أمر الله، أولسنا نرى الذين يبكون كثيرا من الحكماء والجهال على السواء يؤملون أن يدركوا من أسرار الروح كثيرا إذ يرون تلك الخنادق قد أخذت تمج ما فيها فكأنهم بالماء قد غيض وكأنهم بالأمر قد قضي؟
ولكن الإنسان ليس إله نفسه؛ فهو يبكي صابرا ويصبر باكيا، ومتى انكشفت أرض الخنادق الروحية ظهرت فيها حفرة القبر، وكانت آخر دمعة تجف منها هي دمعة الموت.
بيد أن الحقائق التي تهيئ للبائسين ذلك الأمل بكثرة ما تفيض أعينهم من الدمع، هي في رأي الناس علم وفلسفة؛ لأن الجهل في الإنسان لا حد له، فكل ما ظفر به عده حدا علميا؛ أولا ترى أن أجمل ما في الديانات والشرائع قد تحول إلى حجارة البيع والصوامع والمساجد والأضرحة والحبوس وكثير من مثلها حتى صارت هذه الأبنية تفهم الناس من ضروب المعاني أكثر مما تفهمهم الكتب السماوية في الأرض، والأرضية في السماء؟
ما لي ولك أيها القمر لا أحب أن أفيض عليك دمعتي فقد ترى فيها أشعة كثيرة من ألوان الأسرار المختلفة، بل أنا أراها في قلبي وقد اشتمل بها الخيال الحزين، خيال هذا الأمل الذي يسميه الناس «الحب» وتسميه الطبيعة «الحياة المعذبة» لأن الناس قد مضوا على أن لا يعرفوا الحقيقة إلا بأوصافها، ولا يعرفوا من أوصافها إلا ما يتعرف إليهم من ظاهرها الجميل، أما باطن الحقيقة الذي يحتوي السر المحزن فهذا يعرفه من يفهم لغة الطبيعة، وما لغتها إلا أفعالها.
অজানা পৃষ্ঠা
وأنت فإذا أردت أن تدرس علم البلاغة من هذه اللغة الطبيعة فادرس المصائب والآلام والأحزان؛ إنها هي أقانيم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، وإنك إن درستها وتدبرت شواهدها الصحيحة التي لم يصنعها رواتها ولم يجيئوا فيها بمنكر القول وزوره، أصبحت أفصح من ينطق عنها في هؤلاء البكم الذين يقرأ أحدهم صفحة الزهر بعينين في أنفه
1 ... ولا يستحي الغبي أن يقول لك إن في الزهرة معنى جميلا، كأن في أنفه عقلا من العقول العشرة ...!
فمن أحب ورأى حبيبته من فرط إجلاله إياها كأنها خيال ملك يتمثل له في حلم من أحلام الجنة، ورأى في عينيها صفاء الشريعة السماوية، وفي خديها توقد الفكر الإلهي العظيم، وعلى شفتيها احمرار الشفق الذي يخيل للعاشق دائما أن شمس روحه تكاد تمسي: ورآها في جملة الجمال تمثال الفن الإلهي الخالد الذي يدرس بالفكر والتأمل لا بالحس والتلمس، فأطاعها كأنها إرادته واستند إليها كأنها قوته، وعاش بها كأنها روحه - فذلك هو الذي يشعر بحقيقة الحب ويفهم معناه السماوي، وهو الذي يقول لك صادقا مصدوقا. إن كل لفظة من لغة الطبيعة في تفسير معنى الحب كأنها صلصلة الملك الذي يفجأ الأنبياء بالوحي في أول العهد بالرسالة.
ليس كل ما يعجبك يرضيك، ولكن كل ما يرضيك يعجبك، فالجمال الوصفي الذي يقاس بالنظر ويخرج منه الفكر بنسبة هندسية، جمال صحيح وحري أن يكون معجبا؛ ولكنه على كل حال بناء جسمي كالقصر المشيد الذي يعجب الفقير المعدم فيتمناه، فإن هو صار له خاليا لم يرضه، لأنه لا يلتحف سقوفه المموهة، ولا يفترش أرضه الموطأة، ولا يلبس جدرانه الموشاة، ولا يقتات من هوائه الطلق؛ أما الجمال الذي يرضي فهو الذي يشف عن صورة روحك بغير ما يخيلها لك ماء الحياة العكر - هذا الذي لا يشف عن شيء ولا يزال يضطرب فيجعل شبحك في اختلاطه كأشباح البهائم يخلق كل منها خلقا جديدا كلما ضربت البهائم في الماء بأرجلها - فترى من ذلك الجمال كأن ملكا هبط عليك من السماء وفي يده مرآه فنظرت فإذا صورتك بعينها ولكنها في يد ملك.
وقليل أن يجد الناس مثالا من ذلك الجمال، فكثير منهم يجحدون ويرونه ضربا من الوصف الشعري الذي يظهر في خلقه وإبرازه مقدار ما في الشعراء من روح الله؛ وإنما يجحد مثال الجمال الكامل من لا يستطيع أن يكون مثال الحب الكامل، وإذا كانت المرآة قد علاها الصدأ فكيف يعلوها الوجه الجميل، وكيف تخلص إلى روحك من طين هذه الكأس الزجاجية (المرآة الصدئة) نشوة الجمال ولو سكبت فيها حور الجنة كل ما في خدودها؟
ولقد قيل: إن قوما من العرب ترحلوا عن بعض منازلهم فكان من أنسائهم
2
قطعة مرآة صقيلة كأنها وجه المليحة التي نسيتها، فمرت بها ضبع كأشأم ما خلق الله قبح طلعة وجهامة منظر، حتى كأن في وجهها تاريخ الجيف التي اغتذت بها، فوقفت عليها تعجب من إشراقها وسنائها، وما كادت تنظر فيها حتى راعها وجهها ولا عهد لها برؤيته من قبل؛ لأن الله رحيم، ومن رحمته أن لا تعرف الوحوش أنها وحوش، وأن لا تجد أسباب هذه المعرفة، فانقبضت الضبع وزوت وجهها وقالت: من شر ما اطرحك أهلك أيتها المرآة ...!
فجمال هذه الضبع الذي جحدته المرآة كما يجحد الكافر رحمة الله وحسنها الذي أحالته المرآة قبحا كما يخيل الطبع اللئيم كل حسنة تتصل به إلى سيئة. هما أشبه شيء بالعقل والقلب في المحب الأخرق الذي يحب حواسه فتجوع روحه وتشبع وتعتل بالتخمة أيضا ... وكم في الناس من مثل هذه الضبع، وكم في الحسان من مثل تلك المرآة!
أحس وما أحسب الإحساس إلا نكتة صافية في القلب تقابل نكتة العين التي يكون بها البصر، فكل ما انطبع في هذه انطبع في تلك، لكي تكون الروح بين مرآتين فيسهل عليها أن تدرس الحقيقة بالمقابلة، فإذا نزل الشاعر الدقيق الحس بروضة غناء نضرة أحس بقلبه كأنما يخضر بعد يبس، وإذا أطل في الغدير الصافي أحس بمعنى الماء ينساب في عروقه، وإذا نظر إلى وجه الجميلة الحسناء فلماذا لا يحس أن قلبه امتلأ جمالا حتى كأنه لا يعشق منها إلا شيئا في نفسه؟
অজানা পৃষ্ঠা
بلى وأكثر من ذلك، فإن الشاعر ليكتب عمن يحبها فيرى كأنه ينفخ في كل كلمة معنى من الحياة؛ لأنه لا يكتب كلاما بل يخط صورة قلبه؛ والعواطف الحية تبقى حية ولو كانت مرسومة؛ لأنها لا تجتمع في شكلها الذي تنتهي إليه إلا بعد أن تمر في أدوار الحياة فتألفها الأرواح وتصير كاللفظ المأنوس: ما هو إلا أن يذكر حتى ترى معناه للذهن ماثلا.
بلى ولقد يخيل إلي أيها القمر الجميل حين أكتب عمن أهواها أنك لفظ في ألفاظي تطلع من المداد، فإذا قلت: «وجهها» فهل تظن هذا اللفظ الذي هو جملة الجمال إلا قمرا في الكلام؟ وإذا قلت: «ابتسامها» فهل ترى هذه الحروف التي تتنفس على القلب إلا أشعة الفجر الندي؟ وإذا قلت: «هي» فهل ترى إلا «ضمير» الطبيعة التي تأخذ عليها الإنسانية دينها؟
آه لو تعلم أيها القمر من «هي»!؟
الفصل الثاني
وآه إن في «ضمير الطبيعة» وفي المعنى المستتر في الهاء والياء لسرا من الحب تتجدد في الناس معانيه المعضلة كأن فيه حياة غريبة تغذوه بتلك المعاني، فهو في علم الروح كالروح نفسها في علم الإنسان.
وإذا تناولته نفس المحب وطفقت تعالجه رأيت المحب ذاهلا كأنه حي بلا نفس، وآنست من نظره عمقا بعيد الغور كأنه الطريق الذي مرت منه نفسه؛ فهل يمكن أن يكون في يقظة هذا الإنسان نوع من الحلم؟
لقد غفلت الآن عن نفسي هنيهة أو هي غفلت عني؛ فما نبهني إلا اضطراب ينتفض له قلبي كأن حواسي كلها نهضت تستقبل روحي وقد انقلبت من سفر طويل تحف بها الحاشية العريضة من الأفكار والآمال.
فتلقتهن وجعلت تطرف كل حاسة بتحفة نفيسة من هداياها وهن يتناهبنها، وأنا في ذلك كأنني مقسم إلى حزب أو مجتمع من حزب؛ وما لبث أن ردني إلى وحدتي النفسية حفيف كنجوى النسيم للزهر وليس بها، وكصوت القبلة المختلسة على حياء وليس بها: وكأنه آهة رقيقة انبعثت من شفتي حورية سماوية فأرسلتها الملائكة إلى الأرض؛ لأنها دار الفتنة فما زالت على وجهها تتصفح كل وردة وكل خد كأنه من الوردة وكل شفة كأنها من الخد، حتى رأت «ليلى» وهي تبتسم فاختبأت في شفتيها وما تشك من طيبهما أنها رجعت إلى صاحبتها في الجنة.
