وكان بجانب هذا أديبا، وشاعرا رقيقا إذا قيس بأهل عصره، ويدل على ذلك ما روي من أن السفينة التي أقلته إلى أوربا ظلت خمسة أيام بجزيرة صقلية تتزود من الماء والخضر، ولم يسترع انتباه الشيخ بمجامع قبله إلا دق نواقيس الكنائس.
وفي إحدى الليالي دعا صديقا من أصدقائه من أعضاء البعثة, ممن يعرف فيه الظرف والأدب، واقتراح عليه أن يشتركا في إنشاء مقامة على غرار مقامات البديع أو الحريري، ويكون موضوعها ثلاثة أشياء: حوار حول: "أن الطبيعة السليمة تميل إلى استحسان الذات الجميلة مع العفاف"، "سكر المحب من عيني محبوبه"، ثم "تأثر النفوس بضرب الناقوس" إذا كان من يضربه ظريفا, وأخذ ينشيء الشعر في مقاماته حول هذه المعاني، فقال في المعنى الأول:
أصبو إلي كل ذي جمال ... ولست من صبوتي أخاف
وليس لي في الهوى ارتياب ... وإنما شيمتي العفاف
وقال في المعنى الثاني:
قد قلت لما بدا والكأس في يده ... وجوهر الخمر فيها شبه خديه
حسبي نزاهة طرفي في محاسنه ... ونشوتي من معاني سحر عينيه
وفي المعنى الثالث:
مذ جاء يضرب بالناقوس قلت له: ... من علم الظبي ضربا بالنواقيس
وقلت للنفس أي الضرب يؤلمك ... ضرب النواقيس أم ضرب النوى قيسي
ومما يدل على هذا المزاج الأدبي ترجمته لبعض الشعر الفرنسي، وتأليفه كتاب "تعريب الأمثال في تأديب الأطفال"، وترجمته رثاء فولتير الشاعر للويس الرابع عشر، الذي يقول فيه:
পৃষ্ঠা ৩৭