المدخل
خلاصة المقدمة التي كتبها إقبال لأسرار خودي
خلاصة مقال الشاعر إلى الأستاذ نكلسون
أسرار إثبات الذات
رموز نفي الذات
المدخل
خلاصة المقدمة التي كتبها إقبال لأسرار خودي
خلاصة مقال الشاعر إلى الأستاذ نكلسون
أسرار إثبات الذات
رموز نفي الذات
ديوان الأسرار والرموز
ديوان الأسرار والرموز
تأليف
محمد إقبال
ترجمة
عبد الوهاب عزام
مقدمة
1
أقدم إلى قراء اللغة العربية ديوانين من دواوين الشاعر الكبير والفيلسوف العظيم محمد إقبال - رحمه الله - هما: أسرار إثبات الذات ورموز نفي الذات.
وقد قدمت إليهم من قبل ديواني رسالة المشرق وضرب الكليم، وكتابا جامعا فيه سيرة إقبال وفلسفته وشعره.
وبينت في مقدمات هذه الكتب الثلاثة كيف اقترح علي أصدقاء إقبال في باكستان أن أخرجها في لغة القرآن، وكيف أخرجتها وطبعتها في باكستان ومصر.
واليوم أحدث القراء عن الأسرار والرموز.
أعود إلى ذكر أحباء محمد إقبال الذين كانوا يجتمعون في المجالس المباركة الخالدة، في دار السفارة المصرية من مدينة كراچي، على قراءة كتب إقبال والتحدث في مذهبه وسيرته، وقد تحدثت عن هؤلاء الإخوان الكرام فيما نشرت من الكتب الإقبالية.
قال الإخوان - بعد أن نشرت رسالة المشرق وضرب الكليم: اليوم يجدر بك أن تترجم المنظومتين اللتين بين فيهما إقبال مذهبه، وشرح فلسفته؛ فإن ما ترجمت من قبل شعر تظهر فيه آراء إقبال في العالم والحياة والناس، فكرا متفرقة أو دررا منثورة، وفي الأسرار والرموز فصول مرتبة يبين فيها الشاعر مذهبه في إثبات الذات ونفيها، وهما عماد فلسفته، وقطب شعره.
وانفض المجلس على أن أترجم الأسرار والرموز إلى العربية، وشرعنا نقرأ المنظومتين في مجالس متتابعة.
وأجد الآن في نسختي - التي قرأت فيها مع الإخوان - هذه الكلمات في أول الكتاب:
بدأنا القراءة في أول آذار (مارس) سنة 1952.
وفي آخر الديوان الأول:
فرغنا من القراءة والساعة ست ونصف - قبيل المغرب - يوم الأربعاء 26 شعبان سنة 1371ه/21 نيسان (أبريل) سنة 1952، ويلي هذا توقيع الإخوان.
وفي آخر الديوان الثاني:
تمت القراءة والساعة ثمان من مساء يوم الأربعاء الثامن من صفر سنة 1372ه/29 أكتوبر سنة 1952م والحمد لله رب العالمين، ثم توقيع الإخوان كذلك.
فقد استمرت القراءة ثمانية أشهر، وكان مجلسنا يجتمع كل أسبوع مرة، ولا ريب أن أسفارا وأشغالا عرضت فحالت دون موالاة والاجتماع، وإلا لم تستغرق القراءة هذه الشهور الثمانية.
2
وبدأت الترجمة في شوال من السنة نفسها «تموز (يوليو) سنة 1952»، وكنت أحسب أن ترجمة هذا الديوان «الأسرار والرموز» أيسر من ترجمة الديوانين: «رسالة المشرق» و«ضرب الكليم»؛ لأنه منظوم في بحر واحد هو الرمل، على القافية المزدوجة التي تتغير فيها التقفية في كل بيت - وهي التي تسمى المثنوي في اصطلاح الأدب الفارسي - ولكن الترجمة طالت أكثر مما قدرت؛ إذ كان الديوان نظما متصلا، لا ينشط المترجم فيه نشاطه حين يترجم قصيدة من ديوان، فيرى أنه أتم عملا فيستأنف ترجمة قصيدة أخرى، فيتمها، وهلم جرا.
واليت الترجمة على العلات، وكثرة الفترات، وكنت أؤرخ، بين حين وحين، ما بلغت من الترجمة، وأذكر المكان الذي أترجم فيه، بين السفر والحضر والبر والبحر، حتى تمت ترجمة المنظومة الأولى «أسرار خودي»، فكتبت في كراسة الترجمة:
تمت ترجمة «أسرار خودي» والساعة ثلاث ونصف بالتوقيت العربي ليلة الأحد رابع أيام التشريق سنة 1372ه - 22 آب (أغسطس) سنة 1953 - في مدينة كراچي.
فقد ماطلتني الترجمة سنة، وكنت ترجمت «رسالة المشرق» في نحو أربعة أشهر، وكذلك ترجمت «ضرب الكليم».
ومضيت في ترجمة المنظومة الثانية حتى كتبت هذه العبارات:
يسر الله الفراغ من الترجمة على بعد الشقة، وطول المدى، واعتراض الشواغل، وكثرة الحوائل، يوم الأحد سابع عشر صفر سنة 1374ه - 14 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1954م - والساعة أربع وربع بعد الظهر، في دار السفارة المصرية من مدينة كراچي.
فقد شغلتني ترجمة «الأسرار والرموز» أكثر من سنتين.
3
وتركت باكستان بعد شهر من انتهاء الترجمة، وكان مجمع إقبال «إقبال أكاديمي» قد أخذ علي العهد أن أعطيه الكتاب ليتولى نشره، بعد أن غلبه على «ديوان رسالة المشرق» مجلس إقبال في باكستان، وعلى «ضرب الكليم» جماعة النشر بالأزهر، وبلغ من حرص الصديق الدكتور اشتياق حسين قريشي - وزير المعارف ورئيس مجمع إقبال - أن ألزمني الوعد بإيثار مجمع إقبال بنشر الكتاب، أمام السيدة الجليلة فاطمة جناح أخت القائد الأعظم محمد علي جناح.
وكان مجمع إقبال، فاوض دار المعارف في القاهرة لنشر الكتاب، وسافرت من باكستان، فلم أفرغ للكتاب فتأخر نشره.
وراجعت الترجمة في الحضر والسفر، ويجد المطلع في كراستي عبارات تدل على أن المراجعة والتحرير كانا في الحجاز واليمن ومصر وعلى السفن في البحار.
ثم يسر الله أن أقدم بعض الكتاب لدار المعارف في شهر شباط (فبراير) الماضي فشرعت في طبعه، وواليت تقديم صفحات الكتاب حتى قدمت آخره حين تم التبييض والمراجعة وقت الأصيل يوم السبت حادي عشر هذا الشهر «شهر شعبان» سنة 1375ه - 24 آذار (مارس) 1956م - في مدينة جدة.
فقد أمضيت ثلاث سنوات ونصف وأنا في شغل بترجمة هذا الكتاب وتحريره، ولولا صحة العزم، وعظم الرغبة ما تيسرت ترجمة هذا الديوان القيم، ولحال اليأس أو العجز دون إتمامه.
4
لا أعرض لطريقة الترجمة، ولا أتحدث عن صعوبتها، ولا سيما ترجمة النظم بالنظم على اختلاف اللغتين في المجازات والأساليب، وعلى غرابة الموضوع، فقد أبنت عن هذه وهذه في مقدمة الديوانين: «رسالة المشرق» و«ضرب الكليم».
على أن في الترجمة جانبا من اليسر؛ لأن معظم الاصطلاحات عربي، وأن الموضوع إسلامي على ما فيه من فلسفة.
وبعد، فإلى قراء العربية أقدم الديوانين الثالث والرابع من دواوين إقبال التي تجشمت ما تجشمت في نقلها إلى العربية حرصا على إشاعة ما فيها من دعوة إلى الحياة والأمل والعمل، والسمو بالإنسان إلى أعلى ما قدر للإنسان من ارتقاء ورغبة في إمداد أدبنا بهذا الضرب من الأدب الإسلامي الإنساني الرفيع.
والله ولي التوفيق.
عبد الوهاب عزام
11 شعبان 1375ه/24 آذار 1955م
المدخل
بينت بيانا شافيا فلسفة إقبال في كتابي «محمد إقبال، سيرته وفلسفته وشعره» وأجملت آراءه كما بينها في ديوان «الأسرار والرموز» فليرجع إلى الكتاب من يرغب في الاستزادة.
وفي هذا المدخل نبين - في إيجاز - فلسفة إقبال وآراءه التي يستخلصها قارئ «أسرار إثبات الذات ورموز نفي الذات».
أذكر طرفا مما ثار حول الديوان من جدال، ثم أعرض على القارئ خلاصة المقدمة التي كتبها إقبال باللغة الأردية لكتاب «الأسرار والرموز» ثم حذفها بعد الطبعة الأولى، وأعرض عليه كذلك خلاصة ما كتبه إقبال تبيانا لمذهبه حينما سأله هذا الأستاذ المستشرق الإنكليزي نكلسون مترجم الأسرار إلى اللغة الإنكليزية.
1
نشر الشاعر الفيلسوف محمد إقبال أول دواوينه الفلسفية «أسرار خودي» سنة 1915م، وهو منظومة طويلة في بحر واحد، وعلى القافية المزدوجة، مقسمة إلى فصول يوضح فيها الشاعر فلسفته في الذاتية فكرة بعد فكرة، ويصورها في صور شعرية رائعة.
