ودسائسها إفهام العوام من غير أن يعرف العوام ما وراء ذلك من الغور، مع القطع بأنه أو شرح له ما في ذلك من الفساد لما أقدم عليه. ولا يصح الاعتذار عن ذلك بأنه هكذا تحمل وهكذا استرعاه، لأن هذا مما لا ينفع عند العليم الخبير.
(وسادسها) - أنهم يكتبون في كتب الأوقاف كلامًا طويلًا تلقوه عمن تقدمهم من غير أن يعرفوا معناه فضلًا عن الواقف المشهود عليه، بدليل أن العلماء فضلا عن المورقين ندور رؤوسهم في ثاني الحال في فهم المراد منه، والواقف لم يلتفظ به ولا بمعظمه، ولو قرئ عليه لم يفسد لاستحالة إرادة معنى شيء بدون فهمه.
على أن الإنشاءات لا بد فيها من اللفظ من فهم المعنى، بدليل أن الأعجمي لو لقن الطلاق بلا فهم فأوقعه وأراد معناه عند العارف بمعناه لم يقع. وعلى الجملة فشهادتهم على الواقف بما نسب إليه فيه وهو لم يفهمه مشكلة جدًا، بل وينشأ من عباراتهم الفاسدة الناشئة عن الجهل حرمان من لعل الواقف لم يرد حرمانه لو روجع فيه ودخول من لم يرد دخوله. وعلى الجملة ففي هذا الموضع نظر ظاهر فليتأمل.
(وسابعها) - تصريح العلماء من الشافعية والحنفية بأنه لا يشهد على خطه ما لم يتذكر الواقعة، فأما القضايا التي يكون فيها مدخل أو يكون هو المورق وله في عبارته وكتابته ما يذكره بالقضية فلا كلام فيها. ولكن ثم من القضايا ما يستحيل التذكر فيه عادة، كالشهادة على الحكام في ظهور السجلات مع طول المدة وما في معنى ذلك، فليستفت الشاهد قلبه في ذلك فإنه من مزال الأقدام.
(وثامنها) - الاكتفاء في الشهادة على الحكام في السجلات الطويلة والمحاضر وصور المجالس الطوال بقول الحاكم له (نعم) جوابًا لقول الشاهد له (اشهد عليكم بما فيه) من غير أن يقرأه عليه بل ولا يعرف الشاهد ما فيه لا إجمالًا ولا تفصيلا، وقد قال فقهاء الشافعية في كتاب القاضي للقاضي إنه لو يقرأ على الشاهدين وقال الحاكم لهما أشهد كما علي إنه كتابي أو أن ما فيه خطي لم يكتف بذلك.
(وتاسعها) - رفع الشهود نسب من لا يعرفون نسبه مع أن ذلك شهادة بنسبه ضمنا، كما قاله السبكي في جمع الجوامع في الكلام على أن مورد الصدق والكذب إنما هو النسبة التي تضمنها الخبر لا واحد من طرفيها، ولو سلم أن ذلك ليس شهادة بالنسب لا أصلا ولا ضمنًا فقد قال الإمام كما نقله عنه في الروضة والرافعي إنه لو يعرف المشهود عليه إلا باسمه لم
1 / 35