سرى هذا الحفيف قليلا قليلا فلا والله ما منه نشوة الخمر ولا نفثة السحر ولا رجفة الطرب، ثم سرى قليلا قليلا فما هو إلا أن أصاب قلبي حتى انتفضت كأن قبلة حارة انطبعت عليه ومسته بشفتيها الرقيقتين؛ فكانت هذه الطرفة هدية الروح إلى القلب.
وما أسرع ما اجتمعت أشتات الحياة التي توزعتها الآمال لتنغمس في بقايا تلك القبلة العذبة التي صبها الهوى على القلب صبا كما تتناول السعادة قلب طفل حزين فتغسله بابتسامة من أمه، وسرعان ما انتبهت بعد ذلك فإذا أنا مستيقظ أو كالمستيقظ!
অজানা পৃষ্ঠা
لا أدري أيها القمر كم هي تلك الفترة من حساب الزمن؟ فإني لم أنظر في ساعتي، أو بالحري لم أنظر وجه التاريخ، فقد أبغض الساعة لأنها ميزان تبين مقدار السم البطيء الذي ينفثه في الحياة ذنب (عقربها) بتلك الحمة المسددة إلى الساعات والدقائق.
ودع الناس يزنون بها الحياة لا الموت، فإن كل شيء في يد الإنسان أصبح لا يخرج منها إلا بثمن ومقدار، ولو عد الله عليهم حب الغمام أو حب الأرض كما يعد بعضهم على بعض لهلكوا جميعا كما يهلك اليوم بعضهم بعضا، ولو تدبرت اختلاف أثمان الوقت في هذه الأجسام التي تشبه الحوانيت لتجارة الحياة لقضيت عجبا من الإنسان، فرب دقيقة واحدة من حياة رجل تبذل في ثمنها حياة بتمامها من رجل أو رجال.
ورب يوم يبيعه رجل
1
فلا يساوم عليه بأكثر من نظرة ازدراء، ويوم آخر تبذل فيه كل أزمنة التاريخ المجهولة وكثير من أيامه المعدودة ليملأ بعظمته ذاكرة الزمن الخالية.
ولي صديق فيلسوف يضحك عاليا ملء فمه حتى ليخيل إلي أنه ولد في يوم رعد قاصف. وذلك كلما حدث عن صاحب له واعده يوما أن يوافيه في ساعة معينة، ثم وافاه الفيلسوف وقد مرت الساعة ولحقت بها أختها، فقال صاحبه متململا: أوليس ...؟ فقطع عليه صاحبنا ما وراء السين وقال. دعني من اسم هذا الفعل الناقص وخبره، حينما يحرص الزمن على أن لا يخطئ في حسابنا نحرص على أن لا نخطئ في حسابه!
وأنا لا أقول بإغفال الوقت وإرساله كأنفاس المختنق: لا تذهب من الحياة ولكن تذهب بها، فإن هذا قد كان في عهد آبائنا وآباء التاريخ حين كان الليل ساعة فلكية للطبيعة وكانت النجوم أرقامها ثم كانت دقاتها صياح ديك عند جماعة ونهيق حمار عند آخرين.
وإنما أريد أن لا يحاسب أحدنا ربه بالدقيقة؛ فإذا سبب له من وقته طربا أو ساق إليه فرصة حظ من السعادة فليطرب ولينتهز من فوره ولساعته وليأخذ ما آتاه بقوة؛ فإن الدقيقة الواحدة التي يتفلسف فيها وقتئذ ربما كانت هي الطريق الذي تمر منه الفرصة إلى ما وراء الزمان فتلحق البعيد بالبعيد من الأبد حيث لا يتعلق بها شيء من أوهام ذلك الفيلسوف المفكر ولو خرجت روحه تشتد وراءها عدوا ...
فإذا اتفقت لي هنيهة كالتي انتهت الآن بهدية الروح إلى القلب فقلما يعنيني مقدارها، بل أنا أحسبها كما أشاء ولا أذكرها إلا ذكرة الهرم يوم ميلاده بعد أن أسند في حدود المائة، فاعتبر مقدارها بسنة وبمائة سنة، ما شئت من قليل وما شئت من كثير؛ لأنها أصبحت لي لا للتاريخ ولا للساعة. وقد تكون لي ذكرى الحياة كلها فلا أسلمها في يد الغيب إلا مع آخر نفس من أنفاسي. ومع ذلك فإني أحرص على أن أجعلها كأنها نفس من حياة الآخرة خرج في الحياة الدنيا فتظل روحي واقفة على الجسم لحظة وهي قد فارقته حتى يبرد أثر القبلة التي انطبعت على القلب ويبرد الموت على جنبي، وحينئذ لا يبقى لها في الجسم شيء من الحب ولا أثر زفرة من زفراته فتصعد متباطئة ...
لست أشك أن لليقظة أحلاما. وإلا فما شأن الذاكرة إذن، وهل هي إلا بيت الأحلام؟
অজানা পৃষ্ঠা
ولكن هذا البيت لا تقام فيه الحفلات إلا في أثناء الليل، فيموج بأهله حتى ما يرى العقل إلا أشباحا متفرقة كأنها ما صفح عنه البلى من سطور كتاب قديم.
ومن الذي ينكر أن استبداد الملوك الطغاة وما إليه من استرقاق الشعوب وتعبد الضعفاء وظلم المساكين إنما هي أحلام مزعجة من أحلام الإنسانية المستيقظة.
إنك لتشتري الذهب بالفضة، وتستبدل الفضة من الذهب، ولكن البيضاء ينبغي أن تكثر في حالتيها حتى تساوي في القيمة ما تشتريه بها أو ما تشتريها به من ذلك المعدن النفيس؛ فإذا نقصت شيئا قليلا ولو درهما بقي الذهب سيدا وذهب النقص بالتكافؤ بين الرتبتين.
انظر أترى ثمة شعبا مستعبدا يجتمع كما تتراكم الأنقاض ويتفرق كما تتبدد وليس منه في الاجتماع والتفرق إلا صورتان للخراب كالبومة والبومة في التشاؤم؟ إنك لتنظر الشعب الذي يحلم وهو مستيقظ؛ ألا تراه يعمل على السخرة ويطبع بالإرادة أو بالوهم الذي صار له كالإرادة، ويشك في أنه يخاف من المستبد أو يخاف من أن يشك فيه، ويرجو على قوته ما يرجوه الأجير أن يملك يده ساعة ليتناول بها لقيمات يقمن صلبه، وأن ينتهي عمل يومه ليوقن أنه إنسان كالناس له يد يملكها؟
هذا دأب الاستبداد ودأب الشعب الضعيف الذي ابتلي بالنقص عن مكافأة المستبد به ومساواته؛ وكثيرا ما لا يكون هذا النقص فيه إلا بمقدار درهم واحد من الفضة التي نزلت عن مقدار الذهب.
ولكن أين هذا الدرهم المتمم؟ درهم واحد من الشعب يكون الشعب كله ويجعله مالكا بعد أن كان مملوكا، وحاكما بعد أن كان محكوما، ويخرجه في التاريخ من رتبة إلى رتبة.
هذا الدرهم هو الذي يبقى في يد القدر حتى يجيء يوم الحساب الذي وعدت به الحرية المظلومة للانتصاف من ظالميها فيعطيه الله للشعب، ولا يكون إلا رجلا ولكنه رجل إلهي.
أفتدري من هو هذا الرجل الإلهي؟ هو الذي لا تعرفه الحياة ولا يعرفه الموت فلا يذل لأحدهما؛ تتبرج له الحياة فلا تغره، ويتجهم له الموت فلا يضره؛ ويبتلى بكل ما يسوء ويسر فلا يسوءه ولا يسره ...
هو رجل روحه في كفه - وهي العلامة الإلهية فيه - فما إن يزال يثب بها من كل قبر يحتفر له ولا يسقط أبدا. وكل رجل إلهي لا يخطو إلا فوق القبور؛ حتى إن تاج الملك لينكشف عن رأس صاحب الجلالة إذا رآه وهو يهوي إلى الأرض عساه يكون لتلك الأنفة قبرا ذهبيا: فإن هذا الرجل الحق لا يجيء إلا عندما تقضي السماء على الأرض بحكم من أحكامها، فيخلق الله بين جنبيه قلبا هو المعنى المتجسم من ذلك الحكم.
وتسبق مجيئه أعاصير ومحن تهب على الأرض فتقيم الدنيا قيامة لا لظلم الناس ولكن لتمهد طريق الإعصار الساكن الذي يولد هادئا منطويا على حقيقته انطواء القنبلة.
অজানা পৃষ্ঠা
وإنه ليخيل إلي أن هذه الأعاصير لا ترسل على الأرض إلا لغرض واحد هو من أمر الله؛ وذلك أن تسفي من كل جهة في الأرض هبوة من التراب فتجمع منه ملائكة الغضب كل ذرة قد كتب لها في الأزل أن تكون في حفرة هذا البطل فينتزع قبره من الأرض، ويمين الله لو فتحت له القبور كلها لما سقط في واحد منها بل يظل يخوض الموت خوضا وكأنه يغسل رجليه في نبع بارد؛ ولو شبت حوله جوانب الأرض سعيرا يتلظى لما عدت أن تكون نارا ينضج بها غذاء تاريخه الشره.
فمتى نفذ حكم السماء وتمت كلمة ربك واستغفرت الأرض من سيئتها التي نزل بها العقاب لأجلها، أحس ذلك الرجل أنه إنسان وأنه بدأ يعرف الحياة واستشعر ظلا يمر على نفسه وهو لا يعرف أنه تراب قبره الذي يتساقط إلى الأرض شيئا فشيئا حتى يجتمع، ولا يكون إلا ريث يتهيأ منه مقدار يواريه حتى يعرف الموت إذ يغدو على الأرض يتفقد الحفر الخالية ويجمع منها الأوراق الذابلة التي نثرها القضاء من شجرة الأعمار.
