বৃহত্তম ফিতনা (প্রথম খণ্ড): উসমান
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
জনগুলি
1
هنالك لم يغضب المصريون وحدهم، وإنما غضب معهم أصحاب النبي، واشتدوا على عثمان في ذلك حتى عزله، وكتب بعهد مصر لمحمد بن أبي بكر، وأرسل معه جماعة من المهاجرين والأنصار ليحققوا ما بين عبد الله بن سعد وبين المصريين. فقد كان علي طلب إليه أن يعزله أولا، وأن يحقق ما اتهم به من القتل ثانيا، فإن ثبتت عليه التهمة أقاد منه. وكانت تولية عثمان لهذا الرجل مصر شؤما على جماعة المسلمين، فمن مصر خرج الثائرون الأولون على عثمان واجتمع إليهم بعد ذلك غيرهم من أهل المصريين الآخرين في العراق. ومع ذلك فقد كان عبد الله بن سعد شجاعا جريئا مقداما موفقا في الفتح؛ فهو قد أخرج الروم من إفريقية، وشارك في غزو قبرص، وهزم أسطول الروم في ذات الصواري، ولكنه كان صاحب دنيا ولم يكن صاحب دين.
الفصل الثاني عشر
ولن يتم الحديث عن سياسة عثمان وعامله لمصر حتى نذكر فتيين من فتيان قريش كان لهما فيما انتهت إليه هذه السياسة من الثورة أثر أي أثر، وهما: محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر؛ فأما محمد بن أبي حذيفة فقد كان فتى شريفا لأب شريف كريم النسب في قريش عظيم المكانة بين زعمائها؛ فأبوه عتبة بن ربيعة أبو هند زوج أبي سفيان وأم معاوية. وقد كان أبو حذيفة من السابقين إلى الإسلام، أسلم قبل أن يدخل النبي دار الأرقم ويدعو فيها، وهاجر بامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى بلاد الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة مع غيره من المهاجرين. وهو إلى سابقته وهجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة أحد الذين أبلوا في الدين أحسن البلاء وأكمله؛ فقد شهد بدرا، وشهدها في حماسة ويقين وإيمان، حتى دعا أباه في الموقعة إلى المبارزة. ثم هو قد شهد المشاهد كلها مع النبي، ثم هو بعد ذلك قد مات شهيدا في موقعة اليمامة أيام أبي بكر. وقد ولد له ابنه محمد في الحبشة؛ فكان إذن حديث السن حين مات عنه أبوه، ولم يكن قد بلغ الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة بعد.
وقد كفله عثمان بعد موت أبيه فكان ربيبه، ثم تعهده أثناء شبابه، فلما استخلف عثمان ظن الفتى أن سيصيبه شيء من الولاية كما أصاب غيره من فتيان قريش، ومن ذوي قرابة عثمان بنوع خاص. ولكن الفتى، فيما يقول الرواة، لم يكن شديد الاستمساك بدينه؛ فقد يقال إنه شرب الخمر، وإن عثمان أقام عليه الحد. قد يثبت هذا وقد لا يثبت، ولكن المهم أن الفتى طلب ذات يوم إلى عثمان أن يوليه عملا، فأبى عليه عثمان ذلك، وقال له: لو عرفت فيك كفاية لوليتك، ولكنك لست هناك. قال الفتى: فأعني إذن على الخروج والاضطراب في الأرض. فأعانه عثمان وأعطاه مالا، وأذن له أن يذهب إلى حيث شاء كغيره من الناس، فذهب الفتى إلى مصر. وما من شك في أنه خرج من عند عثمان مغاضبا له، إما لأنه أقام عليه الحد إن كان قد فعل، وإما لأنه أبى عليه الولاية التي لم يبخل بها على الوليد وسعيد وعبد الله بن عامر. ولم يكد يصل إلى مصر حتى أظهر المعارضة لسياسة عثمان والشغب على عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
وأما محمد بن أبي بكر فحسبه شرفا أن يكون ابن الصديق وأخا عائشة أم المؤمنين. وهو بعد هذا كله فتى قرشي يعتز بما كانت قريش تعتز به، ويعتد بمكانته من أبيه الذي كان آثر الرجال عند النبي، ومن أخته التي كانت آثر النساء عند النبي أيضا. وما من شك في أنه كان يطمع في أن يعرف له عثمان هذه المكانة ويرعى حرمة أبيه وأخته، ويكرمه ببعض الولايات التي كان يكرم بها قوما من ذوي قرابته لم يكونوا أعز منه نفرا ولا أسبق منه سابقة، ولكن عثمان لم يلتفت إليه ولم يحفل به. وما كان عثمان يستطيع أن يولي شباب قريش جميعا، ولا كان يستطيع أن يولي الكثرة من شباب قريش؛ فالأعمال محدودة وطلابها كثيرون. ولكن عثمان أثار في نفوس هؤلاء الشباب من قريش ضروبا من الموجدة والغيرة والحسد حين آثر فريقا منهم دون فريق. فخرج محمد بن أبي بكر إلى مصر كما خرج إليها محمد بن أبي حذيفة، والتقيا فيها أو في طريقهما إليها. ولم يكادا ينزلان مصر حتى أحس عبد الله بن سعد أنهما لم يقبلا لخير، فأنذرهما وحذرهما، ولكنهما لم يحفلا بنذير ولا بتحذير. وكان محمد بن أبي حذيفة أكثرهما صراحة في النقد، وأشدهما معارضة للخليفة وواليه، بل كان لا يتردد في أن يواجه الوالي بما يكره، ويواجهه بذلك على ملأ من الناس، فقد قال الرواة: إنه كان يجهر بالتكبير بعد أن يفرغ الأمير من صلاته؛ ليلفت الناس إليه من جهة، وليتحدى الأمير من جهة أخرى. ويقال: إن عبد الله بن سعد دعاه فنهاه عن ذلك فلم ينته، فحمقه وأنذره بأن يقارب بين خطوه، فلم يظهر الفتى عناية به أو التفاتا إليه. وخرج عبد الله للقاء الروم في ذات الصواري، فخرج معه المحمدان. ولكنه أشفق منهما على الجيش، فاضطرهما إلى أن يبحرا في سفينة ليس فيها أحد من المسلمين غيرهما، وإنما فيها معهما الأقباط. ويقال: إن محمد بن أبي بكر مرض فأقام بمصر ولم يخرج وخرج محمد بن أبي حذيفة. وأكبر الظن أن أحدهما أقام ليفسد الأمر من وراء عبد الله، وأن الآخر خرج لينشر دعوته في الجيش.
