وإن كان طرق هذا الموضوع (موضوع الصحبة) سهلا عند كثير من علماء المسلمين المتقدمين من صحابة وتابعين إلا أنه عند غلاة العقائديين ومعظم طلبة علم الحديث من غلاة العقائديين أصبح في غاية الصعوبة لأنهم في الغالب يكونون قد لقنوا نتائج خاطئة ظنوها عقيدة صلبة فهم يضعون هذه النتيجة نصب أعينهم ثم يبحثون بعد ذلك ولا يفيدهم عندئذ البحث، وأهل الحديث على فضلهم وخدمتهم للسنة في كثير منهم زعارة الخصومة وأحادية الرأي والتمسك بالمظنون عندهم كالتمسك بالقطعي؛ ولذلك كان أهل الرأي يتهمون أهل الحديث بجمود الذهن لاعتمادهم على ظاهر لفظ حديث أو مظنونه دون النظر فيما يخالفه أو يخصصه من نصوص أخرى أو من عمومات الإسلام، وهذه تهمة متحققة في بعض المحدثين وقد ذكر الذهبي نحو هذا في كلامه عن أهل الحديث في كتابه (زغل العلم)، ولو تخلص أهل الحديث من هذا العيب لكانوا محل إجماع، لكن كثيرا منهم لا يعذرون في المتشابه، ولا يؤمنون بالعلل التي يراها الطرف الآخر في هذا الحديث أو ذاك، ويقسون على من ضعف ما صححوه أو صحح ما لم يروا صحته، وهذا موضوع آخر لكنني استطردت هنا لأن غلاة العقائديين غالبا يكونون من المحدثين الذين يسيرون على حرف من العلم ولا يعذرون من له رأي آخر غير رأيهم حتى لو قدم أدلة لا تقل قوة عن الأدلة التي يرونها؛ وهذا ليس في كل أهل الحديث كما أسلفنا وإنما في بعضهم أو كثير منهم.
পৃষ্ঠা ১৩