هذا هو الرجل الإلهي الذي لا ينثني؛ لأنه الحق، ولا ينحرف؛ لأنه العدل، ولا يخاف؛ لأنه البأس، ولا يضعف؛ لأنه القوة، ولا يحيف؛ لأنه الإنصاف؛ ولو تعلق به أهل الأرض جميعا لمشى بهم مطمئنا؛ لأنه في نفسه كقطعة من نظام السماء الذي يجذب الأرض في فضائها.
وهذا هو الرجل الذي يتعرف به الناس معاني الاصطلاحات النفسية القوية، كالشهامة والنجدة والصدق والإخلاص والإيثار وما إليها من سائر المفردات التي يتألف منها معجم الفضيلة.
وهو في كل ذلك كأنه قاعدة من قواعد العلوم، تعطيك المثل الذي تريده لأنها هي ذلك المثل لا لأنها تعطي وتمنع.
فلو أريد ذلك الرجل على الخيانة واللؤم والجبن والتملق ونحوها مما يكون في المتشبهين به لزاد وفاء وكرما وإقداما وأنفة، كما يزيد طيب العود بإحراقه.
أرأيت إذن مقدار الدرهم الذي ينقص الشعب؟ إن أكبر رجال التاريخ لا يزن أكثر من درهم واحد في ميزان الله.
ومن نكد الدنيا أنك لا تزال ترى المصلحين حيث ترى نفسك لا تفقدهم في مكان، ثم لا يزيد الأمر معهم إلا فسادا؛ لأنهم مصلحون بالتشبه والتقليد أو بقوة الإرادة أو بإرادة القوة؛ وإن أحدهم ليريد أن يكون مصلحا فيكون، ثم يبتغي أن يعمل عمل المصلحين فلا يبرح يبحث عن الفساد حتى يجده أو يوجده، ثم لا يتخذ من الناس ما يتخذ الأطباء في تجاربهم من العقاقير، فيستحق طائفة ويمزج طائفة ويذيب طائفة؛ كل هذا والشعب يقيه بنفسه من التلوث بالقذر كالبذلة في نطاق المتبذل؛ وهو دائب على أمره حتى تسفر التجربة عن مزيج ينظر فيه فيعرف من النظرة الأولى أنه عرق الخيبة التي تفصدت به من طول ما أجهدها في عمله ...
خذ أحد القوانين مثلا واقرأه ثم تدبره ثم أرسله من يدك وأرسل ألفاظه من روحك، فإنها ستنقلب رجالا يتسللون، فأتبعهم قلبك وانظر أفعالهم وتغلغل ما استطعت في مكامن النيات وأبعد إلى مطارح الظنون وكن منهم فطنة وحذارا كأنك تستنبئ أخبار كل نفس من ملكيها، فإذا وعيت وتبينت واستبرأت كل ما تشك فيه إلى منقطع اليقين فامسخهم ألفاظا كما كانوا واجهد جهدك في فهمهم بعد، فإنك ستعجب من لغة قانونية وضعت لتفهم كما تثبت في أذهان واضعيها لا كما تتحول في أذهان الناس، وسترى ذلك القانون نفسه كأنه كتاب من كتب النحاة المتأخرين: قلما تعرض فيها قاعدة إلا كان أساسها «زيدا وعمرا وبكرا وخالدا ...» فيدخل هؤلاء المساكين من كل باب ليطبقوا على القاعدة لا لكي تطبق عليهم ... ولا يكون مأتى ذلك إلا من الفهم الميت في معاني الإصلاح، فإن المعاني نفسها تموت معه ويبقى كل لفظ كأنه قبر يتفاءل له بالرحمة وتجري عليه الدموع وتنشق المرارات وهو لا يجيب الناس على كل ذلك إلا بطلب ميت جديد.
لا مفر للخلق من العبودية، وأنى لهم المفر والسماء فوقهم والشرائع تحت السماء والقوانين تحت الشرائع والرذائل تحت القوانين والوحشية تحت الرذائل؟ فويل للمستضعفين الذين يفرون من كل فرجة بين المخالب والأنياب وفي أرجلهم القيود الثقيلة، وويل للإنسان الذي لا يكتفي بالله في سمائه حتى يستعبد لصفاته في أهل الأرض؛ فالجبروت في الملوك! والكبرياء في الحكام، والتقديس في القوانين عادلة وظالمة. والعزة في القوة وماذا بقي لله ويحك؟
অজানা পৃষ্ঠা
أيها القمر الذي يشرق من بعيد كأنه وجه الحرية مهما بعد فآماله قريبة ساطعة على كل نفس حقيرة، إني أرى العبودية لله وحده؛ فإنما هي فكر الروح في مبدئها واتصالها به، وإن كان في الأرض عبودية شريفة فهي للحب وحده، وإنما هي فكر القلب في مرجعه واتصاله به؛ وكما يستبعد الأعمى لعكازته لأنه يرى فيها عنصرا من النظر، والشيخ الهرم لعصاه لأنه يرى فيها عنصرا من الشباب، والطفل الصغير للعبته لأنه يرى فيها عنصرا من العقل - كذلك يستبعد عاشق الجمال للجمال؛ لأنه يرى فيه لروحه وقلبه نظرا وشبابا وعقلا، فيبصر ويقوى ويعقل إذا عمي غيره وضعف وخرف؛ ويعلم حينئذ بنظرة الفكر القوية العاقلة أن العبودية للحب الصحيح هي مبدأ العبودية الصحيحة لله.
الفصل الثالث
ولعمري أيها القمر إني لأشكو إليك بثي وحزني، وأناجيك بأحلام النفس الإنسانية، وإنك لتجيبني الجواب الصامت البليغ فتطرح أشعتك في قلبي آخذ من بعضها قولا وأرجع إليك بعضها قولا، كالعاشق يرى في ألحاظ حبيبته بالنظرة الواحدة ما في نفسه وما في نفسها.
ولقد أرى لك في جانب من قلبي شعاعا غريبا قد استبهم علي فلست أعلمه، وكأنه ينبعث من أبعد سمت في السماء إلى أعمق غور في القلب، وإنما انحدر في أشعتك ليمتزج بشيء من الغزل يستأذن به على هذا القلب الذي فيه من الحب أكثر مما فيك من الجمال.
وما أدري ما أمر ذلك الشعاع؛ غير أني أحس أنه ينير في حلك الظلمة الخالدة التي فصلت بيني وبين أيام ولدت فيها الدنيا معي، فأراه يقابل نفسي بمعان رقيقة كأنها أرواح تلك الأيام الماضية، كأنه اتسق أسطرا نورانية أقرأ بها فصلا من تاريخ الطفولة الذي تضحك كلماته لأنه من لغة الضحك.
تلك اللغة الخاصة بالأطفال والتي يضحك منها الرجال أحيانا إذا استمعوا لها لأن في أنفسهم بقية من أثرها.
تلك اللغة الموسيقية التي تفيض ألحانا حتى في الحزن، والتي توقع أنغامها على كل شيء تصادفه كأن كل شيء ينقلب في يد الطفل أوتارا مرنة ولو كان العصا التي يضرب بها ...
بل تلك اللغة التي يوفق بعض القلوب السعيدة إلى الاحتفاظ بشيء منها على الكبر فتكون فيه ينبوعا للفلسفة الحقيقة يشرب منه الحب الظمآن، وتستروح إليه الحياة المجهودة التي ما تكاد تتنفس، وتبترد عنده الأحزان الملتهبة، وتصغر لديه كل المصائب فتخرج عن طبيعتها إلى طبيعته حتى لا يستحيل بها دموعا حارة؛ وهو في الإنسان بقية الري من ماء الجنة قبل أن يخرج منها ويوم كان لا يظمأ فيها ولا يضحى.
ولشد ما اجتهد العلماء والفلاسفة في تعريف السعادة، ولكنهم عرفوها بتنكيرها، إذ ألبسوها ألفاظا من لغة البؤس كانت لها كثياب الحداد التي هي أكفان الحي المتصل بالموت، أو الميت الذي لم يمت؛ فإذا أردت السعادة من تعريفاتهم وابتغيتها من أوصافهم فإنك تكون سعيدا جدا بل أسعد الناس كافة؛ لأن كل واحد منهم يتوهمك سعيدا متى لبست تعريفه، فتسعد بعشرين أو ثلاثين سعادة متباينة، ولا ضير أن تبقى بإزاء كل هذا النعيم بائسا في يقينك الذي لا دليل عليه إلا ما تحس به أنت، وما يقينك هذا أيها الأحمق بجانب ثلاثين ظنا من ظنون الفلاسفة!
إنهم لا يعتدونك شقيا البتة حتى تشقى بثلاثين نوعا من البؤس كما سعدت بثلاثين نوعا من السعادة ...!
অজানা পৃষ্ঠা
كلمتان هما تعريف السعادة التي ضل فيها ضلال الفلاسفة والعلماء، وهما من لغة السعادة نفسها؛ لأن لغتها سلسة قليلة المقاطع كلغة الأطفال التي ينطوي الحرف الواحد منها على شعور النفس كلها. أتدري ما هما؟ أفتدري ما السعادة طفولة القلب!
