من فتاوى العلامة محمد الأمين الشنقيطي
من فتاوى العلامة محمد الأمين الشنقيطي
জনগুলি
وقال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ...﴾ الآية [الجاثية، الآية (٢٣)]، ولم يقل: ودماغه.
وقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ...﴾ الآية [الفتح، الآية (١١)]، ولم يقل: ما ليس في أدمغتهم.
وقال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ ...﴾ الآية [النحل، الآية (٢٢)]، ولم يقل: أدمغتهم منكرة.
وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ...﴾ الآية [سبأ، الآية (٢٣)]، ولم يقل: (_) (^١) عن أدمغتهم.
وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد، الآية (٢٤)]، ولم يقل: (_) (^٢) على أدمغة أقفالها.
وانظر ما أصرحَ آية القتال (^٣) هذه!، في أن التدبر وإدراك المعاني به إنما هو القلب، ولو جُعِلَ على القلب قُفْلٌ لم يحصل الإدراك، فتبين أن الدماغ ليس هو محل الإدراك كما ترى.
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ...﴾ الآية [الصف، الآية (٥)]، ولم يقل: أزاغ الله أدمغتهم.
وقال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد، الآية (٢٨)]، ولم يقل: تطمئن أدمغتهم.
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...﴾ الآية [الأنفال، الآية (٢)]، ولم يقل: وجلت أدمغتهم، والطمأنينة والخوف عند ذكر الله كلاهما إنما يحصل بالفهم والإدراك، وقد صرحت الآيات المذكورة بأن محل ذلك القلب لا الدماغ، وبَيَّنَ في آيات كثيرة أن الذي يدرك الخطر فيخاف منه هو القلب الذي هو محل العقل لا الدماغ، كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ...﴾ الآية [الأحزاب، الآية (١٠)]، (وكقوله) (^٤) تعالى: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ [النازعات، الآية (٨)]، وإن كان الخوف تظهر آثاره على الإنسان.
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ...﴾ الآية [الأعراف، الآية (١٠٠)]، ولم يقل: (_) (^٥) على أدمغتهم.
وقال تعالى: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا ...﴾ الآية [الكهف، الآية (١٤)]، وقال تعالى: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ...﴾ الآية [القصص، الآية (١٠)].
(و) (^٦) الآيتان المذكورتان فيهما من الدلالة على أن محل إدراك الخطر المسبب للخوف هو القلب كما ترى لا الدماغ، والآيات الواردة في الطبع على القلوب متعددة، كقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ...﴾ الآية [المنافقون، الآية (٣)]، ولم يقل: فطبع على أدمغتهم، [(وقوله) (^٧) تعالى: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ...﴾ الآية [التوبة، الآية (٨٧)]، ولم يقل: على أدمغتهم] (^٨).
وقال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ...﴾ الآية [النحل، الآية (١٠٦)]، والطمأنينة بالإيمان إنما تحصل بإدراك فضل الإيمان وحسن نتائجه وعواقبه، وقد صرح في هذه الآية بإسناد ذلك الاطمئنان إلى القلب الذي هو محل العقل الذي هو أداة النفس في الإدراك، ولم يقل: ودماغه مطمئن بالإيمان.
وقال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...﴾ الآية [الحجرات، الآية (١٤)]، ولم يقل: في أدمغتكم.
وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ...﴾ الآية [المجادلة، الآية (٢٢)]، فقوله: ﴿ولما يدخل الإيمان في قلوبكم﴾، وقوله: ﴿كتب في قلوبهم الإيمان﴾، صريح في أن المحل الذي يدخله الإيمان في المؤمن، وينتفي عنه دخوله في الكافر، إنما هو القلب لا الدماغ.
وأساس الإيمان إيمان القلب، لأن الجوارح كلها تبع له، كما قال ﷺ: " (إن) (^٩) في الجسد مضغة، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (^١٠)، فظهر (لك) (^١١) دلالة الآيتين المذكورتين على أن المصدر الأول للإيمان القلب، فإذا آمن القلب آمنت الجوارح بفعل المأمورات وترك المنهيات؛ لأن القلبَ أميرُ البدن، وذلك يدل دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفهم كما ترى.