ثم نشر ديوانه الثاني المتصل بهذا الديوان «رموز بي خودي» وهي كلمة فارسية تدل على الأثرة والإعجاب بالنفس، ولكن إقبالا نقلها إلى معنى آخر جعله قاعدة فلسفته، هو تعرف الإنسان نفسه، وتقويتها، وإخراج ما أودع فيها من مواهب.
رأى الصوفية في الذاتية أمرا نكرا؛ إذ كان التصوف - بزعمهم - يقصد إلى إذلال النفس وإماتتها حتى تؤهل للفناء في الله.
وزاد الصوفية ثورة على شاعر الحياة والقوة أنه عمد إلى إمام من أئمتهم وشاعر من أعاظم شعرائهم «لسان الغيب حافظ الشيرازي» فحط من شأنه وغض من طريقته، ونهى الناس عنها، وحذرهم منها، وكذلك خالف محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر، وغلطه، وقال: إن آراءه غير إسلامية.
وقد أجاب إقبال المعترضين أجوبة منها قوله في رسالة إلى الشيخ حسن نظامي: ... إني بفطرتي وتربيتي أنزع إلى التصوف، وقد زادتني فلسفة أوروبا نزوعا إليه، فإن هذه الفلسفة في جملتها تنزع إلى وحدة الوجود؛ ولكن تدبر القرآن المجيد، ومطالعة تاريخ الإسلام بإمعان عرفاني غلطي، وبالقرآن عدلت عن أفكاري الأولى، وجاهدت ميلي الفطري، وحدت عن طريق آبائي.
إن الرهبانية ظهرت في كل أمة وعملت لإبطال الشريعة والقانون؛ والإسلام في حقيقته هو دعوة إلى مخالفة الرهبانية.
والتصوف الذي شاع بين المسلمين - أعني التصوف العجمي - أخذ من رهبانية كل أمة، وجهد أن يجذب إليه كل نحلة، حتى القرمطية التي قصدت إلى التحلل من الأحكام الشرعية.
إن حالة السكر - في اصطلاح الصوفية - تنافر الإسلام وقوانين الحياة، وحالة الصحو - وهي الإسلام - توافق قوانين الحياة، وإنما قصد الرسول
صلى الله عليه وسلم
إنشاء أمة صاحية، ولهذا نجد في صحابة الرسول الصديق والفاروق، ولا نجد حافظا الشيرازي ...
ولا أنكر عظمة الشيخ ابن عربي وفضله، بل أعده من كبار فلاسفة المسلمين، ولا أرتاب في إسلامه؛ فإنه يحتج لعقائده، كقوم الأرواح ووحدة الوجود، بالقرآن مخلصا، فآراؤه على صوابها وغلطها قائمة على تأويل القرآن.
وأرى أن تأويله غير صحيح، فأنا أعده مسلما مخلصا، ولا أتبعه في مذاهبه.
ويقول في رسالة أخرى إلى أحد المعترضين:
الحق أن التماس معان باطنة في قانون أمة، هو مسخ لهذا القانون، كما يعلم من سيرة القرامطة، ولا يختار هذه الطريقة إلا أمة في فطرتها الخنوع والذلة.
وفي شعراء العجم جماعة في طباعهم الميل إلى الإباحة ... وقد افتن هؤلاء الشعراء في إبطال شعائر الإسلام بأساليب عجيبة خداعة.
وفي رسالة أخرى إلى هذا المعترض نفسه يقول إقبال:
كل شعر التصوف ظهر في زمان ضعف المسلمين السياسي، وكل أمة يصيبها ضعف كالذي أصاب المسلمين بعد غارات التتار، تتبدل أنظارها وتجمل الاستكانة في أعينها، وتركن إلى ترك الدنيا، وفي هذا الترك تخفي ضعفها وهزيمتها في تنازع البقاء ...
خلاصة المقدمة التي كتبها إقبال لأسرار خودي
ما هذا الشيء الذي نسميه «أنا» أو «خودي» أو «مين»
1
الذي يبدو في أعماله ويخفى في حقيقته، والذي يخلق كل المشاهدات، ولكن لطافته لا تحتمل المشاهدة؟ أهو حقيقة دائمة أم أن الحياة تجلت في هذا الخيال الخادع، وهذا الكذب النافع، تجليا عرضيا لتحقيق مقاصدها العملية الراهنة؟
إن سيرة الأفراد والجماعات موقوفة على جواب هذا السؤال ... ولكن جواب هذا السؤال لا يتوقف على المقدرة الفكرية في الآحاد والجماعات، كما يتوقف على طباعها وفطرتها، فأمم الشرق المتفلسفة أميل إلى أن تعتبر «أنا» في الإنسان من خداع الخيال، وهي تعد الخلاص من هذا الغل نجاة، وميل أهل الغرب إلى العمل ساقهم إلى ما يلائم طباعهم في هذا البحث.
ويمضي إقبال في مقدمته قائلا:
اختلطت في عقول الهنادك وقلوبهم النظريات والعمليات اختلاطا عجيبا، ودقق حكماؤهم في حقيقة العمل، وانتهوا إلى هذه النتيجة: إن حياة «أنا» المسلسلة، وهي أصل المصائب والآلام، تنشأ من العمل، وإن حالة النفس الإنسانية نتيجة محتومة لأعمالها.
وكانت رسالة الإسلام في غربي آسيا دعوة إلى العمل بليغة، فالإسلام يرى أن «أنا» مخلوق ينال الخلود بالعمل، ولكن تشابها عجيبا في تاريخ الفكر الهندي والإسلامي، يظهر في بحث هذه المسألة، فالفكرة التي فسر بها شنكر أچاريه، كتاب الجيتا «كيتا» هي الفكرة التي فسر بها القرآن محيي الدين بن عربي الأندلسي، وكان له أثر بليغ في عقول المسلمين وقلوبهم، جعل ابن عربي بعلمه ومكانته مسألة وحدة الوجود عنصرا في الفكر الإسلامي، واقتفى أثره أوحد الدين الكرماني وفخر الدين العراقي، حتى اصطبغ بهذه الصبغة كل شعراء العجم في القرن السادس الهجري.
خاطب فلاسفة الهند العقل في إثبات وحدة الوجود، وخاطب شعراء إيران القلب، فكانوا أشد خطرا وأكثر تأثيرا، حتى أشاعوا بدقائقهم الشعرية هذه المسألة بين العامة؛ فسلبوا الأمة الإسلامية الرغبة في العمل.
وتمتاز أمم الغرب بين أمم العالم بميلها إلى العمل، فآراؤهم خير دليل لأمم المشرق إلى فهم أسرار الحياة.
وبدأت الفلسفة الجديدة في الغرب من وحدة الوجود التي دعا إليها الفيلسوف الهولندي الإسرائيلي،
2
ولكن مسحة العمل غلبت على طبائع الغرب، فلم يلبث طويلا طلسم وحدة الوجود التي أثبتت بأدلة رياضية، سبق الألمان إلى إثبات حقيقة «أنا» الإنسانية المستقلة، ثم تحرر من هذا الطلسم الخيالي فلاسفة الغرب على مر الزمان ولا سيما فلاسفة الإنكليز.
ويختم إقبال بقوله:
هذه خلاصة تاريخ المسألة التي هي موضوع هذه المنظومة، وقد اجتهدت أن أحرر هذه المسألة الدقيقة من تعقيد الأدلة الفلسفية، وألونها بألوان الخيال ليتيسر إدراك حقيقتها.
ولم أقصد بهذه الديباجة إلى تفسير هذه المنظومة، ولكن أردت أن أدل على الطريق من لم يلم من قبل بدقائق هذه المسألة العسيرة.
ولا ينبغي هنا أن أتناول هذه المنظومة من حيث الشعر، فإنما خيال الشعر فيها وسيلة إلى توجيه الناس إلى هذه الحقيقة:
إن لذة الحياة مرتبطة باستقلال «أنا» وبإثباتها وإحكامها وتوسيعها، وهذه الدقيقة تمهد إلى فهم حقيقة «الحياة بعد الموت».
وينبغي أن يعلم القراء أن لفظ «خودي» لا يستعمل في هذه المنظومة بمعنى الأثرة كما تستعمل في اللغة الأردية غالبا، إنما معناها الإحساس بالنفس أو تعيين الذات.
وهي بهذا المعنى في كلمة «بيخودي» كذلك.
هوامش
خلاصة مقال الشاعر إلى الأستاذ نكلسون
مذهب الأستاذ بريدلي أن كل مركز للشعور محدود، أي كل ذات مفردة، خداع نظر باطل، وأنا أقول - على خلاف هذا: إن مركز الشعور المحدود الذي لا يدرك «الذات» هو حقيقة الكائنات، فالذات حق لا باطل.
الحياة كلها فردية، وليس للحياة الكلية وجود خارجي، وحيثما تجلت الحياة تجلت في شخص أو فرد أو شيء، والخالق كذلك فرد؛ ولكنه أوحد لا مثل له.
وظاهر أن هذا التصور للكائنات يخالف كل المخالفة ما ذهب إليه شراح فلسفة هيكل من محدثي الإنكليز، ويخالف أصحاب وحدة الوجود الذين يرون أن مقصد حياة الإنسان: أن يفني نفسه في الحياة المطلقة أو «أنا» المطلق، كما تفنى القطرة في البحر.
أرى أن هدف الإنسان الديني والأخلاقي، إثبات ذاته لا نفيها، وعلى قدر تحقيق انفراده أو وحدته، يقرب من هذا الهدف.
