المذكور إنما يتمشى فيما لو أطلق لفظ على معنى ولم يعلم أنه حقيقة فيه أو مجاز وأما إذا علم معناه الحقيقي والمجازي وشك في المراد فصحة نفي المعنى الحقيقي عن مورد الاستعمال تدل على إرادة المعنى المجازي كما إذا قيل طلع البدر علينا فإنه إذا كان مورد الاستعمال أعني مقام الخطاب بحيث يصح أن يقال ليس الطالع هو البدر حقيقة كان المراد به معناه المجازي وفيه أنه خروج عن محل البحث لان الكلام في معرفة المعنى الحقيقي والمجازي لا في تعيين المراد منهما عند الاطلاق واعلم أن هذا الجواب على ما نقلناه مطابق لما نقله العضدي والتفتازاني في دلالته على دفع إشكال الدور عن علامة المجاز من غير تعرض لدفعه عن علامة الحقيقة والمحقق الشريف صرح بعدم جريانه في علامة الحقيقة معللا بأن اللفظ الموضوع للعام إذا استعمل في الخاص كان مجازا مع امتناع سلب المعنى الحقيقي عن المورد واعترض عليه المدقق الشيرازي بأن ذلك إنما يقتضي عدم اطراد الجواب المذكور لا عدم دفعه لاشكال الدور و لعله يريد أن عدم اطراد الجواب المذكور لا يقتضي إلغاءه رأسا كما يظهر من عبارة المحقق الشريف لامكان إجرائه في غير المورد المذكور فلا يرد عليه ما قيل من أن مقصود المحقق الشريف أن الجواب المذكور وإن دفع الدور إلا أنه لا جدوى فيه لورود الايراد المذكور عليه نعم يرد عليه أنه ليس للعلامة حينئذ قاعدة يمكن اطرادها في مواردها بحيث يعتد بها إذ لا اختصاص للنقض باستعمال العام في الخاص فإنه لو فرض وجود حمار وبليد في الدار وقيل في الدار حمار وأريد به البليد كان الاستعمال مجازا قطعا مع أن المعنى الحقيقي لا يصح سلبه عن مورد الاستعمال لاحتمال المقام له إلى غير ذلك هذا وأورد الفاضل على الجواب المذكور بأنه كما يصح صحة سلب المعنى الحقيقي عن مورد الاستعمال علامة لإرادة المعنى المجازي كذلك يصلح صحة سلب المعنى المجازي عن مورد الاستعمال علامة لإرادة المعنى الحقيقي فلا يختص العلامة المذكورة بالمجاز ثم أورد على هذا الوجه سؤالا وهو أن الماهيات والحقائق المجازية قد تتعدد فنفي حقيقة منها لا يوجب تعيين إرادة بعض معاني اللفظ فلا يوجب تعيين إرادة المعنى الحقيقي وأجاب بأن المجيب المذكور قد اعتبر في جوابه دوران الاحتمال بين معنى حقيقي معين ومعنى مجازي معين ففرض التعدد خارج عن مفروضه مع أن لنا أن نجعل العلامة على تقدير تعميم الفرض سلب جميع المعاني المجازية فيتم بلا إشكال لان سلب الجميع يوجب تعيين إرادة المعنى الحقيقي إذ لا مخرج عنهما هذا محصل كلامه بعد التنقيح و التوضيح وفيه نظر لان العلامة المقررة عند القوم في المقام إنما هي صحة سلب المعنى في نفس الامر وعدم صحة سلبه كما ذكره العضدي أو صحة سلب المعنى الحقيقي وعدم صحة سلبه كما اختاره المورد المذكور في تحرير العنوان ولا ريب أن المعنى المجازي ليس بمعنى نفس أمري للفظ ولا بمعنى حقيقي له حتى يعتبر صحة سلبه علامة للحقيقة مع أن المعتبر عندهم في علامة الحقيقة عدم صحة السلب لا صحته وظاهر أن الكلام في المقام في دفع الدور المورد على العلامتين المقررتين عندهم لا في إحداث علامة أخرى