نورًا وإضاءة أن القمر لما كان نوره مستفادًا من الشمس كان تشبيه العالم الذي نوره مستفاد من شمس الرسالة بالقمر أولى من تشبيهه بالشمس.
وأيضًا فنور القمر يتفاوت الليالي نقصانًا وتمامًا، والشمس نورها في كل الأيام على السواء، والعلماء يتفاوتون في العلم تفاوتًا كثيرًا، فتشبيههم بالقمر أنسب لحالهم.
وأما تشبيه العلماء بالنجوم في قوله ﷺ (أصحابي كالنجوم) فمن وجه آخر وله حكمة أخرى، فإن النجوم يقتدى بها في ظلمات البر والبحر وتكون رجومًا للشياطين، والعلماء كذلك يقتدى بهم في ظلمات الجهل والكفر وترجم بهم الشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورًا.
الفصل السابع
في السبب في غلبة الفلاكة والإهمال والإملاق
على نوع الإنسان وبيان ذلك
اعلم أن المفلوكية والإهمال والإملاق غالب على جنس البشر، والسبب في أن غالب البشر يرمقون العيش ترميقا ويدافعون إخفاق المساعي مدافعة ويتسكعون في طرق الإملاق أو فوقه بقليل تسكعًا أن السيادة والمجد والثروة والغنى وأشباهها إما مكتسبة وأما موروثة، فأما المكتسبة فما سوى الإمارة من المعاش الطبيعي أما تجارة أو فلاحة أو صناعة، فالتجارة مفتقرة إلى مادة متسعة ورأس مال كبير يدار في وجوه الأرباح والتثمير ويوزع على أنواع المتاجر لينجبر كساد بعضها
بنفاق الآخر وليستعان بالنافق على ادخار الكاسد ارتقابًا لحوالة الأسواق واستدارارًا للنفاق ولكيلا يباع الكاسد في حال كساده وذهاب ربحه وفساده، وأيدي الناس خالية عن الأموال المقنعة القابلة لمثل ذلك غالبًا.
وأيضًا فهي محتاجة إلى بصيرة تامة ودراية وافية وتجربة كاملة ليؤمن بها غش الباعة وخلابتهم وترويج السماسرة كواسدهم، ومفتقرة أيضًا إلى فراسة صادقة وحدس صحيح ليضع كل سلعة في حاق موضعها زبونًا وسومًا وترخيصًا واغلاءًا وحلولا وتأجيلا وادخارا وتعجيلا، ونفوس الناس غالبًا ظلمانية لخلوها عن العلوم العقلية والأعمال الرياضية، فهي بعيدة عن البصيرة.
وأيضًا فالأيدي الغاصبة الخاطفة مستولية
1 / 53