قال الرسول
صلى الله عليه وسلم : «تخلقوا بأخلاق الله» فكلما شابه الإنسان هذه الذات الوحيدة كان هو كذلك فردا بغير مثيل.
وتنقص فرديته على قدر بعده من الخالق، والإنسان الكامل هو الأقرب إلى الله، ولكن ليس القصد من هذا القرب أن يفني وجوده في وجود الله - كما تقول فلسفة الإشراق - بل هو على عكس هذا، يمثل الخالق في نفسه.
الحياة رقي مستمر، تسخر كل الصعاب التي تعترض طريقها، وحقيقتها أن تخلق دائما مطالب ومثلا جديدة، وقد خلقت من أجل اتساعها وترقيها آلات كالحواس الخمس والقوة المدركة لتقهر بها العقبات والمشقات.
وأشد العقبات في سبيل الحياة: المادة أو الطبيعة، ولكن المادة ليست شرا كما يقول حكماء الإشراق، بل هي تعين الذات على الرقي، فإن قوى الذات الخفية تتجلى في مصادمة هذه العقبات.
وإذا قهرت الذات كل الصعاب التي في طريقها بلغت منزلة الاختيار، الذات نفسها فيها اختيار وجبر، ولكنها إذا قاربت الذات المطلقة نالت الحرية الكاملة، والحياة جهاد لتحصيل الاختيار، ومقصد الذات أن تبلغ الاختيار بجهادها.
دوام الذات أو الشخصية
مركز حياة الإنسان ذات «خودي» أو شخص، أعني: أن الحياة حينما تتجلى في الإنسان تسمى ذاتا.
وشخصية الإنسان - من الوجهة النفسانية - حال من التوتر، ودوام الشخصية موقوف على هذه الحال، فإن زالت هذه الحال عقبتها حال من الاسترخاء مضرة بالذات، فإن يكن في حالة التوتر هذه كمال الإنسان فأول فرض عليه أن يعمل لدوام هذه الحال والحيلولة دون حال الاسترخاء.
وكل ما يمكننا من إدامة حال التوتر يمكننا من الخلود.
وهذا التصور للشخصية يقوم معيارا ليقيم الأشياء، أعني أن في ذاتنا معيار الحسن والقبح، وبهذه تحل مسألة الخير والشر، فما يقوي الذات خير وما يضعفها شر، ويجب أن يقوم الدين والأخلاق والفنون بهذا المعيار أيضا.
واعتراضي على أفلاطون هو في أصله اعتراض على كل النظم الفلسفية التي تقصد إلى الفناء لا البقاء والتي تغفل المادة، وهي أكبر العقبات في سبيل الحياة، وتدعو إلى الفرار منها لا إلى تسخيرها والتسلط عليها.
وكما تعرض مسألة المادة في مبحث حرية الذات، تعرض مسألة الزمان في مبحث خلودها.
يقول برجسون: إن الزمان ليس خطا ممتدا إلى غير نهاية يتحتم علينا المرور به، هذا التصور للزمان غير صحيح، فالزمان الخالص لا يدخل فيه تصور الطول، أي لا نستطيع قياسه بمقياس الليل والنهار.
إن خلود الذات أمل، من أراد أن يظفر به فليجد ويدأب لبلوغه، والظفر به موقوف على أن نسلك طريقا للفكر والعمل في هذه الحياة يعيننا على حفظ حالة التوتر، ولا يستطيع إبلاغنا هذا الأمل دين بوذا والتصوف العجمي، وما إلى هذين من نظم الأخلاق الأخرى، لقد أضرت بنا هذه الطرق فأضرعتنا وأنامتنا، إن هذه المذاهب هي الليالي في أيام حياتنا.
تربية الذات
لا ريب أن الذات تستحكم بالعشق، ومفهوم العشق هنا واسع جدا، ومعناه: إرادة الجذب والتسخير ، وأعلى أشكاله أن يخلق مقاصده ويجد في نيلها، وخاصة العشق إفراد العاشق والمعشوق، أعني: إظهار الانفراد والاستقلال فيهما، وإذا جد الطالب في طلب الأوحد الأسمى ظهر فيه التوحد، ويتحقق ضمنا توحد المطلوب؛ لأنه إن لم يكن واحدا مستقلا بنفسه لم يسكن الطالب إليه، إنما يمكن عشق شخص أو وجود معين، ولا يمكن لشخص عشق كائن غير مشخص.
وكما تستحكم الذات بالعشق تضعف بالسؤال، وكل ما ينال بغير جهد يعد سؤالا، فالذي يرث مال غيره سائل، والذي يتبع أفكار غيره أو يدعيها لنفسه سائل.
والخلاصة: أنه ينبغي - لأجل إحكام الذات - أن نخلق في أنفسنا العشق، ونتجنب كل ضروب الاستجداء (أي: البطالة).
إن في حياة الرسول
صلى الله عليه وسلم
أسوة حسنة للمسلم، فقد كانت حياته خير مثل للسعي الدائم، لقد كانت حياته كلها صورة للعمل.
أشرت في فصول من هذا المثنوي إلى أصول فلسفة الأخلاق الإسلامية، وبينت أن لكمال الذات ثلاث مراحل: (1)
إطاعة القانون الإلهي. (2)
وضبط النفس. (3)
والنيابة الإلهية.
والنيابة الإلهية في هذه الدنيا هي أعلى درجات الرقي الإنساني، ونائب الحق «الله» خليفة الله في الأرض، وهو أكمل ذات تطمح إليها الإنسانية، وهو معراج الحياة الروحي.
وأول شرط لظهور نائب الحق أن ترقى الإنسانية في جانبيها الروحي والجسمي؛ فإن ارتقاء الإنسانية يقتضي ظهور أمة مثالية يتجلى في أفرادها - في الجملة - هذا التوحد الذاتي، وتصلح لأن يظهر فيها نائب الحق.
فمعنى سلطان الله في الأرض: أن تقوم فيها جماعة شورية يتوحد أفرادها، ويقوم على هذه الجماعة واحد يمكن أن يسمى نائب الحق أو الإنسان الكامل، وهذا الإنسان الكامل يبلغ ذروة الكمال التي لا تتصور فوقها ذروة.
وقد رأى نطشه (الفيلسوف الألماني المعروف) ضرورة ظهور هذه الأمة المثالية، ولكن دهريته وإعجابه بالسلطان مسخا فلسفته كلها ا.ه. •••
هذه خلاصة رسالة إقبال إلى الأستاذ نكلسون، وحسبنا في إيضاح مذهبه ما قدمنا من تلخيص رسائله ومقدمته لأسرار الذات، ورسالته إلى نكلسون.
أسرار إثبات الذات
رأيت الشيخ بالمصباح يسعى
له في كل ناحية مجال
يقول: مللت أنعاما وبهما
وإنسانا أريد، فهل ينال؟
برمت برفقة خارت قواها
برستم أو بحيدر اندمال
1
فقلنا: ذا محال، قد بحثنا،
فقال: ومنيتي هذا المحال
مولانا جلال الدين الرومي
تمهيد
ليس في أعواد غابي سقط
هي للمنبر أو أعواد صلب
2
نظيري النيسابوري
قطع الصبح على الليل السفر
فهمى دمعي على خد الزهر
غسل الدمع سبات النرجس
وصحا العشب بمسرى نفسي
جرب الزارع قولي محصدا
مصرعا ألقى، وسيفا حصدا
إنه حب دموعي زرعا
نسج الروض وأناتي معا
ذرة قد نالت الشمس أنا
كم صباح في فؤادي كمنا
طينتي من جام جم أنور
من غيوب الكون عندي خبر
3
صيد أفكاري ظباء لم ترم
لم تسيب بعد من قيد العدم
زان بستاني عشب ما ظهر
وجنيت الورد في جوف الشجر
4
محفل الشادين مني يرجف
في وتار الكون كفي تعزف
صامت في رباب الفطرة
ما وعى عني جليسي نغمتي
إنني شمس قريب مولدي
حبكا في فلك لم أعهد
لم يرع ضوئي سرب الزهر
أو يرجرج زئبقي في البصر
5
ما رأت رقص ضيائي الأبحر
أو كسا الأطواد ثوبي الأحمر
عين هذا الكون لي لا تعهد
أنا من خوف طلوع أرعد
مزق الظلمة فجري فسفر
وبدا طل جديد في الزهر
إنني أرقب صبحا معلما
حبذا من حول ناري زمزما
6 •••
أنا لحن دون ضرب صعدا
أنا صوت شاعري يأتي غدا
7
دون عصري كل سر قد خفي
ما بهذي السوق يشرى يوسفي
8
أنا في يأس من الصحب القديم
مشعل طوري ليغشاه كليم
9
بحر صحبي قطرة لا تزخر
قطرتي كاليم فيه صرصر
من وجود غير هذا لي غناء
ولركب غير هذا لي حداء
كم تجلى شاعر بعد الحمام
يوقظ الأعين حينا وينام
وجهه من ظلمة الموت سفر
ونما من قبره مثل الزهر
10 •••
كم بهذا السهب مرت قافله
مثل سير النوق رهوا سابله
غير أني عاشق، ديني النواح
ثورة المحشر في هذا الصياح
أنا لحن كل عنه الوتر
لا أبالي أن عودي يكسر
11
أبعد القطرة عن سيل طما
وانظرن اليم منه التطما
لا تعي موجي هذي الأنهر
لا تعي لجي إلا أبحر
ليس أهلا لسحابي زهرة
ليس فيها لنمو روضة
12
كم بروق نائمات في الجنان
ضاقت البيد لديها والقنان
13
إن تكن صحراء فاطلب لجتي
أو تكن سيناء فاقبس شعلتي
قد حبيت الورد من عين الحياه
ووهبت السر من عين الحياه
14
أشعل الذرة لحني الثائر
رفرفت فهي يراع طائر
مانثا ذا السر غيري في البشر
لم يثقب ناظم مثلي الدرر
أقبلن إن تبغ عيش الخالدين
أقبلن إن تبغ ملك العالمين
أفشت الأفلاك لي السر القديم
كيف يخفى السر من دون النديم؟
أيها الساقي! من الراح اسقني
وأس في قلبي جراح الزمن
شعلة الماء التي من زمزم
قيصر يعنو لها كالخدم
مقلة المبصر منها أبصر
وشعاب الفكر منها، أنور
تجعل الريشة طودا قاهرا
وترى الثعلب ليثا زائرا
هي تسمو للثريا بالثرى
وتعي القطرة منها أبحرا
تجعل الصمت ضجيج المحشر
تجعل الدراج حتف الأصقر
املأ الكأس بصفو نير
نور الفكر بنور القمر
لأقود الركب شطر المنزل
باعثا شوق السرى في المقل
رائيا وجه جديد الأمل
ساعيا إثر جديد العمل
فأرى إنسان عين العارفين
وأرى لحنا بأذن العالمين
معليا قدر الكلام المبدع
مازجا فيه غزير الأدمع
قارئا من فيض ذا الشيخ العظيم
كتبا تضمر أسرار العلوم
15
قلبه من شعلة الوجد استعر
وأنا في نفس منه شرر
قد رمى الشمع فراشي باللهب
وغزت جامي الحميا فالتهب
16
صير الرومي طيني جوهرا
من غباري شاد كونا آخرا
ذرة تصعد من صحرائها
لتنال الشمس في عليائها
إنني في لجه موج جرى
لأصيب الدر فيه نيرا
قد عرتني نشوة من كاسه
وحياة نلت من أنفاسه •••
ليلة رانت على قلبي الشجون
وسرت «يا رب» في الليل السكون
17
من فراغ الكأس قلبي نائح
من صروف الدهر شاك صائح
أرهق التسيار فكري فثوى
هيض سقطاه وللنوم هوى
18 •••
لاح شيخ الحق ذاك الألمعي
من حكى قرآننا بالفهلوي
19
قال: يا ولهان بين العاشقين!
