বৃহত্তম ফিতনা (প্রথম খণ্ড): উসমান
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
জনগুলি
فليس صحيحا إذن أن عثمان قد لزم سيرة عمر لزوما دقيقا في الصدر الأول من خلافته؛ فليس في زيادة العطاء فجاءة - لا لشيء إلا لأنه تولى الخلافة - لزوم سيرة عمر. وطبيعي ألا ينكر الناس على عثمان زيادته في أعطياتهم؛ فهو قد برهم بهذه الزيادة ووسع عليهم في الرزق. والناس لا يكرهون أن يزاد حظهم من الخير، بل طبيعي أن يتنفس الناس الصعداء حين يتولى عثمان أمورهم ويبدأ خلافته بزيادة العطاء، فيعفيهم من شدة عمر، ويأخذهم بالسعة، لا أقول بعد الضيق - فلم يكن عمر يضيق على المسلمين في العطاء - وإنما أقول يأخذهم بالسعة الواسعة بعد أن كان عمر يأخذهم بالسعة المقتصدة. وقد كان عمر يتمثل فيما يظهر في كل لحظة من لحظات حياته هذه الآية الكريمة من القرآن:
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا .
ثم لم يكتف عثمان بزيادة العطاء، وإنما وفد الأمصار لأول مرة فيما يقول المؤرخون. ومعنى ذلك أنه دعا الأمصار إلى أن توفد إليه وفودها للعطاء والإجازة، فكان هذا توسعا في الإنفاق لم يكن عمر يعمد إليه أو يفكر فيه. وكان عمر قد جعل للناس من أهل المدينة عطاء خاصا: درهما درهما في كل يوم من أيام الصوم، ولأزواج النبي درهمين درهمين، يوسعون بها العطاء على أنفسهم وعلى عيالهم، وفضل عمر ذلك على إطعام الناس على الموائد العامة؛ إذ رأى في خطته تلك رعاية لكرامتهم وتيسيرا لهم فيما يحبون من البر بمن يعولون. فلما استخلف عثمان وأقبل شهر الصوم أجرى العطاء الذي كان يجريه عمر، ولكنه مد الموائد بعد ذلك للطارئين وذوي الحاجة.
وما من شك في أن هذا إمعان في البر والرفق، ولكن ما من شك أيضا أن في هذا إطماعا للناس في الأموال العامة، وإغواء لكثير منهم بالتزيد في الانتفاع بهذه الأموال. فليس كل الناس قادرا على أن يتعفف فلا يغشى الموائد العامة إلا حين لا يكون له من غشيانها بد، بل إن كثيرا من الناس لا يكرهون أن يضيفوا عطاء الصوم إلى عطائهم العام ثم يغشون بعد ذلك الموائد العامة فيطعمون كما يطعم الطارئون وذوو الحاجات.
كل هذا كان توسعة من عثمان على الناس قد يكون فيها الخير، ولكنها لا تخلو من بعض ما يخاف على السياسة والأخلاق جميعا. ثم هي لا تخلو مما يدعو إلى شيء من سوء الظن بل من سوء الحديث، فمن ذا الذي كان يستطيع أن يمنع النقاد من أن يقولوا لأنفسهم ويقولوا للناس إن في هذه التوسعة نوعا من أنواع الإذاعة يتحبب بها الإمام إلى رعيته ليكتسب قلوبهم بهذا السخاء؟
على أن سخاء عثمان لم يقف عند هذا الحد؛ إذ لم تكد الأيام تتقدم بخلافته حتى أخذ يصل الأعلام من أصحاب النبي بالصلات فوق ما كان لهم من العطاء المفروض. فهو فيما يروي ابن سعد، قد وصل الزبير بن العوام بستمائة ألف، ووصل طلحة بمائتي ألف ونزل له عن دين كان عنده. ويقول ابن سعد إن الزبير حين قبض هذه الصلة جعل يسأل عن خير المال ليستغل صلته، فدل على اتخاذ الدور في الأمصار والأقاليم.
ولم يقف عثمان عند هذا الحد من تجاوز سيرة عمر في سياسته العامة، وإنما خالف عن هذه السيرة مخالفة أشد من هذا كله خطرا، فأذن لكبار الصحابة في أن يتفرقوا في الأرض ويخرجوا من الحجاز ويلموا بالأقاليم، وكان عمر يحبسهم في المدينة ويأبى عليهم الخروج إلى الأقاليم إلا بإذن خاص منه. وكان يقول إنه واقف لقريش بشعاب الحرة فآخذ بحجزها فحائل بينها وبين الفتنة. فقد ألغى عثمان هذا الحجر.
وإذا زاد عثمان في العطاء، ثم تجاوز ذلك إلى الجوائز والصلات، ثم أذن لأصحاب هذه الجوائز والصلات أن يتفرقوا في الأرض ويتصلوا بالجند الغالبين وبالرعية المغلوبين، فأي غرابة في أن يعظم ثراء هؤلاء الناس من جهة، ويكثر أتباعهم وأشياعهم من جهة أخرى، ويصبح كل واحد منهم رئيس حزب من الأحزاب يراه أحق الناس بولاية أمور المسلمين، وينتهز الفرصة ليمكنه من ولاية أمور المسلمين؟
ما عسى أن يكون مصدر هذا الانحراف عن سيرة عمر وأبي بكر في العمل بعد أن التزمها عثمان في كتبه التي رويناها آنفا؟ الشيء المحقق هو أن عثمان لم يدهن في دينه، والشيء المحقق أيضا هو أن عثمان لم ير في سياسته تلك مخالفة خطيرة أو غير خطيرة لسيرة الشيخين؛ فهو لم يتعمد الجور ولا المحاباة، وإنما وسع على الناس من أموالهم، رأى في بيت المال غنى فآثر الناس به ولم يغل في الادخار. وأي حرج في أن يصل أصحاب النبي بشيء من هذا المال قليل أو كثير وهم أئمة الإسلام وبناة الدولة وأصحاب البلاء الحسن أيام النبي، وهم قد احتملوا من الشدة والحرمان شيئا كثيرا. وقد صدق الله وعده وأكثر الخير، فأي الناس أحق من هؤلاء المهاجرين أن يستمتعوا بشيء من هذا الخير الكثير؟!
نعم، لم يشك عثمان في أنه لم يخالف عن السنة الموروثة، وإنما جرى على طبعه السخي من جهة، ووسع على المسلمين من جهة أخرى، ووصل أصحاب رسول الله من جهة ثالثة. وليس في شيء من ذلك مأثم، وإنما هو الخير والبر والمعروف.
অজানা পৃষ্ঠা