ما هذه العلامات الاستفهامية المرتسمة على كل وجه؛ وجه العجوز الهرم، والفتى في ميعة الصبا، والفتاة في غمرة الهوى والشباب؟
ما هذه الأفكار السود التي تحوم في كل رأس، وتدور في كل ذهن، وتتغلغل في حنايا كل روح؟
ما هذه السلبية التي ملكت أطراف العالم كله، حتى يخيل لنا أن الروح الإنساني قد حبس في أربعة جدران سلحت بالحديد وسيجت بالنار؟
ما هذه الدماء المسفوحة؟ وما تلك النفوس التي تنتظر البوار استجابة لقوى الشر التي استولت على هذه الحياة؟ •••
من العجيب أنك تلمس هذه الظاهرة في جميع أنحاء الدنيا، كأنما أصلت على الإنسانية سيف باتر في يدي جبار ذي بطش، يشهره على نحرها كلما أخذت ثناياها تفتر عن ابتسامة حزينة، فترتد عنها ولسان حالها يقول:
أريد أضحك للدنيا فيمنعني
أن عاقبتني على بعض ابتساماتي
عشت قبل الحرب الأولى، وعشت بعدها، وعشت قبل الحرب الثانية، وعشت بعدها. وربما عشت حتى أشهد حرب البوار التي نحن مقدمون عليها، وقرأت وسمعت أن موارد الدنيا تكفي من فيها وتزيد على مطلوباتهم المعانية لو أنها وزعت بالعدل والقسطاس المستقيم. وقرأت وسمعت أن الأموال التي بعثرت سفها في الحربين العالميتين، تكفي لسد حاجات الناس أجمعين، ليصبحوا في رغد من العيش ورفعة من الحياة. وقرأت وسمعت أن بعض بلدان العالم كانت تخزن القمح الزائد عن حاجتها لترفع ثمنه في السوق إرضاء لمطامع أشعبية. وفي الهند والصين مجاعات تقتل الملايين. أولا يكون هذا من أسباب ذلك الحزن الذي يخيم على دنيانا؟ ألا يكفي أن يموت خير البشر ليأخذنا حزن مقيم؟ •••
كنت وما زلت فلاحي الروح؛ أحب الفلاح وأحب الريف، وربما أكون قد عشت في الريف أكثر مما عشت في الحواضر.
كنت أسمع قبل أربعين سنة أو يزيد؛ أي قبل أن يأخذ الحزن بتلابيب الدنيا، تلك الرنات الجميلة المنبعثة من حناجر الفلاحات تتجاوب بها جنبات الحقول النضرة الجميلة، وهن رائحات أو عائدات، تغنين أغاني الريف الصادرة عن عقل مصر وروحها، فتأخذني نشوة لا تزال تتجاوب بها أنحاء نفسي. أما الآن فلا شيء إلا الصمت المطلق، فلا شاد ولا شادية.
অজানা পৃষ্ঠা