ذاك أيها القمر وإني لأحس كذلك أن قلبي يطرح على ساحل أشعتك بقايا ما فيه من الآمال المحطمة التي طال مثواها في لجج الهم، كبقايا الغرقى في أعماق اليم؛ وليت شعري ما عسى أن تجدي هذه البقايا؟ إنها أثر من رجاء ماض في زمن وقع وانقطع، أو كلمة طيبة قد مات أهلها، أو شعاع ابتسامة أخلدها الحب في قلبي؛ لأنها روح شبابي والأرواح خالدة، أو معنى حزين تعشقه الدموع فلا تزال تنازع إليه، أو قطعة مثلمة من الذكرى تمر الأحزان من صدوعها أو آمال في المستقبل البعيد كأنها أحلام يعد بها النائم نفسه قبل أن ينام ... ويكسوها الهم البليغ ثوب الاستعارة فيتخيلها ابتسامات من السعادة كما يرى المدمن في عناقيد الكرم سحابة من الخمر، أو بقية من حياة معذبة، يقول فلاسفة البؤس: إن القدر أبقى عليها؛ لأنها من حصة القضاء، ويقول حكماء الإيمان: إنها بقية معلومة لغاية مجهولة متى انتهينا في طريق العذاب إليها «أي الغاية» رأينا ثمة عناية الله!
فدعني أيها القمر أحمل بقايا عمري: إني كلما قطعت مرحلة في سبيل الحياة وضعت عندها أحمالي وعدت أدراجي لأجمع ما يكون قد تناثر مني، فأقطع كل مرحلة ثلاث مرات؛ أما إحداها فأكون فيها كالشيخ الفاني يدلف مثقلا بأيامه، وأما الثانية فأمضي فيها خفيفا لا أحمل إلا النوم في أجفاني، وأما الأخرى فأعود منها بأثارة من الأحلام تخف على نفسي لولا ما يخالطها من ثقل الفكر في قطع مرحلة النهار الجديد.
ولو كنت من السعداء لسخر لي القدر من يحمل عني، بل لكان ظلي نفسه حمالا ... وإذا أردت أن ترى قوما يرثون من لم يلدهم ولم يكن من ذوي قرباهم ولم يمت إليهم بسبب واصل فانظر إلى البائسين؛ فإن كل منهم يحمل أثقاله وأثقالا مع أثقاله. وليس أخف من أحمال البؤس وحده؛ إذ هي لا تعدو الجوع الذي تكسر شرته بكسرة من الخبز، والتعب الذي يذوب في غمضة العين ساعة النوم، وما عدا ذلك؛ مما يحمله البائسون فإنما هو من أثقال السعداء؛ لأنه لا بد من ظهور للحمل ... فمن يحمل الأمراض التي لا قوام للعالم إلا بها مدة صحة السعداء؟ ومن يحمل الهموم مدة نعيمهم واغترارهم ومن يحمل الدموع مدة ضحكهم وافترارهم؟ ومن ومن ومن إلا هذا البائس الذي تصيبه دائما واقفا في طريق الأقدار لأنه برقة قلبه وسذاجة روحه يكون دائما أقرب الناس إلى السماء!
أما أولئك الذين يغيبون في ظلمات العالم كما يبتهج السمك كلما غاص في ظلمات الماء، فكثيرا ما تتعاون الأقدار وتتظاهر لجر واحد منهم حتى تكون عليه كخيوط الشبكة وهو مع ذلك يجاهدها ليفلت، فترى شبكة هذا الحوت الذهبي وقد علقت بها الأيدي يقرض فيها الأصدقاء من جهة والأطباء من جهة، وغيرهم من جهة، وبالجملة فإن ماله يستحيل إلى مقاريض تأخذ شبكة الأقدار من كل جهاته.
فإن كانت القاضية فكثيرا ما يموت هذا السعيد وهو يجذب الأقدار أو هي تجذبه، كأنه يريد أن يكون موتا للموت، ويصدف وجهه مرة ويشيح به مرة كأن الأرض ذابت أو تخلخلت فأصبحت لا تقوى أن تحمله فضلا عن أن تمسكه، وكأن الجهات الأربع انزوت عنه فلا يرى إلا جهة السماء، ثم يحتضر والحياة أمر ما وجدها، وكل نفس في فمه كأنه قبلة مرة تقطر من فم الرذيلة الشوهاء، ويكشف عنه غطاؤه فيرى ماضيه بعين صافية تكاد نظراتها تكون عقولا مفكرة، فلا تنفذ إحداها إلى أمر من أموره أو فعله من فعلاته إلا أبانت عن نفسها وكانت كأنها تشهد عليه، فمن حيثما التفت لا يرى إلا وجوه الأدلة، ومن حيثما أصغى لا يسمع إلا إقرارها، ويدركه الموت فيقول إني تبت الآن ... كلا إنها كلمة هو قائلها، وإنها لا تغني عنه من الله من شيء، وإنه ليقبل بها على الله وهي في فمه كالفضيحة أو أشد خزيا، ثم يموت وقد جهد بالموت وجهد الموت به، فيصعدان وكلاهما متباطئ والموت ما يكاد يحمله ويحمل نفسه، لا كما يموت الفقير خفيفا هادئا كأنه طائر بسط جناحه وطار، ولا كما يصعد خفيفا هادئا كأنه معنى جميل تذهب به رسالة معطرة.
وأكبر ظني أن بعض الأغنياء يموت في الأرض وينتهي إلى السماء ميتا ولا يحيا هناك إلا بعلاج ... يدفع ثمنه ببدنه الذي لا يملك في الآخرة غيره، كما يدفع السجين المفلس للحكومة أجر ما يأكله في سجنها من أعماله.
وما كتب الملائكة قط صحيفة هي أشام طائرا في السماء من صحيفة غني حين يحتضر، وهذه الصحيفة التي تطير بمعانيها هي التي تنطبع فيها ظنون النفس الراحلة سطورا كأنها «فنغراف» الموت، وأحسب أن السطر الأول من «الظنون الغنية» يكون جبنا شديدا، ويكون السطر الثاني خلاء لأنه موضع رعدة فلا تثبت فيه يد الملك، ويكون الثالث ندما، والرابع مجازفة، والخامس رجاء مستحيلا، والسادس أملا مضحكا، والسابع كلمات ركيكة من الإيمان الضئيل، والثامن حروف خيالات من الماضي الأثيم كأنها مقبلة بمخازيها؛ أما ما بقي مما يوفى على التتمة فإلى الله أمره وفي الثمانية ما إن قليله أهل لأن يستعظم فيستعاذ بالله منه: وما كل الأغنياء يلقون ربهم بمثل هذه الصحيفة السوداء، إن أريد إلا الغنى الذي يعيش فقيرا ليموت غنيا، فترى أمواله أرقاما لا عداد لها تملأ السفاتج «الحوالات» والدفاتر والدواوين وليس فيها رقم مؤمن تثبته الملائكة في صحيفة الحسنات ليخرج من حساب الناس إلى حساب الله!
وليت شعري ماذا يريد هذا الغني الاصطلاحي؟ أيريد أن يشتري الأرض أم أهلها؟ وهل يظن أنه يوم يشتري الأرض لا يشتري فيها قبره، ويوم يسترق الناس لا يشتري بماله من يلعنه؟ وإذا دفن تاريخ امرئ فإنما تفتح له لعنة بغيضة من لعنات الناس، ويهال عليه ألفاظ بغيضة من الاحتقار فيثوى من ذلك في قبر أبدي.
المال الكثير حاجات كثيرة، وحاجات هذا الإنسان الضعيف معدودة محدودة، ومهما حاول وزاول فإنه لن يعدو حده الطبيعي؛ إذ قد عرفت الطبيعة غروره وطماحه فجعلت له من المعدة قيدا في باطنه ووضعت عليه من القلب قفلا صغيرا، بيد أنه متين لا يقتحمه إلا الموت، فليفعل الأغنياء ما شاءوا فإنهم لا يزالون من الطبيعة حيث هم بجانب الفقراء والمساكين ههنا وههنا. والحقيقة محدودة دائما بذاتها، ولكن الوهم قبحه الله؛ هل رأيت رجلا ينظر بعيني رأسه إلى شرف مرتفع فيلمح فيه رأس رجل قد أطل ثم يحسب ضلة أن هذا الرأس قد انخلع من مغرز العنق فارتفع حيث يلوح وترك جثته متخلفة على الأرض؟
অজানা পৃষ্ঠা
إنك لا تجد هذا الرجل ولا بين المجانين، ولكنك تجد عالما بين الفقراء كله ذلك الرجل متى التبس الأمر قليلا وصار الارتفاع في طبقات الغنى دون طبقات الهواء؛ لأن الفقير ينظر إلى الغني بإرادته لا بعينه، فإذا كانت إرادته في الغني لا حد لها فهو لا يرى حدا للغني بل قد يراه من الارتفاع والسمو في مكان لو قذفه منه بكلمة سخط لقتله ...!
وكذلك يلقى الغني عينيه حين ينظر إلى الفقير ولا يراه إلا بهواه ولذاته؛ فقل الآن في قصر كأنه من الدنيا صدفة تنفتح عن لؤلؤتها، قد بالغ صاحبه في زخرفة وأوسعه من شهوات نفسه وأقامه على الأرض كأنه ليس منها ثم يدخله ظامئا ظمأ الشباب وقد ملكته سورة العافية ويجول في أبهائه وحجراته متشاوسا ما يمسك عطفيه كبرا وخيلاء، وينتهي إلى أجمل موضع منه فإذا هو لا يرى ثمة إلا ثوبا أدكن مغبرا كأنه منسوج من أجنحة الذباب وقد بلي وتهتك واستوضحت في جوانبه رقع بادية من أضلاع فقير بائس قامت به رئتاه
1
فما ينفك يصب فمه دما وصديدا وهو مهزول يضطرب في ثوب أضيق من رئته وما يكاد يملؤه كأنه بقايا عظام الميت في كفنه القديم!
ولو عقل الفقير المسكين لعرف أنه مهما صغرت قطعة الزجاج الملونة فإنها تصبغ الفضاء الواسع كله بلونها في رأي العين، فالفقر هو الذي صبغ الغني بألوانه البهجة الرفافة لا الغني، ولو صح نظر الفقير لصحت قيمة الغني ولصار أمر هذا القياس إلى الحاجة التي لا بد منها لكليهما، وهما سواء فيها، يجدها الغني بلا كد فمتى تناولها أتعبته وملها، ويكدح لها الفقير فمتى تناولها أراحته ورضيها أكثرها وأقلها، وحين ينام كلاهما ويخرجان عما في أيديهما على قلته وكثرته وينطرحان على تراب الأبدية الذي يتساقط به الليل ويرتقبان جميعا من رحمة الله نهارا جديدا، فحينئذ لا يراهما الناظر إلا جثتين على صوغ واحد لا يعلم أيهما التي يمسكها الله وأيهما التي يرسلها فتستيقظ! وكأنهما على تلك الحال إنما افترفا طويلا بالفقر والغنى عن طاعة الله فتنافرا وتدابرا ثم التقيا لوجهه بغتة فخر كلاهما صعقا.
