63

أو هما كما أسلفنا يفترقان بالقدرة على التجميع والقدرة على التصريف، ويفترقان بنزعة الاحتجاز ونزعة الاندفاع، ولنا أن نترجمها في لغة الأدب والواقع المشاهد بالتفرقة بين التلبية والاقتحام!

وكأنما قال العالمان: إن الرجل حي النزعة في مجمل صفاته، وإن المرأة نباتية النزعة في مجمل صفاتها.

وهي هي لا تزال منذ درجت من الحياة الأولى «تلك الشجرة» التي تبسط زهرتها وهي في مكانها لتتلقى فيها اللقاح على جناح الهواء.

وكل بنية حية فيها النزعتان متقابلتين متكافئتين، فحيث زادت القدرة على التجميع فثم أنوثة ولو حملت غير اسمها، وحيث زادت القدرة على التصريف فثم ذكورة ولو حملت غير اسمها، وعود على بدء إذن إلى أسطورة الرب السكران. •••

وأيا كان تعليل العلم لنشأة الفوارق الجنسية في قرارها فالعلماء المحدثون المعنيون بمسائل الجنس يرجعون بالاختلاف بين مزاج الذكورة ومزاج الأنوثة في جسدي الرجل والمرأة إلى الهرمون الذي تفرزه الغدد الصماء، وهو سائل شفاف يسري في الجسم من غدد ثلاث توجد في أجسام الأحياء الفقارية، إحداها: الغدة الدرقية في الحلق، والثانية: الغدة النخامية في أسفل الدماغ، والثالثة: الغدة الكظرية على مقربة من الكليتين، وهي عظيمة الأثر فيما يشاهد من الاختلاف بين أجسام الذكور والإناث بعد سن البلوغ، ومتى تشخصت الذكورة والأنوثة ظهر الفارق الأكبر في تركيب الخصية وتركيب المبيض، فاختص الرجل بإفراز المني واختصت المرأة بإفراز البويضات.

ومن التجارب في بعض الحيوان كالجرذان يلاحظ أن استئصال الغدد المنوية يميل بالحيوان إلى مزاج الأنوثة، ولكنه إذا استئصل منه المبيض لا يستعير مزاج الذكورة إلا بإضافة الغدد المنوية إليه.

وقد يتفق أن يكون في الإنسان خصية ومبيض بدلا من الخصيتين، فيسري في جسده إفرازان يميل به أحدهما إلى الذكورة ويميل به الآخر إلى الأنوثة، ويشاهد في مثل هذا الإنسان أحيانا مشابه من المرأة في الصدر وبعض الأعضاء الداخلية.

على أن الحيوانات الدنيا تتناوب الذكورة والأنوثة كما في بعض الحالات النادرة، فتكون المحارة البالغة ذكرا، ثم تنقلب أنثى، ثم تعود ذكرا مرة أخرى، وهي لا تلد البويضات إلا إذا ارتفعت الحرارة حولها إلى درجة معلومة؛ ففي الدرجة من عشرين إلى اثنتين وعشرين تنقلب المحارة أنثى مرة في كل سنة، وفي الدرجة الرابعة عشرة إلى السادسة عشرة تنقلب أنثى مرة كل ثلاث سنوات أو أربع سنوات، ولا تنقلب أنثى فيما دون هذه الدرجة على الإطلاق.

وتشاهد هذه الظاهرة في بعض الأسماك الصغرى وبعض الحشرات المائية، فيحدث فيها التحول على نحو يشبه التحول في المحار، ولا يشترط فيه تفاوت الحرارة بذلك المقدار.

فالفوارق بين الجنسين تتقارب كلما هبط الحيوان في سلم الخلق حتى تزول الفوارق جميعا في الخلية الأولى، ولكنها تتشعب وتتعدد ويصبح التحول بينهما فلتة من فلتات الخوارق كلما ارتقى الحيوان في سلم الخلق، حتى تبلغ هذه الفوارق قصاراها من التنوع والتكافؤ في بنية الإنسان. •••

অজানা পৃষ্ঠা