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ...﴾ (^١٢) الآية، فأسند الإثم بكَتْمِ الشهادة للقلب، ولم يسنده للدماغ، وذلك يدل على أن كتم الشهادة الذي هو سبب الإثم واقع عن عمد، وأن محل ذلك العمد القلب، وذلك لأنه محل العقل الذي يحصل به الإدراك وقَصْد الطاعة وقصد المعصية كما ترى.
وقال تعالى في حفصة وعائشة ﵄: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ...﴾ الآية [التحريم، الآية (٤)] (^١٣)، أي: مالت (^١٤) قلوبكما إلى أمرٍ تعلمان أنه ﷺ يكرهه، (سواءً) (^١٥) قلنا: إنه تحريمه شرب العسل الذي كانت تسقيه إياه إحدى نسائه (^١٦)، أو قلنا: إنه تحريمه جاريته مارية (^١٧)، فقوله: صغت قلوبكما: أي: مالت، يدلُّ على أن الإدراك، وقصد الميل المذكور محله القلب، ولو كان الدماغ لقال: فقد صغت أدمغتكما كما ترى.
ولما ذكر كل من اليهود والمشركين أن محل عقولهم هو قلوبهم، قررهم الله على ذلك؛ لأن كون القلب محل العقل حق، وأبطل دعواهم من جهة أخرى، وذلك
_________
(^١) زاد في (أ): (إذا فزع).
(^٢) زاد في (أ): (أم).
(^٣) هي سورة محمد، اشتهرت بهذا الاسم، وأوردها هكذا المؤلف في تفسيره أضواء البيان، ولم أجد هذه التسمية في المأثور، إلا ما أورده السيوطي في الدر المنثور (١٣/ ٣٤٩)، قال: "أخرج ابن الضريس عن ابن عباس، قال: نزلت سورة القتال بالمدينة"، وبالرجوع لفضائل القرآن لابن الضريس لم أجدها بهذه التسمية.
(^٤) في (أ): (وقوله).
(^٥) زاد في (أ): (ونطبع).
(^٦) ساقطة من (أ).
(^٧) في (أ): (وكقوله).
(^٨) ما بين المعقوفين مكرر بالأصل.
(^٩) في (أ): (وإن) بزيادة الواو.
(^١٠) أخرجه البخاري في صحيحه (٥٢)، ومسلم في صحيحه (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير-﵄.
(^١١) في (أ): (بذلك).
(^١٢) سورة البقرة، الآية (٢٨٣).
(^١٣) والآية نزلت في عائشة وحفصة، والدليل ما أخرجه البخاري في صحيحه (٢٤٦٨)، ومسلم في صحيحه (١٤٧٩) من حديث ابن عباس ﵄ أنه سأل عمر بن الخطاب ﵁ عن المرأتين اللتين قال الله تعالى فيهما: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، فأخبره بأنهما عائشة وحفصة.
(^١٤) راجع: أضواء البيان (٨/ ٣٧٥)، وقد جاء هذا التفسير عن قتادة بإسناد صحيح، أخرجه الطبري في تفسيره (٢٣/ ٩٤)، وعبد الرزاق في تفسيره (٢/ ٣٠٢)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (١٤/ ٥٨٠) لعبد بن حميد، وقد جاء أيضًا عن ابن عباس؛ عزاه السيوطي في الدر المنثور (١٤/ ٥٨٠) لابن المنذر، وقال البخاري: "باب: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، صغوت وأصغيت: ملت، ﴿لتصغى﴾ [الأنعام: ١١٣]: لتميل".
(^١٥) في (أ): (وسواء) بزيادة الواو.
(^١٦) انظر: صحيح البخاري (٥٢٦٧).
(^١٧) انظر: السنن للنسائي (٧/ ٧١)، والمستدرك للحاكم (٢/ ٤٩٣)، وقد مال الحافظ ابن حجر-﵀-في فتح الباري (٨/ ٦٥٧) لاحتمال كون الآية نزلت في السببين، وراجع: تفسير ابن كثير (٤/ ٣٨٦).
1 / 3