ليهنأ الفقير أنه الأساس القائم من الأحجار الصلبة في بناء هذا المجتمع وأن الترميم لا يتناول إلا ما فوقه، ولا تكون الصلابة بلا شيء فإنما يشتري الإنسان بفقره نعما كثيرة من الله، ولكن اللؤم يسول له أن يساوم الناس عليها فلا يجد من يشتري منه إلا قوته وعمله؛ لأن الأيدي التي خلقت لحمل الذهب لم تخلق لحمل العالم، فيبتئس هذا الفقير ويحسب أنه وحده البضاعة المزجاة التي لا تقوم في سوق الغنى بثمن إلا بضع رغفان من الخبز، فتجف أصول الدموع اللينة من عينيه ولا يبقى فيهما إلا اللحاظ الخشنة، وتصبحان في نظرهما إلى الفضائل كأنهما عينا بندقة الصائد يسددهما إلى الطيور الجميلة فلا تقذفان إلا بالموت، ويصبح هذا الفقير البائس وقد خلط فضائله الرثة من متاع بيته القذر، ولا يزال بنفسه يروضها ويسري عنها الخوف المطمئن الذي هو معنى الإيمان حتى تزول عنها كما يزول النهار فإذا هي حالكة عمياء، ويخرج التعس من الفقر كما خرج من الغنى!
ولا عجب أن يخرج بائس من الفقر؛ فإن وراء هذا الفقر منزلة أخرى لا ينحدر إليها إلا أتعس خلق الله وسبيلها من الفقر نفسه! تلك هي الجريمة!
ولا تحسبن الأغنياء المجرمين على غنى؛ فإن كل شيء يسرق حتى الغنى، وحتى اللص يسرق نفسه من يد الشرطي بعد أن يكون قد جمعها عليه، والفقير الذي يطمح إلى الغني كالغني الذي يطمح إلى ما هو أغنى: كلاهما فقر وكلاهما طريق إلى الجريمة!
ويحك لم تبتئس أيها الفقير؟ الغني يريد أن يجعل حظوظ الناس جميعا حظا واحدا ليخص نفسه بهذا الحظ ... وأنت تريد أن تختص بحظ الغني ... فماذا تركتما لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء؟
إن الله قد ائتمنك على أثمن الفضائل وأعزها من الصبر والقناعة وشرف الضمير، وأشرف بك على مصارع الأغنياء فرأيت كيف يخفق قلب أحدهم وهو يحسبه كرة الأرض زلزلت زلزالها، وكيف تطرف عينه وهو يتوهمها اللجة التي تبتلع كل ما في رأسه من الأحلام، وكيف يموت وهو يرى كل ما كان في يده كالظل على الماء لا يذوب ماء ولا يبقى ظلا، ويرى أنه كان يشتري المال الذي لا حد له بالعمر المحدود، فلما أفلس من هذا خسر الاثنين جميعا.
অজানা পৃষ্ঠা
أفتحزن أيها الفقير على أنك تشتري بعمرك هناء القلب وعافية الجسم ومحبة الناس وثواب الله وابتسامة الموت؟
لا تتعجل القدر ولا تختط لله خطة المستقبل ولا تغذ النسيان بأفكارك حين تفكر في البعيد، فإنك في حاجة إليها؛ واعلم أن الآلة التي تدير هذا العالم إنما تدار من فوق حيث لا تصل إليها اليد التي تحاول أن توقفها أو تبطئ من حركتها أو تزيد فيها، يد المجنون الذي يصيد النجوم بالشبكة حين تنبعث أخيلتها في الماء الصافي ... وكن إنسانا لا أكثر، فإنك تحاول أن تصير إلها فتصير شيطانا، وأجعل من فقرك ومصائبك وأحزانك سمادا لهذه الزهرة الناضرة، زهرة الروح الحية، فإنها تغتذي بكل ذلك وتحيله إلى نضرة وجمال وعطر يتأرج؛ وأضيء نفسك، فإن حولك ضياء يغمرك من لدن تفتح عينيك إلى أن تنام؛ ولا تكن كالسفعة في وجه الشمس، ولا كالغبار في النسمات، ولا كالريح الخبيثة في أريج الأزهار، وإن عرض لك شر أو طمع أو شيطان فاجعل السماء بينك وبينه فإن في باطنك قطعة منها، وترفق بصبرك لا تجهده، وبدمعك لا تفنه، فإنهما الزاد والماء لمن يقطع هذه المفازة المهلكة من الدنيا سالما ولا يريد أن يأكل من جيفها أو يكون فيها جيفة تؤكل، ولا تراء الناس في شيء فإنك تفقد نفسك بينهم ولا تحصل عليهم إلا ظلالا وخيالات؛ ولعمري ماذا ينفعك أن تمشي وراء الملك لتقيس خطواته؟
إني لأرى قوما يعفون لحاهم ليجعلوا سبالها الطويلة حبالا تتعلق بها النفوس الساقطة إلى السماء، وآخرين يقيسون ما بين حيطان المساجد بجباههم فلا تجد موضع شبر إلا وقد سجدوا عليه لتصير هذه الجبهة الضيقة «ذراعا معماريا» ... في قسمة الجنة التي عرضها السموات والأرض ... اجترءوا على الله ليراهم الناس أقوياء فلا يجترئ عليهم أحد، ولا يبالون بأن الله «سيأخذهم» بذنوبهم ما دام ذلك لا يكون إلا بعد أن يأخذوا من الناس وهذه السين - سين التسويف - طويلة العمر جدا عند هذه الفئة وأمثالهم من الغافلين؛ فإن عمرها يبلغ ما بين الوهم والحقيقة، وما بين نعيم الدنيا وعقاب الآخرة.
فلا يهولنك أيها الفقير المسكين من أمر الأغنياء ولا تنزل نفسك بالمهانة دونهم وأنت أعظم أجرا؛ فإنك تفرض الله من نفسك وإن أفضلهم من أقرض ربه من دراهمه؛ وكن في الحياة السافلة ابن الموت، وإذا كنت شجاعا فلا تبال آخرة الحرب ما تكون؛ واعلم أن الفقر الذي يلتوي عن طريقه كالسيف القاطع؛ إذا لم يضرب به إلا صفحا فإنه ينكسر لا محالة ويكون حامله قد أهان أشرف ما فيه إذ نزل به دون (حده)، فلا تهن الفقر الشريف حتى ترد به على الله صالحا نقيا يوضح منك بكل ضاحكة،
2
وتمتزج بطهارته ابتسامات الملائكة التي هي ثمن دموعك، ويكون لك في الخلد فجرا أبديا كما يكون للمحبين نور القمر فجرا في أول الليل.
الفصل الرابع
آه عليك يا قمري الجميل وآه على هذا السحر السماوي لو يكون للجمال الأرضي شيء منه يتفادى به من لسان واش وعذول! إنك لتسكب الصمت والنوم والأحلام على الأرض في ضيائك ممزوجة بالأفكار الجميلة لرءوس الفلاسفة التي تشبه القلوب الهرمة، ولقلوب العشاق التي أعرف كل قلب منها كأنه عقل فيلسوف؛ فما تكاد تطلع وتعتلي الأفق حتى تراك الأرض كأنك على فم السماء إشارة لها بالسكوت فتسكت؛ وإن بقي فيها من يشرق النهار في عينيه كأنه مختبئ فيهما بحركته وضوضائه كجماعة محرزي المال من لصوص النهار وطالبي المال من لصوص الليل مثلا ... فإن الطبيعة تلقي عليه سكونا ينزل بالليل وظلمه شيئا فشيئا، فيبتدئ خفيفا كالنوم الذي يلاعب اليقظة في الأجفان يجري وراءها وتشتد وراءه وكلاهما يدخل الباب الذي خرج منه الآخر فلا نوم ولا يقظة، ثم يثقل كأنه النسيان يداعب الذاكرة الضعيفة ثم ينبسط ثم يستحكم فيجعل ذلك الهر الذي يشرق النهار من عينيه كأنه في عمل لفظ ركيك يضطرب في لسان محتبس
1
فلا تلفظه الأرض ولا تسمعه السماء.
অজানা পৃষ্ঠা
أنت يا قمري الجميل راية السلام الإلهية البيضاء، لا ترفع للنهار حتى يغمد حسام الضياء في جفنه الأسود، وتسكن غمغمة الحرب التي يتقاتل أهلها على الحياة، وتنطبق أجفان الناس فكأن كل جفنين إنما يمثلان حياة امرئ زمت شفتيها كيلا تنزعج ملائكة السماء بهذه الأصوات الوحشية المنكرة التي تنبعث من فم النهار فتقبل على التسبيح لله، وتقبل الطيور وهي ملائكة الطبيعة على المناغاة، ويقبل العشاق وهم ملائكة الناس على الفكر والنجوى، ويقبل الشعراء من وراء أولئك جميعا فينظمون الشعر الإلهي الذي تمتزج فيه ألحان الملائكة بأنغام الطيور وآهات العشاق؛ فيمتلئ من أسرار الفكر والعاطفة والقلب ويخرج ويكاد يخلق منه العقل، وترى فيه الروح بابا من أبواب السماء كأنه الطهارة، وكنا من أكنان الطبيعة كأنه القناعة، ومنفذا من منافذ القلوب كأنه الحب فإذا هي بالسماء والأرض بين كلمات، وإذا كلمات تملأ بين السماء والأرض؛ ثم ترى الفكر الإنساني قد استحال إلى أمواج من الخيال يجري فيها القلب كأنه زورق من الزوارق فتثيب إليه وما هو إلا أن يحتويها حتى تتناول مجدافه البديع المصنوع من جوهر العواطف والذي لا يبرح ملتصقا به كأنه يد الحسناء على قلب عاشقها، ومن ثم يجري بها في بحر الجمال الذي تشبه السماء كلها موجة من أمواجه الأبدية الذي لا ساحل له إلا نور الفجر، والذي يخيل إلي أنك أنت أيها القمر جزيرة تلوح فيه على بعد.
