لا يثبت به إلا الحقيقة في الجملة ولئن اكتفوا بذلك هنا لكان عليهم أن يكتفوا في المجاز أيضا بالسلب الجزئي ويجعلوه علامة للمجاز في الجملة هذا محصل كلامه أقول لا خفاء في أن الغرض من هذه العلامة إنما هو استعلام حال اللفظ بالنظر إلى المعنى المقصود من كونه حقيقة فيه فيجري في المشترك وغيره لا أنه لا يستعمل في المعنى المقصود إلا حقيقة فيختص مورد العلامة بما يتحد معناه الحقيقي ولا ريب في أن العلم بأن الانسان مثلا حقيقة في البليد أي في المعنى الذي يطلق باعتباره على البليد إنما يتوقف على العلم بعدم صحة سلب أحد معانيه الحقيقية عنه إذا كان له حقائق متعددة فيعلم أنه حقيقة فيه باعتبار ذلك المعنى لا عدم صحة سلب الجميع ضرورة أن بعض معاني المشترك مما يصح سلبه عن بعض وهذا بخلاف المجاز لان العلم به يتوقف على العلم بصحة سلب الجميع إذ مجرد سلب البعض لا يقتضي أن يكون مجازا كما لا يقتضي أن يكون حقيقة وأما إذا صح سلب الجميع لزم أن يكون مجازا وإلا لكان غلطا والكلام في الاستعمال الصحيح نعم لو أخذ صحة السلب في المجاز باعتبار المعنى الحقيقي الذي استعمل اللفظ باعتباره في المعنى المقصود أو صح ذلك فيه لم يحتج إلى أخذ صحة السلب بالنسبة إلى جميع المعاني الحقيقية بل كان أخذها بالنسبة إلى المعنى المعتبر مغنيا عن ذلك لكن القوم لما اعتبروا علامة الحقيقة في اللفظ المجرد عن هذا الاعتبار ناسب أن يعتبروا علامة المجاز أيضا في اللفظ المجرد عن الاعتبار المذكور ليتوافق مورد العلامتين فاحتاجوا في المجاز إلى اعتبار صحة السلب بالنسبة إلى جميع المعاني الحقيقية مع أن اللفظ في إطلاقه على المعنى المقصود إن كان مأخوذا بحسب معناه الحقيقي فلا يتم في غير الاستعارة التي مبناها على التصرف في أمر عقلي وقد حققنا سابقا أنه ليس من باب المجاز ولو سلم لعلامة غير مقصودة عليه عندهم وإن كان مأخوذا بحسب معنى آخر واعتبر المعنى الحقيقي لمجرد تحصيل العلاقة فالعلم بمجازية ذلك المعنى حينئذ حاصل من حيث اعتبار العلاقة فلا يتوقف على اعتبار العلامة فتدبر ثم أقول تقرير الدور على الوجه الذي ذاكره بظاهره مبني على تخصيص مورد العلامة باللفظ الذي ينحصر معناه الحقيقي في معنى واحد وأن يكون الغرض منها معرفة حال اللفظ الذي لا يقع مستعملا في المعنى المبحوث عنه إلا حقيقة وهذا مع ما فيه من قلة الجدوى والمخالفة لصريح كلمات القوم مدفوع بأن الدور فيه أيضا ظاهر لان العلم بكون الانسان حقيقة في البليد لا غير مثلا أي في المعنى الذي يطلق باعتباره على البليد يتوقف على العلم بعدم معنى حقيقي للانسان يصح سلبه عنه وإلا لجاز أن يكون مجازا فيه باعتبار بعض معانيه وهو يتوقف على العلم بكونه حقيقة فيه لا غير وأما العلم بعدم صحة سلب المعاني الحقيقية للانسان عن البليد ففي مرتبة العلم بعدم معنى حقيقي للانسان يصح سلبه عن البليد بل هو عينه إن لم يقصد الفرق بينهما بالتفصيل والاجمال فلا يعقل الترتب و التوقف بينهما هذا وإن أراد أن المعتبر في العلامة