من شراب العشق فاجرع كل حين
شق في العين حجاب البصر
وأثر في القلب هول المحشر
واجعلن الضحك ينبوع البكاء
واملأ العين دموعا من دماء
أنت كالكم صموت أبكم
انشرن كالورد ريحا تفغم
20
صعدن من كل عضو، كالجرس
نوحك الصامت - في كل نفس
أنت نار فأضئ للعالمين
بلهيب منك أذك الآخرين
21
سر شيخ الحان أعلن في هياج
كن مداما واتخذ ثوب الزجاج
22
وكن الفهر لمرآة الفكر
واصدعن جهرا وأعلن ما استتر
23
حدثن كالناي عن غاب نأى
حدثن قيسا عن الحي انتأى
24
جدد النوح بلحن محدث
ومن الآهات في الحفل انفث
كل حي فيه روحا أحكم
وزد الحي حياة من «قم»
25
وهلم اسلك طريقا أنفا
وانف عن قلبك ما قد سلفا
جرس الركب! تنبه لا تنم
واعرف اللذة في هذا النغم •••
صرت نارا في ثيابي تسعر
صرت كالناي، هياجا أضمر
ثرت من أوتار نفسي نغما
شدت من حسن بياني إرما
26
فرفعت الستر عن سر خودي
فبدا الإعجاز من أمر خودي
27
كان كوني صورة لم تكمل
كان سقطا مهملا في الهمل
مبرد العشق براني رجلا
كيف هذا الكون والكم جلا
28
فرأت عيناي نبض الأنجم
وبعرق البدر دورات الدم
29
وبكيت الناس جنح الظلم
فبدا سر حياة الأمم
مصنع الكون أراني ما حواه
فتجلى سر تقويم الحياة
أنا - من في ظلمة الليل أنار -
في طريق الملة البيضا غبار
30
صوتها في الشرق والغرب علا
لحنها في القلب نارا أشعلا
ذرة ألقت وشمسا حصدت
ألف رومي وعطار جنت
31
آهتي الحرى سمت فوق العنان
عترتي النار، وإن كنت الدخان
32
قلمي في مسرح الفكر علا
فجلا الأسرار في السبع العلا •••
ما قصدت الشعر في هذا النغم
نحت أصنام وتعظيم صنم
33
أنا هندي شآني الفارسي
وهلال أنا ذو جام خلي
34
لا تؤمل عندنا حسن البيان
لحن خنسار به أو أصفهان
35
ذاكم الهندي يحكي السكرا
لكن الدري أحلى مخبرا
36
سحر الفكر تجليه وراع
فإذا لي شجر الطور يراع
37
قد علا فكري، وهذا الفارسي
لاءم الفطرة في فكري العلي
أيها العائب كأس الخندريس!
انظرن يا صاح ما تحوي الكئوس
38
في بيان أن نظام العالم من الذاتية وأن تسلسل حياة أعيان الكون لا يكون إلا باستحكامها
هيكل الأكوان من آثارها
كل ما تبصر من أسرارها
نفسها قد أيقظت حتى انجلى
عالم الأفكار ما بين الملا
ألف كون مختف في ذاتها
غيرها يثبت من إثباتها
جعلت بزر خصام بزرها
نفسها تنظر فيها غيرها
خلقت أضدادها من نفسها
لترى لذتها في بأسها
تبتلي في نفسها قوتها
لترى من نفسها قدرتها
خدع من وهمها عين الحياه
غسلها في دمها عين الحياه
39
تخرب البستان أجل الوردة
تكثر النوح لأجل النغمة
لفليك واحد ألف هلال
ولحرف واحد ألف مقال
عذرها في سرف أو قسوة
أنها تبغي جمال الخلقة
40
حسن شيرين لفرهاد محن
ومن المسك ردى ظبي الختن
41
في فراش حرقة كالشعل
عذره في شمعه المشتعل
ألف يوم سطرته يدها
ليجلى في سناه غدها
ألف إبراهيم في النار اغتدى
لسراج يرتجي من أحمدا
42 •••
همها الأعمال فهي الفاعل
وهي العلة وهي القابل
ثورة فيها وإجفال، ونور
واحتراق واختفاء وظهور
43
سعة الأيام ميدان لها
والسماء النقع يعلو سبلها
يدها في الطين، للكون ازدهار
نومها الليل، وفي الصحو النهار
قسمت شعلتها في شرر
فرأى الأجزاء عقل المفكر
تخلق الأجزاء إما تنفطر
تنشئ الصحراء إما تنتشر
ثم صارت بانتشار في ملال
فاحزألت فبدت شم الجبال
44
شيمة الذات التجلي لا الخفاء
وهي في الذرات بأس وضياء
قوة صامتة جلف عمل
عمل اليوم لآتيها علل
قوة الذات من الكون النواه
فعلى قدر القوى قدر الحياه
كلمة الذات تعيها قطرة
فإذا القطرة يوما درة
خارت الخمر فلا شكل لها
ومن الكأس استعارت شكلها
45
وسها طود عن النفس فحار
فغدا صحراء تغشاها البحار
46 •••
يعقد النور لخلق المقلة
تخفق العين بشوق الجلوة
وإذا العشب نماء أضمرا
شق صدر المرج حتى يظهرا
يجمع الشمع بعزم نفسه
ومن الذرات يعلي رأسه
ويذيب النفس إما غفلا
فتراه دمع عين هملا
47 •••
شدت الأرض قواها فالقمر
في طواف حولها لا مستقر
وكيان الشمس منها أكبر
فلها عين ذكاء تسحر
وعلا الحور فهال الناظرا
وعلا الطود أبيا قاهرا
وارتدى كسوة نار حاميه
أصله حبة نبت آبيه
48
إن ذاتا جمعت أسر الحياه
من غدير أزخرت بحر الحياه
49
في بيان أن حياة الذات بتخليق المقاصد وتوليدها
إنما يبقي الحياة المقصد
جرس في ركبها ما تقصد
50
سر عيش في طلاب مضمر
أصله في أمل مستتر
أحي في قلبك هذا الأملا
لا يحل طينك قبرا مهملا
يخفق القلب به بين الصدور
هو في صدرك مرآة تنير
يهب الترب جناحا يصعد
ولموسى العقل خضرا يرشد
51
إنما يحيا الفؤاد الآمل
وإذا حي يموت الباطل
فإذا عي بتخليق المنى
هيض سقطاه وأودى وهنا
أمل الذات لهيب يستعر
أو هو الموج الذي لا يستقر
وهق المقصود حبل الأمل
إنه خيط كتاب العمل
52
وممات الحي فقدان الرجاء
يطفئ الشعلة فقدان الهواء •••
كيف فينا أعين قد ظهرت؟
لذة الرؤية فينا صورت
53
من منى التخطار رجل الحجل
من منى التغريد حلق البلبل
حي ناي قد نأى عن غابه
أطلق النغمة من أوصابه
ذلك العقل الذي الكون طوى
وترى الإعجاز فيه والقوى
إنما أصل الحياة الأمل
فكذاك العقل منه ينسل
54 •••
ما نظام في شعوب وسنن؟
ما ترى التجديد في علم وفن؟
55
أمل من قوة فيه ظهر
يرح القلب فغشته صور
كل ما نملك من هذي الحواس
كل عضو فيه للعيش التماس
كل فكر وخيال واعتبار
كل حس وشعور وادكار
هي آلات الحياة الجاهدة
حين تمضي في وغاها صامده
ليس قصد العلم والفن الفكر
ليس قصد المرج ألوان الزهر
إنما العلم وقاء للحياه
إنه للذات تقويم النجاه
للحياة العلم والفن خدم
للحياة العلم والفن حشم •••
جاهلا سر الحياة! اجتهد
وامض نشوان بخمر المقصد
مقصد كالصبح في أنواره
محرق كل «سوي» في ناره
مقصد يجتاز آفاق السماء
يأخذ القلب بحسن وبهاء
ثورة فيه وفيه محشر
وعلى الباطل حربا يسعر
نحن أحياء بخلق الأمل
نحن في نور بهذي الشعل
في بيان أن الذات تستحكم بالمحبة والعشق
نقط النور التي تدعى الذوات
شرر في طيننا للحيوات
مشعل بالحب منها الجوهر
يتجلى من قواها المضمر
قطرة بالعشق توعي ضرما
وهي بالعشق تنير العالما
56
لا يهاب العشق في السيف المضاء
