مكانة الحجرات في تبليغ الشرع
هنا لفتة قد يتساءل عنها كل عاقل، وهي: ما مكانة تلك الحجرات النبوية؟ كل إنسان يعتقد بأن الله قد شرفها ﷾ بما وجه إليها زوجات رسول الله، فقال: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب:٣٤]، ويتفق المسلمون على أن الحكمة المذكورة مع آيات الكتاب هي السنة، وكن زوجات رسول الله ﷺ أكثر من ينشر السنة للمسلمين، وكل ما اختلفوا فيه من بعد وفاته ﵊ أو أشكل عليهم ولم يجدوا له حلًا ولا جوابًا يرجعون فيه إلى زوجات رسول الله ﷺ، فيجدون الجواب والحل العملي عن رسول الله ﷺ؛ ولهذا وجدت قضايا عديدة ذكرها مالك ﵀ في الموطأ، منها: من أصبح جنبًا في رمضان؛ هل له صوم أم لا؟ ومنها: قضية عمر فيمن جامع أهله ولم ينزل هل عليه غسل أم لا؟ ولم يجدوا عند أحد نصًا في ذلك، فأرسلوا إلى زوجات رسول الله فأجابوا بفعل رسول الله ﷺ في صحة الصوم ووجوب الغسل، وغيرها إذًا: فالحجرات كان لها شأن كبير في إبلاغ السنة وبيان الأحكام، ويوم أن هدمت وأدخلت في المسجد في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة لبني أمية، قال بعض السلف: ليتها بقيت ليرى الناس ما كان عليه رسول الله ﷺ، ويأتي القادمون من الآفاق فيرون كيف كانت حياة رسول الله ﷺ من التواضع والرضا بما قسم الله له: ولو أفردت الحجرات برسائل جامعية لكانت حرية بذلك، والله تعالى أعلم.
وبالمناسبة كانت الحجرات مطيفةً بالمسجد من الجنوب من ناحية القبلة، وتبدأ بحجرة حفصة، وهناك الطاقة المواجهة تجدون جدار القبلة كله مصمت ما عدا طاقة مقابل الحجرة النبوية، كانت هناك حجرة حفصة، وكان هناك دار آل الخطاب، وكان بين حفصة وعائشة كوة يتبادلن الحديث منها، ثم تأتي الحجرات من جهة الشرق بعضها إثر بعض حتى تصل إلى جهة الشمال، فكانت الحجرات بالمسجد من ثلاث جهات، الجنوبية من حفصة، والشمالية لزوجات رسول الله، والشرقية لبعضهن أيضًا، والله تعالى أعلم.
2 / 14