ফাতেহ আল-আরাব লি মিসর
فتح العرب لمصر
জনগুলি
وقد تكون سائر الحوادث قد استغرقت بضعة أسابيع أخرى، ومعنى هذا أن «نيقتاس» قد تم له ملك مصر في ربيع سنة 610. ومن العجيب أن أمرا واحدا لا يرد له ذكر في ديوان أسقف «نقيوس»؛ وذلك هو القسط الذي كان لحصن «بابليون» في النضال، وهو ذلك الحصن القوي بقرب «ممفيس»؛ فقد كان في القوة ثاني الحصون بمصر لا تفوقه إلا الإسكندرية، ولا شك أنه قد كانت فيه قوة مسلحة من جنود الإمبراطورية، وقد كان في وقت غزو العرب أول ما قصد إليه القائد العربي، وكان فتحه فصل الخطاب في انتصار الهلال. وكل هذا واضح جلي يصفه ديوان ذلك المؤرخ حتى لا يسع الإنسان إلا أن يفهم من ذلك الإغفال أن الحصن قد سلم إلى «نيقتاس» بغير حرب؛ فإذا صح هذا، وإذا صح أن الحرب قد وضعت أوزارها قبيل ربيع سنة 610، كان من الجلي أن «نيقتاس» لم يكن يخطر له ببال أن يسارع نحو «القسطنطينية»، ولو فعل لاستطاع أن يصل إلى العاصمة البيزنطية، ويخلع «فوكاس» قبل زحف هرقل بستة أشهر؛ لأنه لا محل للشك في أنه كان يستطيع أن يجهز في مصر أسطولا كافيا لغرضه هذا. حقا إن المؤرخ «قدرينوس» يقول إن وقعة «بنوسوس» بأهل أنطاكية ومذبحته لهم كانت في سنة 610. ولو صح هذا لكانت الحرب المصرية كلها في خلال تلك السنة، ولكن هذا التاريخ لا يتفق مع سائر ما جاء في كتاب «قدرينوس»، وهو أيضا لا يتفق مع «ديوان بسكال»، وكذلك يختلف اختلافا لا مجال فيه للتوفيق مع النسخة الأثيوبية المخطوطة من ديوان حنا التي عندنا، وتواريخ ذلك الديوان - ديوان حنا - على وجه الإجمال موثوق بصحتها ثقة كبيرة؛ وعلى ذلك فإنا نرجح أن التاريخ السابق هو الصحيح، ويصح لنا أن نجزم بأن «نيقتاس» بعد أن أتم الغرض الذي كان موفدا إليه بأن حاز النصر على ضفاف النيل قنع بالبقاء في تلك البلاد حتى يقوم هرقل بزحفه، وعمل على أن يجمع جيوش الدولة التي في مصر ويستميلها إلى جانبه، ثم أن يجمع في يده أزمة موارد البلاد العظيمة من قمح وسفن، وكانت القسطنطينية تعتمد عليها اعتمادا عظيما.
الفصل الرابع
ولاية هرقل
لنصف الآن ما كان من أمر هرقل في هذه الأثناء؛ إننا لا نعرف إلا اليسير من وصف رحلته في البحر، ولا يزيد «حنا النقيوسي» من العلم شيئا كثيرا على ما يذكره مؤرخو «بيزنطة» من الوصف الضئيل؛ فإنهم جميعا مثله يقصرون وصفهم على ما حدث في نهاية الأمر في القسطنطينية، غير أنه من الواضح أن سيره كان بطيئا، وأنه بدأ سيره كما بدأ «نيقتاس» في قلة من السفن إذا نظرنا إلى عظم ما كان مقدما عليه، وأنه كان على سفنه جنود من الروم وجنود من إفريقية، وأنه كان عليه أن يجمع السفن في أثناء سيره، ويجهز أسطولا وجيشا يكفيان لما كان مقبلا على اقتحامه من قتال «فوكاس». وقد لقي ترحابا في الجزائر وفي مدائن الساحل التي مر بها، وجاءت إليه المتطوعة تترى تنضوي تحت لوائه، ولا سيما من رجال الحزب الأخضر.