ليس من ماء وترب وهواء
هو في العالم صلح وخصام
للحياة الماء من هذا الحسام
نظرة العشق بها شق الصخور
هو عشق الحق، والحق يصير
فابغ في طينك هذي الكيمياء
اقبسن من كامل هذا الضياء
57
امض كالرومي شمعا يشتعل
وارم من تبريز في الروم الشعل
58
إن في قلبك معشوقا ثوى
أقبلن أنبئك عن هذا الجوى
عاشقوه قد شأوا كل جميل
حبهم في كل قلب لا يحول
عشقه في القلب نور أسفرا
للثريا يرتقي منه الثرى
59
ترب نجد منه قد خف وضاء
طار وجدا مصعدا نحو السماء
مهجة المسلم مثوى المصطفى
عزة المسلم ذكرى المصطفى
موجة من نقعه الطور الأشم
داره، للكعبة العظمى حرم
ضاق عن آن حواه الأبد
مستمد من مداه الأمد
آثرت سحق حصير عفته
وعلت تيجان كسرى أمته
خلوات في حراء خلقا
أمة منها وحكما مشرقا
كم ليال قد قضاها ساهدا
فحبا الأمة ملكا خالدا
سيفه في الحرب قطاع الحديد
عينه في الذكر بالدمع تجود
سيفه «آمين» تمحو الظالمين
حين يدعو الحق بالنصر المبين
سننا في كوننا قد جددا
ومن الماضين ملكا بددا
فتح الدنيا له مفتاح دين
عقمت عن مثله أم السنين
استوى مولى لديه وغلام
هو والعبد سواء في الطعام
60 •••
أسرت في غزوة بنت الجواد
من علا طيا بجدواه وساد
61
رجلها في القيد والرأس حسير
مطرق في ذله الطرف الكسير
بردة ألقى عليها ساترا
إذ رأى وجها ورأسا حاسرا
نحن أعرى في الورى من أخت طي
ليس يكسونا لدى الأقوام شي
هو في الدنيا علينا ساتر
وهو في الحشر إلينا ناظر
لطفه والقهر كل رحمة
لصديق وعدو رأفة
وبيوم الفتح هذا الغافر
قال: «لا تثريب» وهو القادر
62
إننا من قيد أوطان براء
نحن من عينين نور لا مراء
63
نحن في مغربنا والمشرق
كالندى في وجه صبح مشرق
أسكرتنا عين ساق في البطاح
كزجاج نحن في الدنيا، وراح
64
قد محا الأنساب طرا ذا العظيم
ناره قد أحرقت هذا الهشيم
نحن زهر وشذانا ائتلفا
ضمنا منه نظام ألفا
نحن كنا سره في قلبه
فأذاعت صيحة الحق به •••
عشقه ثار بعودي الصامت
ألف لحن في فؤادي الساكت
ما حديثي عن ولاء واشتياق؟
قد بكى جذع موات للفراق
65
صورتي قد أوضحت مرآته
أنا صبح أطلعت آياته
ثورة الحشر بليلي النائم
وهدوئي في اضطراب دائم
إنني البستان في آذاره
في عروقي الماء من أمطاره
66
قد غرست العين في حقل الوداد
من سراح العين لي هذا الحصاد
67
قد شأى الدارين من يثرب طيب
حبذا دار بها مثوى الحبيب!
أنا للجامي في الشعر فداء
نظمه والنثر من جهلي دواء
68
قال بيتا بالمعاني يفهق
فيه در من مديح يبرق
هو عنوان كتاب العالمين
سيد الكونين، مولى الثقلين •••
كم يريك العشق من صهبائه
فترى التقليد من أسمائه
69
أحكم العشق بتقليد الحبيب
لتنال القرب من رب مجيب
في حراء القلب فاقعد خاليا
وإلى الحق فهاجر راضيا
اقوين بالحق ثم ارجع إليك
واحطمن اللات والعزى لديك
70
اقوين بالعشق في سلطانه
وابتغ الجلوة في فارانه
71
تظفرن بالقرب يا ذا السائل!
وتكن تفسير «إني جاعل»
72
في بيان أن الذات تضعف بالسؤال
أيها الجابي من الأسد الخراج!
صرت كالثعلب خبا باحتياج
ذلك الإعواز أصل العلل
كل آلامك من ذا المعضل
سالب الرفعة من فكر رفيع
مطفئ الشمع من الذهن البديع
من كنوز الدهر أخرج ما تريد
وخذ الصهباء من دن الوجود
وعن الرحل ترجل كعمر
احذرن من منة الناس، الحذر
73
صاح! حتام اجتداء المنصب؟
فيم كالطفل ركوب القصب
74
تجد الإفلاس بالسؤل أذل
وترى السائل أخزى وأقل
فرق الذات سؤال واجتداء
فبدت سيناؤها دون ضياء
75
إن يكن في الرزق والجد عناء
وطغى حولك سيل من بلاء
لا ترم في الأرض رزقا بالبكاء
لا ترج الماء من عين ذكاء
76
احذر الخزي أمام المصطفى
يوم يخزى كل ساع ما وفى
من سماط الشمس يقتات القمر
فعليه وسم نعماها ظهر
77
جاهد الأيام والله استعن
ماء وجه الملة البيضاء صن
علم الناس الصدوق الصائب
أن «حبيب الله ساع كاسب»
78
ويح من يحمل ذل النعمة
خافض الرأس لثقل المنة
أرهق النفس بوقر الذلة
بنقير باع تاج العزة
مرحبا بالظامئ الضحيان لا
يسأل الخضر شرابا في الفلا
79
بسؤال الناس لم يند الجبين
ذا كم الإنسان، لا ماء وطين
تحت هذي الشمس يمضي ذا الفتى
عالي الرأس كسرو قد عتا
زاد في العسر مضاء حده
هو يقظان وغاف جده
80
كن حبابا من عطاء ينفر
فارغ الكأس ببحر يزخر
81
في بيان أن الذات تستحكم بالمحبة والعشق فتسخر قوى العالم الظاهرة والباطنة
أمرها في الكون طرا يحكم
حينما الذات بعشق تحكم
82
يدها من قوة الحق أثر
فإذا ما أومأت شق القمر
في خصومات الورى أقوى حكم
صاغر في حكمها دارا وجم
83
اسمعن مني حديثا عن ولي
اسمه في الهند مشهور علي
84
ذلك الصداح في المرج القديم
قص أخبارا عن الورد الشميم
85
سالك سكران من خمرته
قصد الأسواق في بغيته
وأتى العامل في موكبه
معه الحراس قد حفت به
صاح للتطريق جندي نكير
أيها الأحمق أفسح للأمير
ومضى الدرويش في تسياره
غارقا في اللج من أفكاره
فأتى رب العصا في شرته
ضاربا رأس الفتى في غفلته
فتنحى عن طريق العامل
وهو في ذعر وحزن قاتل
ومضى يشكو إلى شيخ الطريق
دمعه من محبس العين طليق
زمجر الشيخ بقول من ضرم
مثل برق في ذرى الطود اضطرم
ثم أملى الشيخ سطرا من لهب
قال للكاتب في نار الغضب
أمسك المزبر واكتب ذا النذير
أبلغ السلطان عن هذا الفقير
عامل عندك غر قد عصا
وعلا رأس غلامي بالعصا
اعزل العامل، هذا الفاجرا
أو أهب ملكك ملكا آخرا
عبد حق فيه لله احتساب
أرعد السلطان منه ذا الكتاب
آده غم وخوف لا يحول
فحكى في لونه شمس الأصيل
قيد العامل بالقيد الثقيل
واستغاث الشيخ للصفح الجميل
ورأى خسرو له خير سفير
ذلك الكوكب وضاء الضمير
86
ساحر الألباب في ألحانه
مستمد الغيب في تبيانه
ولها خسرو بأوتار الرباب
فأهاج الشيخ وجدا وأذاب
فطرة كالطود في عزته
خشعت للحن في رقته
احذرن لا تجرحن قلب فقير
لا تزج النفس في نار السعير
قصة في معنى أن مسألة نفي الذات من مخترعات الأمم المغلوبة لتضعف الأمم الغالبة بهذه الطريقة الخفية
قد سمعنا أن في عصر قديم
جمع ضأن كان في مرعى يقيم
وفرت نسلا بذا المرعى الخصيب
فارغات البال من ليث وذيب
ثم ألوى بمناهن القدر
