বৃহত্তম ফিতনা (প্রথম খণ্ড): উসমান
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
জনগুলি
هذه الخصال أنشأت منذ ظهر الإسلام طبقة ممتازة من الناس، لم تستأثر من دونهم بحق من حقوق الدنيا، ولم تجن لنفسها منفعة عاجلة أو آجلة، وإنما آثرها النبي بحبه وأعلن إليها وإلى الناس أن الله قد آثرها بحبه أيضا؛ فالذين سبقوا إلى الإسلام، والذين عذبوا في الله، والذين هاجروا بدينهم إلى بلاد الحبشة ثم إلى المدينة، والذين آووا ونصروا، والذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين لزموا النبي يسمعون له ويكتبون عنه - كل أولئك كونوا هذه الطبقة التي أحبها الله ورسوله وأكبرتها عامة المسلمين. وهذه الطبقة لم تكن ترى نفسها أحق بالامتياز ولا أجدر بالاستعلاء، وإنما كانت ترى نفسها كغيرها من الناس، وكان تواضعها نفسه يزيدها حبا عند رسول الله، ويرفعها درجات عند الله، ويعلي مكانتها في نفوس عامة الناس، ولم تكن هذه الطبقة مؤلفة من ذوي المولد الممتاز والنسب الصريح والثراء العريض وحدهم، وإنما كانت مؤلفة من بعض هؤلاء ومن آخرين كان منهم العبد الذي فتن في دينه حتى صادف من المسلمين من اشتراه وأعتقه، وكان منهم الضعيف الذي أقبل مستجيرا بمكة يعيش في حمى حلف عقدها مع هذا الحي أو ذاك من أحياء قريش ومع هذا العظيم أو ذاك من عظمائها، وكان منهم من أقبل على مكة ذات يوم فوجد فيها أمنا ومكسبا فأقام؛ ثم كان منهم من صرح نسبه وحسن مولده، ولكنه كان قصير اليد قليل المال، فهو في عزة من قومه ولكنه في ضيق من عيشه يكسب حياته كما يستطيع.
كان منهم كل هؤلاء، وكل هؤلاء سوى بينهم الإسلام في الحقوق والواجبات، ولم يفرق بينهم إلا في حظوظهم من حسن البلاد في سبيل الإسلام، والصبر على المكروه حين يلم المكروه، ومؤازرة النبي بنفسه وماله حين يحتاج النبي إلى المؤازرة بالأنفس والأموال.
ولم يكد الإسلام ينتشر حتى امتازت هذه الطبقة في نفوس المسلمين امتيازا طبيعيا، وحتى أعطاها المسلمون من الحقوق ما لم تكن هي تعطي نفسها، فأعضاؤها كانوا يعلمون الناس دينهم، ويشيرون عليهم فيما يلم بهم من الأمر. وما أكثر ما كانت أحياء العرب تطلب إلى النبي أن يرسل إليها من يفقهها في الدين، فيختار لها من هؤلاء معلما وفقيها وإماما، ثم لم تكد الشهور تمضي على هجرة النبي حتى كانت غزوة بدر التي رفعت مكانة الإسلام في بلاد العرب وجعلت له شوكة ترهب وتخاف، ولا يكاد الزمن يمضي حتى يصبح الذين شاركوا في هذه الغزوة طبقة ممتازة بين المسلمين؛ فإذا أتيح لهم أن يشهدوا غيرها من المشاهد مع النبي، فهم أشد امتيازا؛ فإذا أتيح لهم أن يثبتوا في القلة التي ثبتت مع النبي يوم أحد، فهم أشد امتيازا أيضا؛ فإذا أتيح لهم أن يثني النبي عليهم، ويجعلهم لغيرهم قدوة وإماما، ويبشرهم بالجنة، ويعلن أنه عنهم راض، فقد بلغوا أرقى درجات الامتياز. وليس في شيء من هذا كله غرابة أو عجب؛ فهذا كله ملائم لطبيعة الأشياء، وإنما المهم هو أن هذه الطبقة الممتازة من أصحاب النبي على ما يكون بينها من تفاوت في الامتياز، قد أصبحت بعد وفاة النبي صاحبة الحل والعقد في أمور المسلمين كلها بعد أن مضى النبي إلى ربه وانقطع الوحي وعاد ما بين السماء والأرض إلى البعد بعد القرب.
فمن هذه الطبقة وحدها يختار من يخلف النبي في أمته ، وعلى هذه الطبقة وحدها يعتمد الخليفة في أن يسمع له الناس ويطيعوا، وإلى هذه الطبقة وحدها يلجأ الخليفة حين يحتاج إلى التشاور وإدارة الرأي.
على أن الأمر لم يقف عند هذا بعد وفاة النبي، فلم تكد تمضي أيام بل ساعات على وفاة النبي حتى عرف الإسلام نوعا جديدا من الأرستقراطية يتصل بالحكم نفسه اتصالا شديدا؛ وذلك حين تحدث المسلمون في أمر الخلافة، فقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. وروى أبو بكر عن النبي أنه قال: الأئمة من قريش، ثم قال للأنصار: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. وقبل الأنصار ذلك لم يكادوا يعارضون فيه، ولم يأبه منهم إلا سعد بن عبادة، رحمه الله.
