وكان محمد علي قد تقرب إليهم, وأظهر حرصا على استرضائهم, والاستجابة لكل ما يأمرون به، والخضوع لهم، فاغتروا بمظهره وخداعه، وبايعوه بالولاية، وعلى رأسهم زعيم مصر الشعبي السيد عمر مكرم، ولكنه ما لبث أن تنكر لهذا الزعيم الذي وضع بين يديه عرش مصر، خوفا من منافسته, وتخلصا من رقابته, وحسدا لمكانته فنفاه.
ورأي كذلك أنه لن يستقيم له الأمر حتى يقضي على المماليك لتمردهم وكثرة شغبهم، فأبادهم1؛ وأنه لابد له من جيش قوي يقر به الأمن, ويصون هيبة الحكم في الداخل، ويدفع به غارة المغيرين من الخارج، فانتدب طائفة من أساتذة الفنون العسكرية بأوروبا، وأرسلهم مع مماليكه إلى أطراف الصعيد؛ ليدربوهم هناك.
وفي سنة 1815 أسس مدرسة حربية إعدادية، واتخذ لها قصر ابن العيني مكانا، وكان كل تلامذتها في أول الأمر من غير المصريين, إلا أنهم لم ينجحوا, فالتفت إلى المصريين، ونقلها إلى أبي زعبل، وأكثر بها من الأساتذة الفرنسيين؛ وتعجلا للفائدة, كان قد سبق وأرسل في سنة 1813 طائفة من شبان المماليك لدارسة الفنون العسكرية بإيطاليا، وفي سنة 1818 أرسل بعثة أخرى إلى انجلترا؛ لدارسة علم الحيل "الميكانيكا" وغيرها.
ورأى محمد علي أن الجيش في حاجة إلى أطباء يأسون جراحات الجند، ويقاومون الأوبئة، ويعنون بالمرضى, وأن الطب لا أثر له ألبتة، فخاصة المصريين كانوا يعتمدون في هذا على المأثور من نسخ الأدوية في الكتب القديمة، وعلى ما تمخضت عنه التجارب، ومنها الكي والحجامة، وأما الدهماء فكانوا في عامة شأنهم يعوذون بمدعي الطب من الدجالين والمشعوذين والسحرة، أو يقنعون من طلب الاستشفاء بزيارة الأضرحة, فأنشأ في سنة 1826 مدرسة الطب في جهة أبي زعبل، وأقام بجوارها مستشفى كبيرا لمعالجة المرضى، ولتمرين الطلبة، واستقدم لها أساتذة من الغرب؛ وجعل رياستها إلى الدكتور "كلوت بك الفرنسي".
পৃষ্ঠা ২১