لا كهذا الشعر البارد الثقيل الذي تفرغه ... أفواه بعض شعرائنا ... المشهورين
2 ... وكأن ألفاظه قضقضة الأسنان من شدة البرد، وكأن معانية العذبة ماء يستساغ على الريق، وإذا بلغت به الحماسة المنطقية ... رأيته فاترا كإنما يتثاءبون به، وإذا أراد أحدهم أن يضع روحه في بيت من الأبيات ولو انطرح بعده جثة باردة ... خرج هذا البيت رغم أنفك حارا كما شاء وانصرف عن أنفك وأنت تتنسم كأن ما فيه من الروح إنما خرج إليه من تحت إبطه ...
شعراء!! وشعراء الشرق!! نعم ونعيم عين: وعند الزنوج جماعة يحسنون الرقص على نقر الطبول هم شعراؤهم، بل شعراء العقول الذاهلة والأحلام الطائشة، بل شعراء الوحشية التي تكتب بأسنانها وأظافرها.
هذه الوجوه التي صلبت من التمرغ على الأعتاب، وهذه الأيدي التي ينكرها الله حين تمد ... وهذه الرءوس الفارغة إلا من جنون العظمة، وهذه القلوب التي تسع كل متماثلين إلا الإخلاص وحب الحقيقة، وهذه الأفواه التي تمج الماء في كل جهة، وهذه الألسنة المعقودة على بعض ألفاظ كما يعقد القروي الجلف تلك العقد الكثيرة في منديله على درهمين - هذه كلها، مجموعة ومتفرقة، مما يتنزه الشعر الإلهي أن يسف إليها؛ لأن أنفاس السماء لا تسقط هذا السقوط كله ولا يعذبها الله بأن تهب على الأرض لكنس غبارها.
لو عدا الشاعر الصحيح طور التكوين الشعري بصفاته لما كان منه إلا نبي. وإن تلك الأعضاء الشعرية التي يفيض الفكر عليها كلها لهي الأعضاء التي يتجسم بها مجد الأمة ليكون ملكا من ملوك التاريخ لا لصا من لصوصه تشهد معارف وجهه أنه منطلق من حبسه، فيتراءى عليه غبار الأعتاب كأنه بقية مما كان فيه من الظلمة وتراه لا يلوذ من خزيه إلا بزوايا التاريخ المجهولة ويود بجدع الأنف لو يمسخ حجرا من أحجارها التي كل عذرها في الخراب.
الشاعر الصحيح رجل الكمال السماوي؛ لأن الشعر إذا لم يكن مع الشرائع كان عليها، وفي ذلك فساد كبير؛ والشعراء أنفسهم: كالشرائع تكون لمن يشاء أن تكون له؛ وهم يحكمون النفوس بالحب، والشرائع تحكمها بالرهبة، ولولاهم ما أعطي الناس قوة فهم التعزية فلم يكن لهم أن يطمئنوا لدين من الأديان، وإنك لترى الشاعر يستل جمال هذه الطبيعة كلها من نفسه الكبيرة ليلقي على الناس محبة منها، كأن الطبيعة لا تجد طريقا إلى النفوس الضعيفة إلا بعد أن تصفى وتصفق في نفوس الشعراء فتخرج منها كما تنبعث المعاني الغزلية الكبيرة من عيني الحسناء الفاتنة ولكل معنى طابعه الخاص به في النفس مع أنها جميعا من مصدر واحد.
ما هذه العظائم الكبرى التي يمثل بها الزمن تاريخ العقل الإنساني إلا أفكار ولدت بديئا في قرائح الشعراء، ثم كفلتها الطبيعة تحملها في مهد من قلب امرأة جميلة، أو تمتهد لها في عقل رجل حكيم، أو فيما تختاره هي كائنا ما كان، حتى في الاستبداد والوحشية والحماقة والجنون وغيرها؛ لأن للطبيعة حكمتها التي لا يعرف كنهها الإنساني إلا باستقراء تاريخ الأشياء في أجيال وقرون قبل ذلك كثيرة، وهو نفسه بعض هذه الأشياء.
فالشاعر الزائف كالدينار الزائف: كلاهما لا يجوز على أحد إلا مع الغفلة؛ وكلاهما رذيلة في نفسه بالغش ومصيبة على غيره بالخسارة.
وإن الذباب ليقع على الزهر كما يقع النحل ليجني العسل، وإنه ليطن في الروض كما تغرد الطيور لترقيص قلوبها الصغيرة؛ ثم يطير عن الزهرة ذبابا كما وقع ويسكت ذبابا كما طن، وكيفما نظرت إليه لا تراه إلا ذبابا؛ ولكنه من الطير، ولكنهم من الشعراء!
অজানা পৃষ্ঠা
حنانيك يا قمري الجميل ورحماك! امسح عن قلبي هذه الغيمة السوداء التي انتشرت من أجنحة الذباب، فقد رانت عليه وغشي ظلها على بصري حتى ما أراك على وسامتك وضيائك إلا كوجه من تلك الوجوه متى تصطبغ بكل لون إلا ما كان من الخلق الحسن فإنها تستمد من قلوب يكفي أحدها أن يكون طينه لخلق نوع من الإنسان بلا أخلاق!
حنانيك ورحماك! إن على قلبي غيمة كأنها من الكذب الذي لا صدق معه من القلب، والتملق الذي لا حياء فيه من النفس، والخيانة التي انعقد عليها الضمير فلا تحفظ غيب إنسان، والصلف الذي يشبه صلف المعتوه إذ يباح له أن يتجنى ولا يباح لك أن تعتب والظل الأخلاقي البارد الذي يحيط بأحدهم فيجعل مثواه كأنه مغارة تبعث عليك أنفاسها ثقيلة باردة في ظلمة وكبرياء كأنها خارجة من أعماق تاريخ الفراعنة.
وإني كما أغمض عيني حين يواجهني الإعصار الأحمق الذي ينفض بساط الأرض في وجوه السابلة - أراني منذ الساعة قد أغمضت عينا في قلبي تطلع على الحقيقة، فإني لم أكد أرفع كأس الحكمة المعسولة لأحتسيها ولم تكد تقارب شفتي حتى تهافت عليها ذباب تلك الأخلاق، فأحرزتها جانبا لتسكن نفسي بعد أن خبثت من منظر هذه الظلال السوداء التي هي أجسام نفسها وظلالها معا.
فاحمل إلي أيها القمر قطرة من ندى الروح الجميلة الذي ينسكب في أنفاس تلك الحبيبة وأرسلها إلى كأسي في قناة من أشعتك السحرية حتى تمتزج بالحكمة على شفتي فكأني أتناول هذه الحكمة من ثغرها البسام.
الفصل الخامس
يا لها لحظة جمدت على قلبها أيها القمر حتى كدت أحسب الزمن لا يجري، بل كدت أحسبني استحلت إلى قطعة ثابتة من الأبدية التي لا يدخلها شيء من الدنيا إلا ميتا حتى الزمن نفسه.
ولكن «ثغرها البسام» لم يدعني أموت في شعاعه الذي يتدفق بحياة حلوة لذيذة وبموت أحلى منها وألذ غير أنه لا يميت؛ لأن الحسن يبخل على الحب بمثل هذا الموت الهنيء.
ولو كانت روح كل محب لا تنتزع إلا بقبلة ولا تفيض إلا مع الابتسام ولا تجد قفل باب السماء إلا هذا الفم الوردي الرقيق، لتغير نظام القلب الإنساني، ولصارت كل نبضة من نبضاته كأنها خطوة واسعة في قطع المسافة بين الدنيا والآخرة؛ إذ يكون للحياة وقتئذ ما عهدناه من بغض الموت. ويكون للموت ما نعرفه من حب الحياة.
فلا يزال الحسن بخيلا؛ لأن الآخرة لا تزال بعيدة، ولا يبرح الحب عذابا؛ لأن الجمال لم يبرح في نظام الله مادة حب الحياة؛ ولو لم تكن في الأرض هذه الوجوه الجميلة لما صلحت الأرض للحياة العاقلة ولا نشأ فيها عقل واحد يستطيع أن يجد دليلا على وجود الله، فإن تلك الوجوه الفتانة - بما تحوي من المعاني التي تشبه في إقناعها للنفس من النظرة الأولى ما تحويه أقوى البراهين المنطقية - إنما هي في الحقيقة الصفحات الأولى من كتاب المنطق الإلهي؛ واعتبر ذلك بهؤلاء الملاحدة الذين ينكرون الخالق فإن أخبثهم إلحادا لا يكون إلا أشد الناس بغضا لطهارة الجمال.
لم يدعني ثغرها البسام أصعد إلى السماء في شعاعه؛ بل ألقى علي ابتسامة في نظرة ضاحكة تشابه الابتسام كأن إحداهما أخت الثانية؛ فما أحاطت بقلبي حتى رأيته يذوب فيها كما يذوب السحاب الغدق الأسحم فيصفو عن غمامة رقيقة بيضاء.
অজানা পৃষ্ঠা
وكأن تلك المليحة أغارتك أيها القمر، فأنت الآن تبتسم. لله منكما يا صورتي الجمال في الأرض والسماء! وهل جعل الله لرجل من قلبين في جوفه؟
ولله ما ألطف هذا الشعاع الذي يسيل الآن على الجو رقيقا خضرا كأنما تغتسل به نسمة من النسمات العطرة بعد أن استيقظت في هذا الليل ونهضت من فراشها على أغصان الورد!
