أما بعد: فإنه لما كثرت الأخبار وتواترت الآثار عن النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، في فضل من ألف بين كلمتين، أو روى من كلام الحكمة خبرا أو خبرين، تطاولت العلماء إلى إكتساب هذه الفضيلة، والتعرض لنيل هذه المثابة الجزيلة، فأفرد أكثرهم في هذا الفن كتابا مما أملاه وادخره كنزا له في اخراه كالسيد أبي الحسين (1) والسيد أبي طالب (2) وشيخهما أبي العباس الحسني (3) وأحمد بن عيسى (4) والإمام الموفق بالله(5) وولده المرشد يحيى بن الموفق، وغيرهم من الأئمة السابقين عليهم السلام وأتباعهم الطاهرين، ولم يوجد مثل ذلك للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، مع أن الكل منهم يغترف من بحره الزاخر، ويعترف له بالحظ الوافر، وإنما شغله عن ذلك شغل الجهاد، ومعاناة أهل الفساد، فكان أكثر وقته لا يتمكن من إملاء مسألة إلا وهو على ظهر فرسه، ولقد حكى عنه في يوم من أيام حروبه، وقد اعترض له سائل يسأله من لدن أمر بإسراج فرسه إلى أن استوى على متنه، ثم إلى أن زحف إلى عدوه وهو يجيبه، فلما تراءى الجمعان، وألح عليه ذلك الإنسان أنشد هذه الأبيات متمثلا:
ويل الشجي(1) من الخلي فإنه
পৃষ্ঠা ২৮