أن لا يكون للفظ كالانسان باعتبار أحد معانيه إذا كانت له معان متعددة مورد كالكامل في الانسانية ونحوه بحيث يصح سلبه عن المعنى المبحوث عنه كالحيوان الناطق ليكون علامة لكونه حقيقة فيه من حيث الخصوصية ففيه مع عدم استلزامه إضمار الدور كما عرفت أنه إن اعتبر السلب بالحمل الذاتي لم يستقم قطعا ضرورة أن كل مورد من الخصوصيات مما يصح سلبه عن المعنى المبحوث عنه بالحمل الذاتي إذا كان اللفظ حقيقة فيه بخصوصه وإن اعتبره بالحمل على الوجه الأعم فمع كونه على خلاف الوجه المعتبر لأخصية المسلوب عن المسلوب عنه لا يثبت به كون اللفظ حقيقة فيه بخصوصه ضرورة أنه لا يصح سلب الانسان بهذا الحمل عن الناطق والضاحك مثلا مع أنه ليس حقيقة فيه بخصوصه وقد أجيب عن الاشكال بوجوه منها أن المراد بصحة السلب وعدمها أن يكون إطلاق اللفظ عليه باعتبار معنى يصح سلبه عنه أو لا يصح مثلا إذا أطلق الحمار على البليد فإنما هو باعتبار معنى يصح سلبه عنه وهو الحيوان الناهق وإذا أطلق الانسان عليه فإنما هو باعتبار معنى لا يصح سلبه عنه وهو الحيوان الناطق هذا حاصل ما ذكره بعض المتأخرين وعندي فيه نظر لأنه إن أراد بالمعنى الذي اعتبر صحة السلب وعدمها باعتباره خصوص المعنى الحقيقي أو الغير التأويلي كما سبق ففيه أن العلامة حينئذ تختص باستعلام حال الاطلاق على غير المعنى الموضوع له كما يساعد عليه تمثيله ضرورة أن الانسان إنما يطلق على الحيوان الناطق وهو نفس المعنى ابتدأ لا باعتبار معنى آخر ولو تعسف في التعميم إليه لبقي إشكال الدور فيه بحاله إذ ليس في بيانه ما يساعد على دفعه والتزام هذا الاختصاص غير مناسب للمقام مع أن هذا لا يستقيم بناء على اعتبار السلب بالحمل الذاتي كما مر في دفع الاشكال الأول ضرورة أن اللفظ باعتبار معناه الحقيقي مما يصح سلبه عن جميع موارده الخاصة ولوازمه العقلية بهذا الحمل على أن العلم بصحة السلب وعدمها حينئذ مبني على العلم بخروج المورد عن المعنى الموضوع له و عدمه وهو في مرتبة العلم بكون الاستعمال فيه مجازا أو حقيقة أو نفسه على ما مر فيبقى إشكال الدور بحاله وإن أراد به المعنى الأعم انتقض علامة الحقيقة حينئذ بأكثر أقسام المجاز مثلا إذا أطلق الكاتب بمعنى الانسان على زيد لا من حيث الخصوصية صدق عليه أنه قد أطلق عليه باعتبار معنى لا يصح سلبه عنه وهو الحيوان الناطق و ظاهر أنه ليس حقيقة فيه لا يقال المراد بقوله باعتبار معنى مجرد ملاحظته و لا ريب في أن استعمال اللفظ في معناه المجازي مبني على ملاحظة معناه الحقيقي واعتبار العلاقة ولو إجمالا فيستقيم الجواب إذ يصدق في المثال المذكور أنه أطلق الكاتب بمعنى الانسان على زيد باعتبار معنى يصح سلبه عنه وهو مفهوم الكاتب ضرورة أن مفهوم الكاتب ليس نفس مفهوم الانسان لأنا نقول غاية الامر أن يصدق علامة المجاز بالاعتبار المذكور كما يصدق عليه علامة الحقيقة بالاعتبار الذي ذكرناه وليس هناك ما يعين أحد الاعتبارين فيبقى محذور الفساد بحاله ومنها أن الاشكال
পৃষ্ঠা ৩৫