وقد كتب النصر في هذه الموقعة للمسلمين، وعاد عبد الله ظافرا بقهر أسطول الروم. ولكنه عاد وقد أفسد عليه ابن أبي حذيفة جيشه بما أظهر من النكير عليه وعلى خليفته، وبما كان يقول للمحاربين من أنهم يسعون إلى الجهاد، والجهاد وراءهم في المدينة حيث يقيم عثمان فيسوس الأمة على غير كتاب الله وسنة رسوله وسياسة صاحبيه، ويعزل أصحاب النبي عن العمل ويولي أمور المسلمين جماعة من الفساق وأصحاب المجون. وانظروا إلى واليكم وقائدكم إلى الجهاد؛ إنه رجل نزل القرآن بكفره، وأهدر النبي دمه، ولكن عثمان يوليه أمركم على ذلك لأنه أخوه في الرضاعة. وانظروا إلى سيرته فيكم، أترونه يهتدي فيها بهدي النبي وصاحبيه؟ أترونه لا يغير ولا يبدل ولا يكلفكم من أموالكم وأعمالكم ما لا تطيقون؟ كان ابن أبي حذيفة يذيع هذا في الجيش، وكان ابن أبي بكر يذيع هذا في المصر. وقد أخذ المصريون بعد عودة الجيش يجتمعون إليهما ويسمعون منهما، فأشفق منهما عبد الله بن سعد، وشكاهما إلى عثمان واستأذنه في البطش بهما. ويقال إن عثمان أرسل عمار بن ياسر إلى مصر ليعلم له علم هذين الفتيين، ولينصح لهما ويردهما إلى الهدوء، وليعلم له علم عبد الله بن سعد نفسه. فلم يكد عمار يصل إلى مصر حتى انضم إلى هذين الفتيين فيما يقول الرواة، وجعل يحرض معهما على عثمان، حتى ضج من ذلك عبد الله بن سعد، وكتب إلى الخليفة يلح عليه في البطش بثلاثتهم. فكتب إليه عثمان ينذره ويلومه ويأمره بأن يرفق بعمار ويرده إلى المدينة مكرما موفورا، وبأن يترك محمد بن أبي بكر لأبيه الصديق وأخته أم المؤمنين، وبأن يترك محمد بن أبي حذيفة فهو ابنه وربيبه وفرخ قريش.
وأكاد أقطع بأن عمارا لم يرسل إلى مصر ولم يشارك هذين الفتيين فيما كانا بسبيله من التحريض، وإنما هي قصة اخترعها العاذرون لعثمان فيما كان بينه وبين عمار قبل ذلك أو بعده، مما سنراه بعد حين. ولكن الشيء المحقق هو أن المحمدين نزلا مصر وحرضا فيها على عثمان وعامله، وهم عثمان أن يترضاهما بالرفق. فيقال: إنه أرسل إلى محمد بن أبي حذيفة مالا وكسوة، فعرض الفتى ذلك في المسجد وقال: انظروا يا معشر المسلمين إلى عثمان؛ يريد أن يخدعني عن ديني بالرشوة.
وما زال المحمدان بالمصريين يذيعان فيهم دعوة المعارضة، حتى استجاب لهما خلق كثير، وحتى كان المصريون أشد الناس خلافا لعثمان وانتقاضا عليه. وليس لسخط هذين الفتيين مصدر فيما نعلم إلا ما أثار عثمان في نفوس كثير من الشباب القرشيين وغير القرشيين من الغيظ والموجدة حين آثر فريقا من الشبان دون فريق، وحين قصر بذوي المكانة والكفاية وحسن البلاء عن المناصب والأعمال، واختص بالمناصب والأعمال قوما آخرين؛ مهما تكن مكانتهم وكفايتهم فهم ليسوا من أصحاب السابقة ولا من ذوي المكانة الممتازة والسيرة الحميدة دائما. ويكفي أن تقرأ هذا الكتاب الذي أرسله الأشتر إلى عثمان حين ردت الكوفة سعيد بن العاص وكتب عثمان إلى أهلها يعظهم ويبصرهم ويسألهم عما يريدون - يكفي أن تقرأ هذا الكتاب لترى مبلغ سخط الناس والشباب منهم خاصة على عثمان؛ لأنه آثر بالأمور العامة فريقا من ذوي قرابته لا يمتازون من غيرهم بقليل أو كثير.
كتب الأشتر إلى عثمان يقول: «من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.
অজানা পৃষ্ঠা