ورمى بالسهم فيهن الدهر
دهمتها الأسد من آجامها
ناشرات الذعر في أيامها
آية القوة حكم قاهر
سرها الظاهر فتح الظافر
ضرب الليث طبول النوبة
آخذا آفاق هذي الثلة
87
وكسى المرعى بصبغ أحمرا
ما سوى الفرس لدى أسد الشرى •••
وانبرى كبش ذكي ذو عمر
جرب الأحداث من حلو ومر
غمه ما قد يعاني سربه
من فعال الأسد يدمى قلبه
أمره أحكم في تدبيره
وهو يشكو الدهر في تقديره
باحتيال العقل يحمي نفسه
كل رخو ليس يرجو بأسه
قوة التدبير في دفع الضرر
في زمان الضعف أقوى وأمر
فإذا ما ثار للثأر الجنون
صار عقل العبد خلاق الفتون
قال: أمر حار فيه العاقل
بحر غم ليس فيه ساحل
88
كيف للضأن قتال الأسد
ساعد رخو وفولاذ يد
89
ليس وعظ من بليغ قادرا
أن يرد الكبش ذئبا كاسرا
لكن الليث تراه حملا
إن سها عن نفسه أو غفلا
فادعى في القوم دعوى ملهم
مرسل للأسد شراب الدم
90
قال: كل القوم «كذاب أشر»
غافل عن يوم نحس مستمر
91
جئت للناس بشرع محكم
إنني النور لطرف مظلم
عجلوا التوبة عن كل قبيح
واتركوا الخسر إلى الفعل الربيح
ويح جلد أحكمت فيه قواه «نفي الذات» هو إحكام الحياه
92
علف العشب به الروح تطيب
عائف اللحم إلى الله قريب
حدة الأسنان عار مبرم
بصر الإدراك منها يظلم
إنما القوة خسران مبين
خصت الجنة بالمستضعفين
طلب السلطان شر مستطير
خير الفاقة من عز الأمير
تأمن الحبة برقا محرقا
وترى البيدر منه محرقا
93
ذرة كن لا كثيبا أفيحا
لتنال النور من شمس الضحى
قل لمن يزهى بذبح الغنم
اذبح النفس بحق تغنم
يقطع السبل على هذي الحياه
قوة فيها وسلطان وجاه
يوطأ العشب فينمو صعدا
يفتح الأعين من بعد الردى
94
أغفلن نفسك إما تعقل
إنما المجنون من لم يغفل
أسددن عينا وأذنا وفما
ليجوز الفكر أقطار السما
95
هذه الدنيا فناء في فناء
إنها وهم فما فيها رجاء •••
كانت الأسد جهادا ملت
نازعات نحو عيش الدعة
عن هوى أصغت إلى النصح المنيم
فدهاها الكبش بالسحر العظيم
كان فرس الضأن من سنتها
فاقتدت بالضأن في شرعتها
جوهر الأساد أضحى خزفا
حين صار القوت هذا العلفا
ذهب العشب بناب ذي أشر
أطفأ الأعين ترمي بالشرر
ذلك القلب عن الصدر نأى
جوهر المرآة فيها صدئا
فذوى في القلب شوق العمل
وهيام السعي خلف الأمل
ذهب الإقدام والعزم الأليل
والسنا والعز والمجد الأثيل
برثن الفولاذ فيها قد وهن
واستكان القلب في قبر البدن
ونما الخوف بنقص المنة
قطع الخوف جذور الهمة
كل داء في سقوط الهمم
يجعل الأحياء مثل الرمم
نامت الأسد بسحر الغنم
سمت العجز ارتقاء الأمم
في بيان أن أفلاطون اليوناني الذي أثرت آراؤه في تصوف المسلمين وآدابهم كان على هذه الطريقة الغنمية وأن الاحتراز من آرائه واجب
راهب الماضين أفلاط الحكيم
من فريق الضأن في الدهر القديم
طرفه في ظلمة المعقول ضل
في حزون الكون قد أعيا وكل
فكره في غير محسوس فتن
صد عن كف وعين وأذن
96
قال: في الموت بدا سر الحياة
في خمود الشمع يزداد سناه
حكمه في فكرنا جد عظيم
يمحق الدنيا له جام منيم
هو شاة في لباس الآدمي
وهو في الصوفي ذو بأس قوي
عالم الأشياء سماه الهراء
وعلت أفكاره فوق السماء
فعله «تحليل أجزاء الحياه»
وجفاف النبع من ماء الحياه
زعم الخسران ربحا فكره
ودعا الكون فناء سحره
فكره يغفي ورؤيا يخلق
عينه تبصر آلا يبرق
97
حرم المسكين حب العمل
فقفا معدومه لا يأتلي
منكرا في الكون ما لا يفقد
خالقا في الكون ما لا يشهد
عالم الإمكان للحي وطن
عالم الأعيان للميت حسن
98
ظبيه من خفة لا يجفل
غير خطار لديه الحجل
99
لم يلألئ عنده قطر الندى
طيره ما فيه صوت قد شدا
حبة في أرضه تأبى النماء
وفراش عنده يقلي الضياء
100
في وغى العالم نكس محجم
مشفق راهبنا لا يقدم
قلبه يعشو لنار خامده
صورت عيناه دنيا هاجده
طار من عش إلى الأوج العلي
ثم لم يرجع إلى العش الخلي
101
هلك أقوام بهذا الثمل
حرموا بالنوم ذوق العمل
في حقيقة الشعر، وإصلاح الآداب الإسلامية
حرقة الإنسان من كور الأمل
نار هذا الطين من نور الأمل
102
إنه الخمرة في كأس الحياه
وبه وقدة أنفاس الحياه
الحياة الحق تسخير الدنى
وإلى التسخير تدعوها المنى
هي للمقصود في الدنيا سبيل
وهي للعشق من الحسن رسول
أمل الإنسان أني يظهر
كيف يشجو الحي هذا المزهر؟
كل خير وبهيج وجميل
هو في بيدائنا نعم الدليل
103
حسنه في القلب نور يسطع
تجد الآمال منه تطلع
خلق الحسن نضير الأمل
وأدام الحسن نور الأمل •••
مطلع الحسن ضمير الشاعر
طوره صبح الجمال الباهر
زادت الحسن جمالا نظرته
زادت الفطرة حبا صنعته
غرد البلبل من تلحينه
ضاء خد الورد من تلوينه
ناره كل فراش كاويه
قصص العشاق منه زاهيه
مضمر في خلفه بحر وبر
ألف كون محدث فيه استتر
كم شقيق في الحشا لم يطلع
وغناء وبكى لم يسمع
104
فكره للبدر والنجم نجي
يبدع الحسن، وفي القبح عيي
خضر في ليله ماء الحياه
تزهر الأكوان من ماء بكاه
105
نحن أغرار بطاء الأرجل
ضل سارينا طريق المنزل
لطفت في سيرنا حيلته
وعلت في ركبنا نغمته
يحفز الركب لفردوس الحياه
ويتم الدور في قوس الحياه
106
فمضى الركبان إثر الجرس
وشدا الحادي بصوت مؤنس
وسرت في زهرنا نفحته
مذ سرت في روضنا نسمته
نفس منه حياة تزهر
حرة لوامة لا تصبر
يأدب الناس جميعا للقرى
ناره كالريح تسري في الورى •••
ويل قوم لهلاك طائره
صد عن ورد حياة شاعره
كل حسن شاه في مرآته
في الجسوم السم من جرعاته
تذبل الأزهار منه القبل
ويعاف الشدو منها البلبل
تهن الأعصاب من أفيونه
ويموت الحي من تلحينه
يسلب السرو جميل الميل
ويرد الصقر مثل الحجل
107
هو حوت نصفه كالآدمي
كبنات البحر تقتاد الغوي
108
يسحر الربان منها باللحون
ولقاع البحر تهوي بالسفين
يسلب القلب ثباتا لحنه
ويري الموت حياة فنه
يلبس النفع لباس الضرر
ويري الحسن قبيح الصور
في بحار الفكر يلقيك فلا
تشتهيه أو تطيق العملا
109
شعره فينا يزيد الكللا
كأسه فينا تزيد المللا
سيل برق ما حوى نيسانه
آل لون وشذى بستانه
110
فنه بالحق لا يعترف
بحره ما فيه إلا الصدف
نومت ألحانه يقظتنا
أطفأت أنفاسه شعلتنا
بلبل سم قلوب نغمه
ضغث ورد فيه يثوي أرقمه