منذ ذلك الوقت نشأت في الإسلام أرستقراطية قوامها القرب من رسول الله؛ فأصبح الحكم إلى قريش وحدها، وأصبحت المشورة إلى الأنصار. والمشورة حق عام لكل مسلم؛ فلقريش أن تحكم، ولقريش أن تشير، وللأنصار وغيرهم من العرب أن يشيروا، وليس لهم أن يحكموا. ومع ذلك فقد ينبغي أن نستأني في تحقيق هذه الأرستقراطية كما فهمها أبو بكر وأصحابه من المهاجرين، وكما فهمتها قريش بعد ذلك؛ فما من شك في أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح لم يفكروا في إطلاق الإمامة لقريش كلها بغير تحديد، وأكبر الظن أنهم إنما فكروا في المهاجرين الذين سبقوا إلى الإسلام، فآمنوا قبل أن يؤمن غيرهم، وآزروا النبي بأنفسهم وأموالهم على نشر دعوته في مكة أيام الجهد والشدة والضيق؛ فالكثرة العظمى من هؤلاء المهاجرين قرشية، والمهاجرون يذكرون مع الأنصار في القرآن والحديث وعلى ألسنة الناس، فيبدأ بهم ويثني بالأنصار، وما أرى إلا أن أبا بكر إنما قصد إلى هذه الطبقة الممتازة من قريش؛ طبقة الذين سبقوا إلى الإسلام وجاهدوا مع النبي أثناء الفتنة في مكة، ثم جاهدوا معه وجاهد معهم الأنصار أثناء القوة في المدينة.
ولو أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة فكروا في قريش من حيث إنها الحي الذي يتصل نسبه بنسب رسول الله، أي من حيث القرابة من النبي؛ لاقتضاهم هذا التفكير أن يؤثروا بالخلافة أقرب قريش من رسول الله، وأن يرشحوا لها العباس عمه أو عليا ابن عمه وصاحب صهره وربيبه حين كان صبيا. فأبو بكر وأصحابه إذن لم يفهموا من قريش إلا هذا المعنى الذي يتصل بالمهاجرين، وبأصحاب السبق والفضل من المهاجرين خاصة، ومن أحمق الحمق أن يقول قائل إن أبا بكر وأصحابه فكروا في قرابة قريش من النبي، وجعلوا هذه القرابة مصدر امتياز قريش بالإمامة، فلو قد كان هذا لكان الطلقاء من قريش أحق بالإمامة عند أبي بكر وعمر وأبي عبيدة من الذين آووا ونصروا، ولكان أبو سفيان أو صفوان بن أمية أو الحارث بن هشام، أحق بالإمامة من أعلام الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان؛ ولكن قريشا فهمت قول أبي بكر على غير ما أراده هو وعلى غير ما فهمه أصحابه في ذلك الوقت، فاستيقنت أن الإمامة حق لها لا ينبغي أن يعدوها إلى غيرها، وأنها حق لها لمكانها من النبي. وقد كانت قريش في هذا الفهم خاطئة متكلفة، ما في ذلك شك، ولو قد صح فهمها وتأويلها لظهرت عليها حجة بني هاشم، ولكان بنو هاشم أحق المسلمين بالإمامة ما استطاعوا أن ينهضوا بأعبائها.
ذلك إلى أن الإسلام لم يقدم أحدا على أحد بمولده ولا بمكانه الاجتماعي، وإنما فاضل بين الناس عند الله بالتقوى، وفاضل بين الناس عند الناس بالتقوى والكفاية وحسن البلاء.
ويدل على صواب ما نذهب إليه أن عمر حين طلب إليه أن يستخلف قال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته. وسالم مولى أبي حذيفة لم يكن قرشيا، بل لم يكن له نسب في العرب، وإنما جلب صبيا من إصطخر، فأعتقته امرأة من الأنصار كانت تملكه، وتولى هو ولاء أبي حذيفة من قريش، وقد كان المسلمون يقدمونه في أمور دينهم أيام النبي؛ فهو كان يؤم المهاجرين في الصلاة، وفيهم عمر، أثناء انتظارهم لمقدم النبي على المدينة. وقد قتل باليمامة في حرب الردة في خلافة أبي بكر.
وما ينبغي أن يؤبه لما قيل من أن سالما كان قرشيا بالولاء، فلو قد عاش واستخلفه عمر لما خرجت الإمامة من قريش. فهذا كله كلام لا يستقيم، ونحن نعلم أن الولاء على ما كان يعقد بين الموالي من الصلات لم يكن ليرفع الموالي إلى طبقة الذين يتولونهم من الأحرار. ولم تكن العرب تعرف لسالم نسبا، حتى إنهم كانوا يدعون زيد بن حارثة لأبيه حين أمر الله أن يدعى الموالي إلى آبائهم، وكانوا يقولون إن سالما من الصالحين؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون له أبا بعد أن ألغى الإسلام تبني أبي حذيفة إياه، فقد كان عمر إذن يود لو استخلف على المسلمين رجلا ليس من قريش، بل ليس من العرب إلا بالولاء، لا يرى بذلك بأسا. وكان عمر مصيبا في مذهبه هذا موافقا لأصول الإسلام الذي لا يفضل أحدا على أحد بالنسب والمولد، وإنما يفاضل بين الناس بالكفاية والتقوى وحسن البلاء، وقد كان سالم تقيا كافيا حسن البلاء.
অজানা পৃষ্ঠা