والرغبة فيه، ولذلك كانت الفضائل والكمالات والعلوم تأخذ في الازدياد والنمو لتفاق أصحابها ولبقاء أنوار النبوة غضة طرية بين الناس، وكلما ازدادت الشريعة تمهيدًا ونشرًا ازدادت الصحابة وحاشاهم من تعلق هممهم بالدنيا سيادة ويسرًا، فلقد كثر المال في خلافة عثمان بن عفان كثرة بالغة لم يكثر قبلها في خلافة من تقدمه حتى جاء نصيب الفارس في غزوة افريقية ثلاثة آلاف دينار أو عشرين ألف دينار، فأطلقها كلها عثمان ﵁ في يوم واحد لآل الحكم ويقال لآل مروان.
ثم صارت الخلافة من الخلفاء الأربعة والحسن ﵃ إلى الأمويين فالعباسيين على ما تقدم في المقدمة الثانية، وهم ما بين صحابي وتابعي ومدل بنسبته إلى النبي ﷺ والشريعة التي العلوم خدمتها شريعة قريبهم وصاحبهم وسيادتهم وفخرهم، واستيلاؤهم على الممالك به ﷺ وبشريعته المستلزمة للعلوم على ما مر في المقدمة الأولى فكيف لا تأخذ العلوم في الانتشار والملوك والأمراء والأعيان والقضاة والوزراء هم أهل العلم والفضل
والعقل أو الممدحين الكمل، وشهرتهم وذكر أسمائهم في غالب خطب كتب الأقدمين تغمى عن عدهم بالأسماء، فقل أن يخلو كتاب من كتب العلماء الأقدمين خصوصًا في العلوم العقلية والأدبية إلا ويذكر فيه أن الباعث على تدوينه وزير أو قاض أو أمير أو من في معناهم، ويلزم من ذلك قوة داعية التعلم وتوفر الإرادة له، لما أن المجانسة واتحاد المقاصد والتعاون على مقصد واحد واستمداد العلماء بعضهم من بعض وزيادة العلم ورسوخه بالبحث فيه والمذاكرة له كل ذلك مقتض للألفة والمحبة والاختلاط والعناية، وألفة الملوك والأعيان ومحبتهم والاختلاط بهم يقتضي تأليفهم ومن يحبونه إلى مقاصده ومآربه، ولذلك بنيت المدارس بألوف الدنانير لجنس العلماء أو لواحد منهم بالقصد الأول ولجنسهم بالقصد الثاني واتسع الحال بالعلماء أنفسهم حتى بنواهم لبني نوعهم مدارس كثيرة وكتب التاريخ طافحة بهذا.
ولذلك أيضًا بذلت الألوف في الإرشاد إلى تصحيح كلمة أو مساعدة على مقصد علمي، كحكاية النضر بن شميل مع المأمون وإنه أمر له بخمسين ألف درهم يقبضها من الفضل بن سهل على أن أرشده إلى أن السداد الذي بمعنى البلغة وسد الثلمة بكسر السين لا بفتحها، وان الفضل زاده من عند نفسه لذلك ثلاثين ألف درهم فتم له ثمانون
1 / 46