ولله ما أنداه على كبدي الحري التي تغيب الشمس ويبقى فيها مع ذلك لفحة من حرها ومن حر أنفاس الذين تشرق عليهم، فإن هذه الكبد أمسكت في جنبي كأنها «معمل كيماوي» لتحليل تلك الأنفاس وتقدير ما فيها من الخير والشر، وما الحكمة كلها إلا ما أسفر عنه هذا التحليل.
فمن لم يدرس طبائع القلوب المتوهجة في أنفاس أهلها لا يعلم قلبه شيئا وإن كان رأسه مكتبة من العلوم، ومتى كان القلب جاهلا بقي الإنسان بعلومه كأنه قطعة في أداة هذه الطبيعة: كل شأنها أن تحرك بعضها وتتحرك ببعضها، وفقد السلطان الحقيقي على الطبيعة نفسها؛ لأن هذا السلطان لا يكون بالقوة التي هي غاية العلم، فالطبيعة على كل حالة أقوى، ولا يكون بالتسخير الذي هو غاية العمل، فالطبيعة حرة لا تذل، أبية لا تخضع، وإن ظهرت عليها الذلة والمسكنة فذلك في نظر الإنسان واعتداده ليس غير.
وإن الهواء لا يعجب من منطاد يعلو فيه - وإن كان غاية ما انتهى إليه إختراع الإنسان - إلا إذا عجب من كل ذبابة تطير والبحر تتمخر فيه الجواري المنشآت كالأعلام وتثبت عليه كالمدن وتمثل فيه الأرض المائية التي خلقت في أذهان الإنجليز. وإن صغرى أسماكه لتكون أصلب منها على مجالدته، وأقوى على مجاهدته، فما للإنسان يلوك بين ماضغيه هذه الألفاظ التي يحاول أن يشبع منها معدة الخلود في وهمه ولا تراه الطبيعة إلا من غذاء النسيان؟
السلطان الحقيقي على الطبيعة سلطان الروح؛ لأنها من الله وهذه الطبيعة أداة في يد الله، فليجعل الإنسان شفتيه مخزنا لغويا مملوءا بألفاظ العلوم؛ فإن الطبيعة لا تبالي بمدلول الحروف مهما حملها على ذلك باصطلاحه: ولكن ليجعل في قلبه علم الخير وإحالة الشر إلى الخير: فإن الطبيعة حينئذ لا يسعها إلا أن تخضع بإحساسها خضوع الإجلال لأستاذ تلامذتها وترفع إلى الله على يده تعازي المساكين كأنه الأمين على آمال القلوب، وتجعل الطبيعة هذه اليد نفسها كأنه شكر منها لله تعالى إذ أنجبت رجلا من رجالها في الأرض.
كم من عالم لا ترى الطبيعة اندفاع الكلام العلمي من شفتيه إلا كما يرى أحدنا اندفاع أسراب الخفافيش العمياء من جانبي المغارة وقد أبرزها على إشراق الضحى صبي من الصبيان! وسيكون أكثر هذه العلوم في معاملة الله كالثروة التي يمتلكها الفقير في حلم من أحلامه (الذهبية) فيستعبد بها من شاء من مخلوقات النوم ... ويمتلك ما شاء من زخارف الليل، حتى إذا جلا النور عينيه لم يستطع أن ينال بكل ذلك الغنى العريض كسرة من الخبز يتبلغ بها وقد بات طاويا؛ فإن الله لا يعامل إلا بالنية ولا يثبت في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية؛ فدع هذه المدينة وهذه العلوم تنزع ما في قلوب أهل الخير من الخير فإنك لن ترى على الأرض يومئذ من الناس إلا حيوانات عالمة تأكل حيوانات جاهلة: وهل تحسب قوة الحيوان المفترس بإزاء ضعف ما يفترسه إلا علما أو معنى كالعلم بإزاء جهل أو معنى كالجهل؟
ويومئذ لا تبصر الطبيعة بعينها الإلهية شيئا من الفرق بين أنفس الوحوش وأنيابها ومخالبها، وبين كتب العلماء وأيديهم وأقلامهم، تلك جميعها إنما تكون في الجهتين صماء لحرفة أدوات حيوانية هي حرفة العيش.
وأنت ترى الصورة الصغرى لهذا العالم الحيواني في جماعة الملحدين، فإن تلك الفلسفة وذلك العلم اللذين يزعمونهما ويتنبلون بهما في الناس إنما يدلان على أشياء كثيرة يتداخل بعضها في بعض كالمترادفات اللغوية، ثم تراها كلها قد صارت إلى معنى واحد يدل على الحقيقة التي هي أم هذا الباب - كما يقول النحاة - وهذا المعنى الذي لا ريب فيه هو انتزاع الخير من قلوبهم المتهكمة بالله.
ولست أصدق أن ملحدا يعمل لخير الناس ابتغاء الخير نفسه، فإن حدثوك بخبر من ذلك فاعلم إنما يريد به الرجل برهانا على صحة إلحاده الإنساني ... يخدع به من يقدم له الخير أو من يراه وهو يقدمه؛ فإنه لسخافته يكفر بالله ويريد أن يعمل بعض عمل الله!
অজানা পৃষ্ঠা
وما من شيء خبيث نعتده شرا إلا وفيه وجهة تخرج منه الخير، وهذه الجهة في الإلحاد هي الغرور والوهم، فلو أصبت إلحادا لا غرور فيه ولا وهم فاعلم أنك أصبت عقلا في مجنون أو جنونا في عاقل، وليس ذلك بدعا فإن في كل دائرة نقطة تعدها الغاية التي يرتقي إليها طرفا المحيط إذا نظرت إليهما صاعدين نحوها فإن نظرت إليهما منحدرين عنها كانت هذه النقطة عينها مبدأ السقوط ولم يكن ثمة فرق بين القوسين المنحدرين إلا في الجهة يمنة ويسرة، كما لا فرق بين عقل المجنون وجنون العاقل إلا في الجهة؛ لأن كليهما وبال على صاحبه، وأحمق ما يكون المجنون إذا رأيته يتعاقل!
يريد الملحد أن لا يقر بشيء يسمى فلسفة النفس أو يسمى دينا؛ لأن الحرفين مترادفان، ثم أنت تراه يخرج لك من رأيه ما يريد أن يجعله حقيقة لهذه الفلسفة التي أنكرها ... فهو يكفر بإيمانك ليجعلك تؤمن بكفره، وكأنه يقول لك إنما نحن على الأرض فانظر في الأرض واكسر هذا اللولب الذي تتحرك به عيناك إلى جهة السماء حتى يبقى علم رأسك فيما تحت قدميك، وإن سالت عليك السماء بعنصر الحياة (الماء) فلا تقل هذا من واهب الحياة ولا من رب السماء ومهلا قليلا، فإن الأرض ستجمعه في أنهارها وتنبطه من عيونها فتنبع لك الحياة من الأرض كما تنشق المادة من المادة. ثم يذوب هذا الكلام الرقيق في حلقه فيبلعه مع ريقه ويسكت ... وكأن بصره الزائغ يقول لك: أما الهواء فإن لم تستطع أن تتنفسه من الأرض ولم تستطع الأرض أن ترفعه لك من تحت قدميك فلا ندحة لك في هذا من أن تترك منخريك يعدان في المؤمنين برب السماء ... ويكونان فيك كما تكون الأعضاء الأثرية ولو حكما واعتبارا، وإن كان لك ضمير شريف طاهر كأنه مرآة إلهية وضعت في الأصل بين جنبي آدم لتمثل لروحه السماء وجمالها متى أخرج من الجنة، فاعتده رأس ما ورثت من داء عن آبائك الأولين؛ لأنه لا برهان عندهم على فساد الإيمان أقوى من هذا الضعف الرحيم في نزعة القلب. ولعمري إنه لبرهان سديد في الغاية ولا أبدع منه في علم المنطق لأن فيه قوة الانعكاس من نفسه، فلا يرسلونه حتى يرد عليهم كأنه جواب أنفسهم على اعتراض ألسنتهم؛ وأي برهان أقوى على فساد الإلحاد من إرادته أن يكون في الملحد عقل إنسان وقلب وحش؟
ثم كأنه يقول لك: إن العلم أثبت ونفى، وإن الدين نفى وأثبت فلا تمايل بينهما مترددا وخذ ودع ولكن من العلم وحده، فإن شيئا تفهمه خير من شيء لا تفهمه، وكل ما أبى العلم فلا ترضه لئلا ترمى بالجهل الاصطلاحي ... وإذا كنت فقيرا لا تملك الملايين وكنت اشتراكيا فلا تصدق أن أحدا يملكها، لأن الاشتراكية تأبى ذلك، وكن دائما تنظر ولا تصدق ... وإذا رأيت الإنسان لا يزال عاجزا إلى اليوم عن تعليل أشياء كثيرة من البسائط التي تمتحن بها الطبيعة أطفالها ممن نسميهم العلماء، فاعلم أن هذا الإنسان لا يزال ناقصا في رأي العلم وسيتم يوما ما، فحسبك أن تكفر الآن كفرا ناقصا ... وإياك من الغرور وأن تحسب أن نقص الكفر جاء من كون الإيمان كاملا بطبيعته؛ لأنه شيء أزلي في النفس، بل هو جاء من نقص العلم أو من نقص الإنسان العالم، فمتى تم هذا يتم ذلك لا محالة فيكون أكبر عالم في الأرض أكبر كافر في الأرض ... ونحن لا نعرف من أمر المستقبل شيئا ولكننا نعرف أن العلم سيبلغ تمامه في المستقبل ...
لله منك أيتها الفئة الباغية! العلم الذي لا يخلق ذبابة ولا أحقر من ذبابة ولكنه يجدها فيتفلسف ويقول لنا: كيف خلقت؟ هو الذي يريدكم على أن تكذبوا بالخالق.
