واقتربت قدماها من باب المطعم في وجل أتدخل؟ أتلقي نظرة؟ ربما، ربما تجده، ربما يكون قد عاد، وانتقلت قدماها خطوة ناحية الباب، ووقفت لحظة تلتقط أنفاسها، ثم دخلت الممر الطويل يحوطه الشجر، قدماها ترتجفان وقلبها يخفق، ستخرج من الممر وتنظر إلى المائدة ولا تجده، خير لها أن تعود الآن، خير لها أن تعود وفي نفسها بعض أمل، إنه هناك موجود، جالس إلى المائدة، ظهره مائل قليلا إلى الأمام، وشعره الأسود الغزير، وأذناه المحتقنتان بالدم دائما، وعيناه البنيتان اللامعتان، يتحرك فيهما ذلك الشيء الغريب؛ الشيء الذي تحسه ولا تراه، الشيء الذي يجعله هو نفسه بذاته المنفردة عن الآخرين وكلماته وأفكاره ورائحته الخاصة، هو فريد وليس رجلا آخر كالملايين.
واستدارت لتعود، لكن قدميها تحركتا إلى الإمام، وسارتا إلى نهاية الممر وانحرفت إلى اليسار، ووقفت لحظة مطرقة لا تقوى على رفع رأسها، ثم رفعت رأسها، وارتطمت عيناها بجدار من الطوب، اختفت المائدة واختفى كل شيء ولم تر إلا جدارا قصيرا بني في العراء كتلك الجدران القصيرة التي تبنى فوق الموتى.
وسمعت صوتا خافتا من ورائها يسأل: هل تريدين سمكا؟ ونظرت خلفها، ورأت امرأة تحمل طفلا، لم يكن طفلا. كان هيكلا عظميا صغيرا يفتح فكيه الصغيرين الخاليين من الأسنان ويقبض بهما على ثدي ضامر جاف، يتدلى من صدر المرأة كقطعة من جلد الأحذية. ونظرت إليها المرأة بعينين نصف معتمتين ملتصقتي الرموش وقالت بصوت ضعيف: هل تريدين سمكا؟ وابتلعت فؤادة لعابها المر، وقالت في شرود: كان هنا مطعم صغير. وقالت المرأة: نعم؛ ولكنه أفلس وترك المكان.
وسألت: ومن أخذ المكان؟ قالت المرأة: البلدية.
وسألت: ومن بنى هذا الجدار؟ وقالت المرأة: البلدية.
وسألت وهي تتلفت حولها للعراء الواسع: ولماذا بنته؟
وردت المرأة وهي تشد ثديها الجاف وتدسه بين فكي الطفل: زوجي يقول إن البلدية تبني هذا الجدران لتكتب عليها اسمها.
ونظرت إليها المرأة من خلال رموشها الملتصقة ثم قالت: هل تريدين سمكا؟
وابتسمت ابتسامة واهنة، وقالت: ليس اليوم، ربما آتي لأشتري يوما.
وخرجت من الباب الصغير وسارت في الشارع. لم يعد هناك أمل. لم يعد هناك شيء. لم يعد إلا جدار من الطوب، جدار قصير بني في العراء لا يصلح لشيء سوى أسماء الموتى.
অজানা পৃষ্ঠা