وخرج وتركها، فراحت تفكر مسرورة فى هذا الشاب. نعم هو شاب، وإن كان الأرجح أنه جاوز الثلاثين. وفى رقته ودعته، وفى مروءة نفسه وحسن أدبه، وفى براعته فى فن الرواية، براعة جعلتها تعمل كما لم تعمل قط فى حياتها، وفى وسامته، وفى هذا السحر الذى ينطلق من عينيه فينفذ إلى القلب، ثم تنهدت آسفة.. سحر أو لا سحر ... سيان، لا شك أنه يعجب بها، هذا واضح. ولكن ما قيمة هذا الإعجاب؟ وهبه أحبها فما أملها معه إلا أمل الخليلة، وهيهات أن ترضى ذلك. ولو كانت ترضى ذلك، لما فاتها ما فاتها من الفرص، ولا كانت خسرت ما خسرت من الأعمال، فما كان أكثر أصحاب الأعمال الذين طمعوا فى هذا النوع من العلاقة، فلما خيبت أملهم ألقوا بها فى الشارع، وحسبها زلة واحدة فى حياتها أورثتها هذا الشقاء الطويل.
واختصرت زفرة طويلة، فقد دخل فى هذه اللحظة محمد وأمامه سيده.. الخادم يحمل سلطانية متوسطة فيها مرق، والسيد يحمل فوطة، وقال السيد: «اشربى هذا حالا».
وطرح الفوطة على حجرها ففعلت كما أمر، وقال: «هذا يكفى الآن.. بعد طول الطوى، يحسن التخفيف حتى لا تتعب المعدة».
فقالت وهى تضحك: «لا تبالغ، إنه يوم واحد ليس إلا».
قال: «هذه الشجاعة التى تظهرينها تسرنى وتعليك فى عينى، ولكنها تكلف على كل حال».
فقالت مستغربة: «تكلف ... أبدا».
قال: «إن الذى أعنيه هو أن الشجاعة لا تكون إلا تكلفا شىء يحمل الإنسان نفسه عليه، هذا ما أعنى».
فسألت: «ولكنى لست فاهمة».
قال: «نؤجل الدرس إلى وقت آخر. ونتحدث الآن عنك.. قولى ما اسمك». فقالت: «فريدة». قال: «ينطقونها فى المكتب «فريدا».. ما علينا.. هل هذا اسمك الحقيقى»؟
قالت: «ولماذا تظن أنه ليس اسمى»؟ قال: «ما رأيت من شجاعتك يحملنى على هذا الظن.. أنت بنت ناس».
অজানা পৃষ্ঠা