خمره اللألاءة اترك واحذر
كأسه والطاس والدن اهجر
يا صريعا خمره يغتبق
لك صبح من سناها مشرق
يا برود القلب من ألحانه
قد شربت السم من تبيانه
يا دليلا للردى أفكاره
عطلت من نغم أوتاره
أنت للذل أرحت البدنا
أنت للإسلام عار في الدنى
من نسيم مر يدمى خدكا
بعروق الورد يلوى قدكا
أخزت العشق دجى صيحاتكا
غض من صورته بهزادكا
111
شاحب الوجه بدا من ضركا
بردت نيرانه من قركا
عاجز الهمة من ذلتكا
وعليل الروح من علتكا
أدمع الأطفال في كاساته
كنزه ما اعتد من آهاته
آه من وغد ذليل يائس
هالك من ركلات الحارس
112
صار كالناي هزيلا نائحا
شاكي الأقدار جهلا صائحا
ليس إلا الحقد في جوهره
ليس إلا العجز في مخبره
يائس فل حليف الخيبة
شقوة في خسة في ذلة
113
نوحه روحك منه في سقام
قد حمى جيرانه طيب المنام
ويح عشق قد ذكا في الحرم
ناره باخت ببيت الصنم! •••
صيرفي القول! إن تبغ النجاه
فاجعلن معياره نار الحياه
نير الفكر يقود العملا
مثل برق قاد رعدا جلجلا
من بفكر صالح في الأدب؟
ارجعن يا صاح شطر العرب
114
وسليمي العرب يا صاح اعشقا
لترى صبح الحجاز ائتلقا
في رياض العجم قطفت الزهر
في ربيع الهند سرحت البصر
من حرور البيد فاشرب يا رفيق
واشربن من تمرها الراح العتيق
أسلمن رأسك يوما صدرها
وألفن في حرها صرصرها
قد لبست الخز طول الزمن
فألف الكرباس يوما واخشن
كم وطئت الورد في طول المدى
غاسلا، كالورد، خدا بالندى
فعلى رمل الصحاري المضرم
أقدمن يوما وغص في زمزم
فيم هذا النوح مثل البليل؟
وإلام العش بين الظلل؟
قد علا جد الهما من صيدكا
اجعلن في الطود مثوى عشكا
115
ابن عشا حيث لا ترقى الأنوق
تختفي فيه رعود وبروق
116
لترى أهلا لأعصار الحياه
وتذيب النفس في نار الحياه
في بيان أن التربية الذاتية ثلاث مراحل: الأولى الطاعة والثانية ضبط النفس والثالثة النيابة الإلهية
المرحلة الأولى: الطاعة
ألفة الكد شعار الجمل
شيمة الصبر وقار الجمل
صامت الأخفاف يمشي ماضيا
زورقا في البيد يسري هاديا
نقشت وجه الصحاري أرجله
شارد النوم قليلا أكله
ثملا يختال تحت المحمل
راقصا يقدم شطر المنزل
في المدى من راكبيه أصبر
هائم بالسير، عجبا يخطر •••
فاحمل الفرض قويا لا تهاب
وارجون من عنده حسن المآب
117
اجهدن في طاعة يا ذا الخسار
فمن الجبر سيبدو الاختيار
118
بامتثال الأمر يعلو من رسب
وهوى الطاغي ولو كان اللهب
سخر الأفلاك في همته
من ثوى في القيد من شرعته
قد سرى النجم يؤم المنزلا
طوع قانون له قد ذللا
ونما العشب بقانون النماء
فإذا ما حاد يجفى بالعراء
ولهيب دائم دين الشقيق
دمه من ذاك يسري في العروق
119
يربط الذرات قانون الوصال
فهي بحر وهي بر باتصال
كل شيء فيه قانون سرى
كيف في هذي المعاني يمترى؟
120
ارجعن يا حر دستور قديم
زينن رجلك بالقيد الوسيم
شدة في شرعنا لا تشكون
وحدود المصطفى لا تعدون
121
المرحلة الثانية: ضبط النفس
جمل نفسك تربو بالعلف
في إباء وعناد وصلف
فكن الحر وقدها بزمام
تبلغن من ضبطها أعلى مقام
كل من في نفسه لا يحكم
هو في حكم سواه مرغم
إنما صورت من طين لزب
سيط في أمشاجه خوف وحب
خيفة الدنيا وخوف الآخره
خوف موت ورزايا فاقره
حب جاه وثراء وبلد
حب زوج وقريب وولد
من مزاج الطين والماء البدن
مركب الأهواء، مغلوب الفتن
من يمسك بعصا من «لا إله»
فلتحطم طلسم الخوف يداه
122
كل من بالحق أحيا نفسه
لا ترى الباطل يحني رأسه
ليس يدنو الخوف منه أبدا
ليس، غير الله، يخشى أحدا
كل من موطنه إقليم «لا»
من قيود الزوج والولد خلا
123
معرض عما سوى الله الأحد
يضع السكين في حلق الولد
124
واحد من نفسه في عسكر
يبذل الروح بيوم الخطر •••
درة التوحيد، فاحفظها الصلاة
حجك الأصغر، فاعرفها الصلاة
في يد المسلم هذا الخنجر
يقتل الفحش به والمنكر
يفتك الصوم بجوع وصدى
ضابطا بالقسط هذا الجسدا
وينير الحج قلب المؤمن
هجرة الأهل به والوطن
إنما الطاعة أس الأمة
إنها خيط كتاب الملة
125
بالزكاة العابد المال ادكر
علمت حب المساواة البشر
تكثر المال، وشحا تمحق «لن تنالوا البر حتى تنفقوا»
تلك أسباب بها تستحكم
إن يكن في القلب دين محكم
اقو يا مؤمن بالله القوي
تحكمن في ذلك البكر الأبي
126
المرحلة الثالثة: النيابة الإلهية
إن خطمت الصعب قدت العالما
نافذ الأمر عليه حكما
127
مشرقا في الأرض ما دار الفلك
فترى الملك الذي يخلد لك
نائب الحق على الأرض سعيد
حكمه في الكون خلد لا يبيد
هو بالجزء وبالكل خبير
وبأمر الله في الأرض أمير
في فسيح الأرض يمضي طاويا
عزمه، هذا البساط الباليا
128
ينجلي من فكره مثل الزهر
غير هذا الكون أكوان أخر
129
ينضج الفكرة فينا بالضرم
يخرج الأصنام من بيت الحرم
رن عود القلب من مضرابه
يقظ في الحق نومان به
130
باعث في الشيب ألحان الشباب
ناشر في الكون ألوان الشباب
هو في الناس بشير ونذير
وهو جندي وراع وأمير
مقصد من «علم الأسما» هوه
سر «سبحان الذي أسرى» هوه
131
محضر من تحته طرف الزمان
حينما يمسك منه بالعنان
132
يبعث الأرواح منه قول «قم»
وهي في أبدانها مثل الرمم
133
ذاته تتبع ذات العالم
سطوة فيه نجاة العالم
يبعث الميت بإعجاز العمل
قيم الأعمال منه في بدل
134
سيره يخضر في بيدائه
كم كليم هام في سينائه!
جدد الدنيا بتفسير جديد
عبر الرؤيا بتعبير جديد
كونه المكنون أسرار الحياه
نغمة يضمر مزمار الحياه
شاعر الفطرة عنى طبعه
ليقيم الوزن إذ أبدعه
نقعنا ثار إلى أوج السماء
فبدا الفارس من هذا الهباء
135 •••
في رماد اليوم منا ترقد
شعلة يرمي بها الكون الغد
روضة تضمرها أكمامنا
ضاء من صبح غد أبصارنا
136
أنت يا فارس طرف الزمن!
أنت يا نورا لعين الممكن
موكب الإنشاء هيا زين
وتمكن في سواد الأعين
قم فسكن من ضجيج الأمم
واملأ الآذان زهر النغم
جددن في الناس قانون الإخاء
وأدرها كأس حب وصفاء
أبلغ الناس رسالات السلام
وأعد في الأرض أيام الوئام
من بني الإنسان أنت الأمل
أنت من ركب الحياة المنزل
أذبلت كف الخريف الشجرا
فاغد في الروض ربيعا نضرا
نحن من فيضك نسمو للقلل
في جهاد الكون نمضي كالشعل
137 ...
