يا شهيد المالكية، علم اليهود فوق المالكية، والأمة التي استردت من عروقك وديعة الدم، ما زالت جبهات قتالها في أرضها لا على تخومها، ونخوة الحياة - وهي الأصيلة في نفسها - ما زالت كما كانت برسم الهدر لا وقفا على يوم النصر. والمقاتلون المصارعون من مواطنيك يفتقدون ولا يجدون، كما افتقدت أنت ولم تجد رديفا من غير المقاتلين يشد ويعطي ويهتف ويكدح، ويعد القذيفة يلتقمها المدفع بدلا من القذيفة أطلقها المدفع.
أكثرنا يا محمد زغيب لا يعرفك ولا يذكرك ولا يمجدك، ولا يجد في حكايتك إلا حكاية.
أكثرنا يدخل وزارة الدفاع فلا يرى إلى يمينه الرخامة البيضاء مشرقة بالأسود من أسماء رفقائك في السلاح وفي الشهادة، ولئن رآها فليس في قلبه رعشة، ولا هي تقنص من فكره وعاطفته إلا بأقل مما كانت تظفر به لوحة لشلال، أو صورة لحسناء عارية.
لعل الذي اختار للرخامة البياض لونا ذكر أن الرومان كانوا يرمزون للأيام السعيدة من أيام السنة بحجر أبيض.
الموت فجيعة، ولكن في الشهادة سعادة.
وحجارتنا البيضاء هي قليلة في مبانينا؛ لذلك صغرت قلاعنا، وضخمت وكثرت مقاهينا.
لقد كومت أجيال الضعف الأوساخ على حجارتنا، فجهل أكثرنا أن المقلع عاجي ناصع البياض، وما فطن أكثرنا إلى أن علينا نحن أن نجلو بأيدينا حجارتنا، ولو حفيت أكفنا حتى العظام، أو تكسرت العظام.
أتخيلك يا شهيد المالكية، وقد ثقبت فوهة في سطح بيت، وركزت عليه رشاشك تطلق منه الرصاص على العدو المهاجم المغتصب، أتخيلك والدم يسيل من جراحك والعدو يتكاثر ويدنو، ورفقاء لك يناولونك العتاد، ثم ينصحونك - بعد أن رأوا دمك يسيل - أن تكف عن إطلاق النار، وأن تنسحب.
في المعركة التي خضتها لم تعد الأعداء، ولا عادلت بين قواك وقواهم، وما همك كيف تنتهي المعركة، الواجب فرض القتال حتى النهاية، وقد نفذت الواجب.
البطولة ليست معادلة حسابية، ومعارك الحرية لا يكسبها إلا من تزين بشيء من الجنون.
অজানা পৃষ্ঠা