والعلم الذي ينتهي في كل شيء إلى حد من الجهل يريد أن يجعل جهلكم علما.
بل العلم الذي هو بجملته تفسير علمي لنظام الكون يريد أن يجعل القلب الذي هو سر الإنسان بلا نظام.
كلا إن العلم لا يريد ذلك ولا العلماء أرادوه، ولكن قوما أرادوا أن يشاركوا الله في أنفسهم فعملوا على أن يضعفوا قلوبهم لتقوى عقولهم، وحسبوا أنهم أفلحوا وما دروا أن القوة انصرفت عن القلب والعقل معا وصارت قوة علمية كالقوة التي في كتب المنطق لا تقوم لأضعف ما في الباطل وهي أسطر وحروف ولا يقوم لها أقوى ما في الحق وهي أغراض وأهواء، فما يزال الباطل لها وعليها.
وقد زعموا أنهم أنشطوا الفكر من عقاله فكان من ذلك ما انتهوا إليه، وكأنهم يقولون: الدين الفلسفي هو في الحقيقة الرجل الحر فما بالهم إذن ينسون أن هذه الكلمة عينها تخرج لهم لو عقلوا أن الحرية هي في الحقيقة فلسفة الدين؟
إن المتوحشين يقرون بإله ولكنهم يعملون على أن يكونوا آلهته كما أنه إلههم، ويحاولون في كل شيء أن يتعبدوه بما يخيل لهم أنه من السحر؛ والملحدون لا يبتغون ذلك فحسب
1
অজানা পৃষ্ঠা
ولكنهم يريدون أن يمحوه بتة؛ أفليس هذا منتهى التوحش في القياس؟
ليت القوم لم يكفروا بالنطق فيما لا يعرفون فقد كانوا يؤمنون بالصمت، وإن السكوت عن الخوض في أمر الغيب ليكاد يكون أفضل بحث فيه؛ على أننا نرى الكلام
2
أصل البلاء، فإن من أهل الأديان من هم شر عليها من الكافرين بها وسواء على الله أكان فاسد الفكر صاحب رأي في الدين أم صاحب رأي في الإلحاد.
ولو نظرت إلى فرق الجدليين المختلفة على كثرتها وتعدد مذاهبها لرأيت أن كل فرقة هي في الحقيقة عقل رجل ذكي - استهوى أصحاب فرقته - لا دين رجل عاقل؛ لأن الدين لا يتجزأ؛ إذ هو عبادة القلب - الذي لا يدل على وحدانية الله شيء مثله - لله الواحد الذي ليس كمثله شيء؛ ولكن العقل لا يترك هذا القلب لنفسه، بل يعده بما فيه من الحس والشعور كأنه رأس ماله في التجارة العلمية، وكثيرا ما يكون أمرهما كالتاجر الذي يخسر ماله ثم يعمد إلى ضبط حسابه بعد خسارته فلا يرد عليه الحساب شيئا إلا تفصيل ما خسره بما يشبه في التحسر واللهفة أن يكون خسارة ثانية!
الفرق بعيد بين أن تكون القوة آتية للقلب من العقل، وبين أن تكون آتية للعقل من القلب، فإن تسلط أحدهما على الآخر يضعف أكثر خواصه، فالعقل موضع الخطأ والصواب؛ لأنه آلتهما جميعا، وأظهر خواصه الشك؛ لأنه الخاصية التي يمكن في العقل أن توفق بين الخطأ والصواب قبل أن يتزايل إثناهما فيتباينا؛ وهذه الصناعة العقلية كثيرا ما يقتضى لها إيجاد المعضلات التي لا تحل كي تلقي للعقل شغلا طويلا ثم يحكم عليها آخر الأمر حكما منطقيا أنها لا تحل ... وكثيرا ما تطلب البرهان على شيء ما فإذا أصابته (أي: البرهان) جعلته شيئا آخر وطلبت عليه برهانا ... وهلم جرا حتى يقطع بها فتصل إلى ما لا برهان عليه.
والخطيئة إنما تكون في العقل بديا، فتخلق فكرا، ثم تنحدر مع القوة إلى القلب كأنها قوة له، ثم تقع وتتمثل وفيها سخط القلب ورضى العقل غالبا أو رضاهما معا في القليل النادر؛ وهذا السخط القلبي هو الذي يترك في الرأس أثرا من ذكراها، وهو الذي يسميه بعض الناس ندما، ويسميه بعضهم صوت الضمير.
ذلك أمر العقل، أما القلب فهو موضع الحقيقة السماوية التي تظهر بين الناس في هيئاتها فيسمونها المحبة، وبين الملائكة فيسمونها الإنسانية، وعند الله فيسميها الإيمان، وما كان في القلب غير ذلك فهو من تسلط العقل واستبداده.
وأنت لا ترى أسعد الناس وأهنأهم بسعادته إلا ذلك الذي يجمع قلبه وعقله أن لا يصدر أحدهما عن الآخر إلا راضيا مرضيا فترى في آثار عقله طهارة القلب وإيمانه، وفي آثار قلبه إجادة العقل وإحسانه: ولو كشف ذلك عن بواطن الأنبياء لتجلت لعينيك هذه الحقيقة ماثلة.
فمن ترى هذا الملحد الذي يحدس لك بعقله وكأنما يحرك يده بعينيك في شبر من الماء، ويحاول أن يوهمك أنه هز السماء وأنت ترى خيال السماء؟ ليخلق الناس إن استطاع بلا قلوب، فإنه سيجدهم لا محالة بلا إيمان؛ وإلا فليتركهم فإن في العالم غير صناعة العقل أشياء كثيرة، واليوم الذي يكون فيه كل الناس عقلاء في الرأي يكون كل الناس مجانين في الحقيقة.
অজানা পৃষ্ঠা
ليس الفرق النظري بين المؤمن والملحد إلا في تسمية جهل العقل بما وراء الطبيعة، وكل ما تشعب من ذلك فإنما هو براهين علمية. على صحة تسمية هذا الجهل ...
أيها الملحدون: أنا لا أستطيع أن أتعزى بالعقل؛ لأنه هو الذي يجعل النازلة لا تقبل العزاء؛ بل المصيبة لا تكون مصيبة إلا حين تكون عقلية، فمتى وقعت مرت كأنها حادثة مألوفة تجيء بالنسيان أو يذهب بها النسيان.
وأنا لا أستطيع أن أعرف نفسي مركبة على هذا الوجه المعجز الدقيق ثم أتوهم أنها خارجة من عدم مطلق إلى عدم مطلق، فإن الذي يتصور الوجود الجاري على سنن ثابتة كأنه بين عدمين هو ذلك المجنون الذي يتوهم الشجرة مخلوقة في ظلها ويتصور ظلها قطعة باقية في النهار من ظلمة الليل الغابر.
وأنا لا أستطيع أن أقول عن نفسي: «أنا» لأحقق وجودها وهي بين ماضغي العدم يرددها حينا ثم لا شيء منها إلا توهم أنها غذاء ما لا يتغذى.
وأنا لا أستطيع أن أراني في وهمكم كأنني حلم عقلي تهجس به الفلسفة مع أن قلبي فيما أحس يقظة حياة مجسمة.
وأنا لا أستطيع أن أصدق أن حياتي كلها بما فيها من خير وشر لي وعلي تكون في مرد الأمر كالذي يرسل في الهواء صرخة مزعجة ليعرف بعدها أنه سكت وكان ساكتا قبل ذلك!
وأنا أيها الملحدون لا أستطيع أن أسخر من نفسي فأرى أن لا نفس لي، ولا أريد أن أكون في حملها كالأعمى الذي يحمل الكتاب حتى يجد بصيرا يقرأ له، ولا أجهل إلى الحد الذي يقر فيه علمكم أن الحياة معناها الموت - لأنه غايتها المدركة - ثم يأبى أن يطرد هذا التعبير فلا يستحي أن يجزم قطعا بأنه لا معنى للموت إلا الموت.
اذهبوا أيها الملحدون إلى أجهل الناس من العامة وأشباه العامة واقرءوا الإيمان الإلهي في كتاب قلبه بعد أن تجردوه من لغة اللسان التي شأنها المبالغة والتمثيل لما لا يتصور بما يتصور؛ فإنكم تحسون من جهله حين يلتقي بعلمكم ما تحسه الرئة الفاسدة من نفحات النسيم الذي يترامى في أحضان الزهر، وإنكم ستجدون في كلامه معاني سماوية كما تجدوا في الطبيعة نفسها؛ ولا جرم أنكم تصدقون حينئذ ولكن لتجدون من التصديق مادة عقلية للشك والإنكار، ثم لتصنعوا من كلامه اللد وليمة جديدة للسخرية الجائعة التي لم تشبعها الكتب المقدسة كلها ولا آراء الحكماء ولا آمال الإنسانية، استحال ذلك فيها من السرف والضراوة إلى غذاء جعلها قوية وإلى قوة جعلتها أشد نهما إلى الغذاء.
وإذا مس أحدكم الضر لم ير بأسا أن يفكر في الله وأن يرفع إلى السماء عينا لا تثبت في محجريها من الزيغ والقلق كأنه يتكلم بها في ترددها وانقلابها فيقول نعم ولا، ولا ونعم؛ وكلما أراد أن يغمضها رأى في باطنه قوة تفتحها برغمه لتريه السماء السماء، بل لتريه برهان السماء؛ فلا يعود إلى إلحاده إلا وهو مؤمن بأنه ملحد وشاك في أنه مؤمن بذلك؛ ولولا هذا الشك، بل ولولا صناعة العقل لكان في كل شر يصيب أحد الملحدين خير للإيمان كثير.
وليت شعري ماذا يراك الملحد أيها القمر؟ إنه لا موضع في قلبه للحب؛ لأن الحب مؤمن، ولا مظهر في نفسه للجمال؛ لأنها مظلمة يسطع فيها جمال الشمس ولا يجاوز في عينه منظر جمرة تلتهب أو قرص من السرجين يشتعل؛
অজানা পৃষ্ঠা