وهذا واضح نعم غاية ما يمكن أن يقال علي المجيب حينئذ هو أن القوم لو اعتبروا صحة سلب المعنى الحقيقي علامة لإرادة المعنى المجازي لا لاثبات كون المعنى مجازيا لكان عليهم أن يعتبروا صحة سلب المعنى المجازي علامة لإرادة المعنى الحقيقي أيضا فيلزمهم ترك ما ينبغي التعرض له ولا ريب أن التزام مثل ذلك هين بالنسبة إلى ما يلزمهم من إشكال الدور وفساد العلامة ثم أورد على ما ذكره المحقق الشريف أن العام إنما يكون مجازا في الخاص إذا استعمل فيه من حيث الخصوصية ولا ريب في صحة سلب معناه الحقيقي عنه حينئذ وفيه نظر أيضا لأنه إن اعتبر السلب بالحمل المتعارف كما هو الظاهر من إطلاقه للسلب فلا ريب في أن العام لا يصح سلبه عن الخاص بهذا الحمل مطلقا لا من حيث تحقق العام في ضمنه ولا من حيث الخصوصية ضرورة أن الحيوان لا يصح سلبه عن الناطق الذي يغايره بالمفهوم فضلا عن صحة سلبه عن الانسان المركب منه ومن الناطق مع أن استعماله فيهما مجاز قطعا ولو أراد صحة سلب كونه معنى حقيقيا للفظ بقي إشكال الدور بحاله وإن اعتبر السلب بالحمل الذاتي فمع منافاته لجوابه الآتي غير وارد على المحقق الشريف لان المجيب اعتبر السلب بالنسبة إلى مقام الخطاب دون المستعمل فيه إذ الغرض قصد تعيينه بالعلامة والوجه المذكور إنما يجدي في الثاني دون الأول و منها أن المراد سلب ما يفهم من اللفظ المجرد عن القرينة وعدمه و فيه أنه إذا علم المعنى المستفاد من اللفظ المجرد كفي أن يقال إنه حقيقة فيه ومجاز في غيره كما مر في العلامة السابقة ولا حاجة إلى السلب المذكور سلمنا لكن معرفة ما يفهم من اللفظ المجرد عن القرينة متوقف على معرفة الوضع فلو توقف معرفة الوضع عليه كان دور أو يمكن تقرير الجواب المذكور بوجه يرجع إلى ما نختاره في الجواب كما لا يخفى ومنها ما يجري في المجاز فقط وهو منع توقفه على العلم بصحة سلب جميع معانيه الحقيقية حتى يرد الاشكال المذكور بل يكفي صحة سلب بعض معانيه الحقيقية عنه لأنه حينئذ إن لم يكن مجازا في المعنى المسلوب عنه لكان حقيقة لأن المفروض صحة الاستعمال فيلزم الاشتراك وهو خلاف الأصل وفيه أولا أن العلامة تكون حينئذ خلافية وظاهرهم الاتفاق عليها وثانيا أن الأصل المذكور إنما يجري حيث يكون بين المعنيين علامة معتبرة إذ بدونها لا محيص عن ثبوت وضع آخر وحينئذ لا يمكن نفيه عن المعنى المستعمل فيه بالأصل مع أن العلامة المذكورة لا تختص به و ثالثا أن الأصل قد يتخلف عن مورده لقيام دليل عليه والعلامة لا يجوز تخلفها عن شئ من مواردها كما مر فلا يصح أخذه جزا ومنها ما زعمه الفاضل المعاصر من أن المراد بعلامة المجاز صحة سلب المعنى الحقيقي في الجملة وحينئذ فإن اتحد المعنى الحقيقي كان مجازا مطلقا وإن تعدد كان مجازا بالنسبة إلى الحقيقة المسلوبة وكذلك المراد بعلامة الحقيقة عدم صحة سلب المعنى الحقيقي في الجملة و هو علامة لكون ما لا يصح السلب عنه معنى حقيقيا بالنسبة إلى ذلك المعنى الذي لا يجوز سلبه عنه وإن احتمل أن يكون مجازا بالنسبة إلى معناه الاخر فلم يتوقف العلم بكون اللفظ حقيقة في المعنى على العلم
পৃষ্ঠা ৩৬