إياه على مراده دفعًا وتحصيلا وتسليمهم له حكما وتعليلا لا بد لها من داعية وغرض ليترجح أحد الجائزين من الفعل والترك على الآخر بمرجح، وأعظم الأغراض والدواعي تعلق الرجاء والخوف بالشخص. لما أن الإنسان يقدر هجوم الحاجات وطروق الآفات وسوء الظن بالعواقب كامن في النفوس، لاسيما في البلد الذي لا يكمل عدله ولا يتراحم أهله، ولذلك لا تمل استزادة من الدنيا. قال ﷺ: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثًا) وقال ﷺ: ﴿منهومان لا يشبعان منهوم العلم ومنهوم المال﴾.
وذلك لأن هذه المخاوف لا موقف لها ولا لها قدرة مخصوص، فمن تعلق رجاؤه أو خوفه بشخص كانت مساعدته له لأمر يتعلق بنفسه بالآخرة وكان دافعًا لألم خوفه وساعيًا في تحقيق رجائه، والشخص أنصح ما يكون لنفسه لأن نصحه لها طبيعي، فلذلك تساعف الناس الأغنياء بمراداتهم وتتزلف الخلق إليهم بمطالبهم، ويسعفونهم بمنافعهم تسليفًا وادخارًا لخوف مترقب أو رجاء متوهم وان لم ينالوا من مالهم ذرة ولا من جاههم مثقال خردلة، وإذن كانت المفاليك عن الرجاء والخوف بمعزل.
وأيضًا فالدنيا محل الازدحام والتوارد على محل واحد بخلاف الآخرة ولذلك لا حسد في الآخرة لاتساعها ووفائها بالكل بلا ازدحام، فما من مفصد يرومه المفلوك إلا وله فيه مزاحم ومدافع يمانعه عنه، وتقديمه على غيره ترجيح للمرجوح على الراجح وهو خلاف صريح العقل، ويلزم من ذلك تعذر المقاصد على المفاليك وإخفاق مساعيهم فيها.
وأيضًا فالأغنياء وذوو الجاه يتقارضون المقاصد تقارضًا ويقترضونها اقتراضًا، والتقارض يستدعي القدرة على الوفاء بالنوبة بحكم المقارضة لأنه أمر على التعاقب والنوبة والقرض لا يوضع عند المعسرين، والمفاليك ليسوا من أهل المقارضة ولا الاقتراض، على أن استلزام الفلاكة المالية للفلاكة الحالية كفلق الصبح عند المنصفين، ولعل حده مكابرة والقاعة أن المكابرة لا يطلب لها دليل. والله أعلم.
1 / 57