منه إلا على
الملامة والتعيير والندم.
(ومنها) إنكار المنكرين كونه في رتبة مورثه ومستحقًا لما كان يعاون به مورثه ويساعد عليه، فلا يؤمنون على دعائه ولا يساعفونه على قصده ولا يسيرون معه سيرة مورثه، فيقع من ذلك في العناء العظيم والداء العقيم. وبهذا التقرير يعلم أن الفلاكة غالبة على نوع الإنسان وارثًا كان أو كاسبًا، والله أعلم.
الفصل الثامن
في أن الفلاكة المالية تستلزم الفلاكة الحالية
هذا الذي قدمناه في الفصل قبله لما كان لا ينهض دليلا إلا على غلبة الفلاكة المالية على نوع الإنسان احتجنا أن نذكر في هذا الفصل أن ذلك مستلزم للفلاكة الحالية، وأعني بالفلاكة الحالية تعذر المقاصد وانعدامها بحيث تصير الفلاكة حالا ووصفًا ذاتيًا للشخص في أفعاله وأقواله دفعًا وتحصيلا حكما وتعليلا.
والدليل على ذلك أن تقول: هذا مفلوك مالًا وكل مفلوك مالا فهو مفلوك حالا ينتج هذا مفلوك حالا، وكلية الكبرى بديهي أو حسي والصغرى مسلمة بالفرض أو محسوسة. أو تقول دارت الفلاكة الحالية مع الفلاكة المالية وجودًا وعدمًا والدوران آية كون المدار علة في الدائر والمعلول لا يفارق علته فهو إما مقارن أو متعقب على اختلاف المذهبين. وهذا وان كان بديعًا وهو الاستدلال بالدوران على العلية وبالعلية على مقارنة المعلول إياها فليس بعيدًا من القواعد، أو يستدل بالدوران على الملازمة. وبالجملة فالدعوى تكاد تكون بديهية، والحس والاستقراء يصدق ذلك.
ويوضح ذلك أن المال عبارة عن ملك الأعيان والمنافع، والجاه عبارة عن ملك القلوب واستسخار أصحابها في الأغراض والأعمال لما فيها لذي الجاه من اعتقاد
الكمال والالتفات إليه، والمفلوك لا جاه له ومال، وكل من لا جاه له ولا مال فهو مسلوب القدرة، لما أن الجاه والمال من أعظم أسباب القدرة أو هما أسباب القدرة، ومن لا قدرة له فهو عاجز عن الوصول إلى مطلوباته، لما أن مقدورًا بلا قدرة محال، ولذلك لا يحصل مقصود المفلوك نادرًا إلا بقدرة غيره من ذوي المال والجاه.
ولذلك أيضًا لو فرض شخص لا مال له ولا حرفة لم يكن إلا شحاذًا مكديًا، لأن ما في أيدي الناس إنما هو ثمرة أموالهم ومنافعهم.
وأيضًا من لا قدرة له لا يتعلق الرجاء والخوف به، ومشايعة الناس الشخص ومساعدتهم
1 / 56