وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ". قال ابن جرير: حدثني المثني - وساق بسنده - عن الربيع بن أنس قال: "الإيمان الإخلاص لله وحده".
وقال ابن كثير في الآية: أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده، ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة. وقال زيد بن أسلم وابن إسحاق: هذا من الله على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه.
وعن ابن مسعود: "لما نزلت هذه الآية قالوا: فأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ليس بذلكم، ألم تسمعوا إلى قول لقمان: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ١ ". وساقه البخاري بسنده٢ فقال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ﵁ قال: "لما نزلت ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ ٣ قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم، بشرك. أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾؟٤.
ولأحمد بنحوه عن عبد الله قال: "لما نزلت ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ ٥ شق ذلك على أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، فأينا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ٦ إنما هو الشرك". وعن عمر أنه فسره بالذنب، فيكون المعنى: الأمن من كل عذاب. وقال الحسن والكلبي: "أولئك لهم الأمن، في الآخرة، وهم مهتدون في الدنيا" ٧.
قال شيخ الإسلام: والذي شق عليهم أنهم ظنوا أن الظلم المشروط عدمه هو ظلم العباد نفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه، فبين لهم النبي صلي الله عليه وسلم ما دلهم على أن الشرك ظلم في كتاب الله، فلا يحصل الأمن والاهتداء إلا لمن لم يلبس إيمانه بهذا الظلم، فإن من لم يلبس إيمانه بهذا الظلم كان من أهل الأمن والاهتداء، كما كان من أهل الاصطفاء في قوله: " ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
_________
١ سورة لقمان آية: ١٣.
٢ في قصة إبراهيم ﵇ من أحاديث الأنبياء.
٣ سورة الأنعام آية: ٨٢.
٤ البخاري: كتاب الأنبياء (٣٦٣٦): باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) .
٥ سورة الأنعام آية: ٨٢.
٦ سورة لقمان آية: ١٣.
٧ صحيح: رواه أحمد (١/٣٧٨) وسنده صحيح على شرط الشيخين.
1 / 32