1
وليس ثمة من يذكر أن جيوشه لقيت مقاومة، غير أنه ولا شك لم يخطر بباله أن يقصد إلى القسطنطينية بمن سار بهم من جند قليل؛ فإنه لما سافر من إفريقية سار على سواحل بلاد اليونان أو من خلال جزائرها حتى بلغ «سلانيك»، فجعلها مقرا لأعماله، وأقام بها مدة طويلة لا تقل عن عام وهو يجهز أسطولا وجيشا، ويوثق عرى المودة بينه وبين الكارهين لفوكاس في العاصمة وزعيمهم «كريسبوس». وكانت سلانيك في ذاك الوقت كما هو معروف مدينة حصينة منيعة، وكانت إحدى مدائن قليلة في مقدونية قاومت جموع الهون وسواهم من الهمج الذين كانوا يجتاحون البلاد إذ ذاك؛
2
فالحق أنها كانت بابا من أبواب الإمبراطورية الشرقية تشرف على الطريق الآتية من قرطاجنة وصقلية وغرب البحر الأبيض المتوسط إلى القسطنطينية؛ ففيها إذن أقام هرقل بغير قتال كما يلوح، وكان مقامه فيها عزيزا، حتى إن أحد المؤرخين، وهو «سعيد بن بطريق»، ظن على ما يلوح أنه من أهل المدينة، ولكن يجب أن نذكر أن كل ما جاء في كتاب «سعيد بن بطريق» من ذكر حوادث هذه الثورة كان أبتر، وفيه خلط كثير في التاريخ، وقد كان ولا شك مخطئا في هذا الزعم.
ولسنا نرى من هرقل في مدة الأشهر الكثيرة التي قضاها في «سلانيك» إلا سعيا واحدا، وهو أن يكمل خطته، ويجمع الأمداد، ويذلل الصعاب. ولسنا ندري ما كانت الصعاب التي قامت في سبيله في ذلك العصر الذي لا نجد شيئا من ذكر حوادثه في دواوين الأخبار، وأكبر ظننا أنه قد أبدى فيه مثل ما أبداه فيما بعد في حرب الفرس، فأعجب العالم وأدهشه من همة لا يعتريها كلال مقرونة إلى حزم وبصر بالأمور. على أنه لم يفرغ من تجهيز أمره إلا في سبتمبر سنة 610، وعند ذلك أقلع الأسطول الذي جمعه، وأعد ما يحتاج إليه من المئونة والعدة، ولم ينس أن يحمل معه آثار الأبرار من القديسين في السفن التي في الصدر، ورفع علم الصليب على رءوس سارياتها، وجعل فوق سفينته دمية ذات حرمة خاصة، «دمية لم تنحتها أيدي البشر»، جعلها عند مقدم السفينة. وانتشرت أنباء الأسطول ومجيئه إلى الدردنيل انتشار النار في الهشيم حتى بلغت العاصمة، وما كادت حتى جهرت جماعة كبيرة من الشيوخ وأهل الدولة بالدخول في طاعة «هرقل»، وكان معهم «تيودور» المجيد، ولكن يلوح أن «كريسبوس» بقي قابعا لا يحرك ساكنا في أول الأمر. ويقول «حنا النقيوسي» إن رعاع المدينة وغوغاءها ثارت على الإمبراطور، وشرعت تصب عليه صنوف السباب.
والظاهر أن «فوكاس» لم يكن على استعداد طيب للقاء هذه الجائحة التي ظلت تعصف بآفاقه هذه المدة كلها؛ فلما جاءته أنباء ثورة مصر أولا كان في مرفأ الميناء عدد كبير من السفن تحمل القمح من الإسكندرية، فأخذها وأسر من فيها من الرجال، وسجنهم في حصن مشرف على مرفأ «الهبدومون»، فأقاموا هناك ما شاء الله؛ فلما عاد «بنوسوس» من غزوته بالفشل ولم يقدر على استرجاع مصر، لم يعاود الإمبراطور سعيا يذكر في سبيل الدفاع؛ فكان أول ما أنذر «فوكاس» إنذارا مزعجا صوت هؤلاء السجناء من أهل الإسكندرية، وقد هللوا إذ رأوا سفن هرقل مقبلة، وكان الإمبراطور عند ذاك في قصر «الهبدومون»
অজানা পৃষ্ঠা