138
يا أخا الوردة كن صنو الحجر
وكن السور لبستان الزهر
139
آدميا صورن من تربكا
ثم شيد عالما بدعا لكا
أنت إن كنت ترابا هينا
فليصغ غيرك منك اللبنا
أيها الصارخ من جور الدهر
يا زجاجا يشتكي جور الحجر
فيم هذا النوح؟ ماذا المأتم؟
وإلام الصدر حزنا تلدم؟
مضمر في السعي مضمون الحياه
لذة التخليق قانون الحياه
قم فشيد عالما دون مثيل
وخض النار وأقدم كالخليل
إنما السير على حكم الزمان
هو رمي الترس في وقت الطعان
إنما الحر الشجاع الفطن
من قفا الآثار منه الزمن
وإذا الدنيا عتت عن أمره
حارب الدهر، ولم يعبأ به
يهدم الموجود فيما آثرا
يمنح الذرات شكلا آخرا
140
يصرف الأيام عن كراتها
يمنع الأفلاك من دوراتها
141
خالقا من قوة في قلبه
ذلك العصر الذي يرضى به
فإذا أعوز عيش الرجل
فالحياة الموت موت البطل
حبذا عشق بغى الأمر الجليل
وجنى في النار وردا كالخليل
تتجلى في مراس المعضل
قوة كامنة في البطل
عدة الأنذال حقد لا سواه
استمع يا صاح، ذا شرع الحياه
الحياة الحق بأس يظهر
حب الاستيلاء فيه مضمر
رب عفو كان من آفاتها
يكسر الموزون من أبياتها
يحسب العجز قنوعا خانع
لصروف الدهر ذلا طائع
قاطع سبل الحياة الخور
قلبه خوفا وكذبا يضمر
قلبه من كل خير فارغ
ليثه في كل خبث والغ
في كمين راصد هذا اللئيم
فاحذرن يا صاحب العقل السليم
احذرن يا صاح من تزيينه
إنه الحرباء في تلوينه
142
إنه يخفى على أهل النظر
لبس الحق عليهم واستتر
في ثياب اللين حينا يظهر
وهو حينا في اتضاع يستر
وهو طورا في ثياب المجبر
وهو طورا في حجاب القدر
وهو حينا في لباس الترف
يلبس الصحة ثوب الدنف
ما سوى القوة للصدق دعم
اعرفن نفسك، هذا جام جم
143
هي من حقل الحياة الحاصل
فسر الحق بها والباطل
مدعاه في غنى عن حجة
إن تحدى المدعي بالقوة
تجعل الباطل حقا ماثلا
وهن الحق يحق الباطلا
سطوة القوة تحلي ما أمر
إن تقل للخير شر فهو شر
144
أيها الغافل عما حملا
أنت في الكونين أعلى منزلا
افتحن عينا وأذنا وفما
تبصر الحق طريقا معلما
قصة فتى من مرو جاء إلى السيد المعظم علي الهجويري شاكيا بغي أعدائه
145
مجتبى هجوير مقصود الأمم
من رأى الجشتي مثواه الحرم
146
قطع الأطواد واجتاز السدود
باذرا في أرضنا بذر السجود
زمن الفاروق منه يشرق
وبه للحق يعلو منطق
حارس العزة من أم الكتاب
معقل الباطل منه في تباب
حيت البنجاب من أنفاسه
صبحنا نور من نبراسه
ذا رسول العشق، وهو العاشق
فيه سر العشق باد بارق •••
قصة أسردها في أسطر
طاويا في الكم روض الزهر
قد أتى لاهور من مرو فتى
قده كالسرو عال قد عتا
جاء عند السيد العالي الجناب
كاشفا من نوره عنه الضباب
قال: إني في عداة لؤموا
كزجاج بصخور يصدم
علمني أيها الشيخ الكبير
كيف عيشي بين أعداء كثير
فأجاب الشيخ، من فيه الجمال
قد تجلى في إطار من جلال
أيها الغافل عن سر الحياه
لا يميز الخير من شر الحياه
حررن نفسك من يأس وغم
أنت بأس نائم، قم لا تنم
إن رأى النفس زجاجا حجر
فهو في الحق، زجاج يكسر
وإذا خارت قواه السائر
قطع السبل عليه الفاجر
كم ترى نفسك طينا قد حقر
شعلة الطور من الطين أثر
فيم شكواك الرفيق النافعا
فيم شكواك العدو الخادعا
كم عدو لك، في الحق صديق
أنت بالأعداء ذو غصن وريق
قوة الأعداء فضلا يعلم
من مقام «الذات» حقا يفهم
يوقظ الخصم قواك الهاجده
مثل ما تحيي الموات الراعده
147
قوة العزم تذيب الحجرا
لا يبالي السيل صخرا إن جرى
تشحذ العزم عقاب السبل
امتحان العزم بعد المنزل
148
ما حياة دون عزم محكم؟
ما غناء العيش مثل النعم؟
زلزل العالم وافعل ما ترى
إن حبتك الذات عزما مسعرا
اهجرن الذات إن تبغ الفناء
واعمرن الذات إن شئت البقاء
ما الردى؟ أن يدرك الذات الوسن
أتراه بعد روح وبدن؟
149
يا أخا يوسف في الذات أقم
ومن السجن إلى الملك استقم
150
أحكمن الذات وانهض عاملا
ناصرا للحق، سرا حاملا
هاك سرا في حديث مؤنس
أفتح الكم بحر النفس
151
حبذا سر حبيب يضمر
في حديث عن سواه يؤثر
152
قصة الطائر الذي أجهده العطش
طائر من ظمأ قد جهدا
كدخان نفسا قد صعدا
قد رأى ألماسة مثل الندى
صاغها ماء لعينيه الصدى
خدعته شذرة مثل الشرر
فرأى الجاهل ماء في الصخر
لم يجد ريا بضرب المنقر
لم يصب ماء بنقر الجوهر
قالت الشذرة: جنبت الهدى
تضرب المنقار في جسمي سدى
لست ماء، لا تراني ساقيه
ما أنا من أجل غيري باقيه
جاهل يقصد هضمي ما اهتدى
لحياة نورها منها بدا
كل منقار بمائي ينكسر
وترى الإنسان منه ينبهر
ما رأى الطائر فيها أربا
فتولى عن سناها لغبا
حسرة في صدره تتقد
زفرات لحنه يصعد •••
وأضاءت مثل دمع البلبل
قطرة في غصن ورد خضل
لضياء الشمس فيها منة
ولخوف الشمس فيها رعدة
153
كوكب يرعد من نسل السماء
شاقه الجلوة في هذا الفضاء
154
غره الأكمام والزهر الخصيب
لم يزود من حياة بنصيب
155
قطرة من دمع صب تبهر
زانت الهدب وكادت تقطر
فمضى الطائر فيها راغبا
بل بالقطرة حلقا لاهبا
أيها الباغي عدوا تقهر!
قطرة أنت، ترى، أم جوهر؟
حينما الطائر أضناه صداه
حي نفسا بحياة من سواه
كانت الشذرة عضبا يرهب
لم تكن قطرة طل يشرب
قوة الذات احفظنها أبدا
وكن الألماس لا قطر الندى
أنضج القطرة كالطود ترى
حاملا غيما مفيضا أنهرا
أثبت الذات وفيها حقق
فضة كن بالتئام الزئبق
156
ومن الذات أبن أسرارها
حركن عن لحنها أوتارها
قصة الألماس والفحم
قصة أخرى بها أدلي إليك
يفتح الحق بها بابا عليك:
قال للألماس فحم المعدن:
يا حليف النور طول الزمن!
نحن صنوان نمانا والد
أصلنا في الكون أصل واحد
وعلى التيجان أنت الزينة
وأنا في الترب حظي الذلة
لك حسن في المرايا يسطع
وأنا من كف ترب أضيع
من ظلامي قد أضاء المجمر
ورمادا آض في الجوهر
موطئ الأقدام بين البشر
قد رموا في مهجتي بالشرر
إن حالي ببكاء لحرى
هل ترى أصلي وفصلي هل ترى؟
إنني موج دخان يعقد
كل ما في شرار يصعد
ومن الأنجم فيكي الرونق
كل جنب فيك نور يشرق
تارة نور بعيني قيصرا
تارة فص يزين الخنجرا •••
قال: فاسمع يا رفيقي وافهما
ينضج الترب فيغدو خاتما
شن فيما حوله حربا ومر
وغدا بالحرب صلبا كالحجر
هيكلي من نضجه قد نورا
وبصدري كم شعاع أسفرا
أنت من ضعف كيان تنفق
وبلين في قوام تحرق
اهجرن خوفا وغما لا تهن
وانضجن كالصخر والألماس كن
من أجاد السعي والأخذ معا
فهو في الدارين بدر طلعا
وبحجر الكعبة انظر حجرا
كان من قبل ترابا حقرا
جاوز الطور علاء لا جرم
ورجت تقبيله كل الأمم
قوة الأحياء عز ونجاه
والونى والذل من ضعف الحياه
قصة الشيخ والبرهمي ومحاورة نهر الجنج وجبل همالايا في معنى دوام حياة الأمة بالتمسك بسنتها
برهمي في بناريس علم
غائض في فكر كون وعدم
157
برجال الله يحفى فعله
ومن الحكمة واف كفله
عقله فوق الثريا قد علا
ذهنه ماض يحل المشكلا
فكره العنقاء إما حلقا
شعلة منها السماك احترقا
كأسه دهرا خلت من خمرة
قد حماه الراح ساقي الحكمة
في رياض العلم ألمى شبكا
طائر المعنى به ما أدركا
فكره أدمى ولكن لم تزل
عقد الأكوان فيه دون حل
أعربت عن يأسه آهاته
وحكت حيرته نظراته
سار يوما نحو شيخ كامل
رب صدر بفؤاد آهل
لقي الشيخ بنفس راجيه
تحسن الصمت، وأذن واعيه
فأهاب الشيخ: يا خدن السما
اهبطن الأرض وارع الذمما
ضقت في الأرض مجالا فعلا
فكرك المقدام في أوج العلا
طاوي الأفلاك! في الأرض قم
لا تطر تطلب سر الأنجم
لا أقول اهجر غدا أصنامكا
كافر أنت فخذ زناركا
يا أمينا لتراث الأولين!
لا تدع نهج الجدود الأقدمين
باجتماع الشمل تحيا الأمة
وكذاك الكفر فيه وحدة
لم يكمل فيك حتى كفركا
ليس أهلا لفؤاد صدركا
إن إبراهيم فينا هجرا
وبعدتم أنتم عن آزرا
158
قيسنا ما هام خلف المحمل
في جنون العشق لما يكمل
إن شمع الذات فينا لانطفاء
كيف يجدينا طواف في السماء •••
جاش نهر الجنح يوما جائلا
في سفوح من همالا قائلا
حاملا من برد أوقاره!
عاقدا من أنهر زناره!
159
صاغك الحق نجيا للسماء
وحمى رجلك سيرا في العراء
قيدت رجلك عن سير فما
هيبة فيك ورأس قد سما؟
إنما العيش مسير وصلا
وحياة الموج في أن يجفلا
غضب الطود لقول النهر
فرمت أنفاسه بالشرر
قال: يا مرآة وجهي! ويلكا
كم حوى صدري بخارا مثلكا
إن هذا السير فيه الحين لك
من يزل عن نفسه يوما هلك
بمقام لك هلا تأبه!
أفخار بالردى يا أبله!
يا وليد الفلك المرتفع!
صرت دون الساحل المتضع
قد وهبت النفس بحرا غاصبا
قد أبحت الروح لصا سالبا
كن كورد في رباه عاكف
لا ترم للريح كف القاطف
160
إنما العيش نماء في المكان
وبروض الذات قطف الأقحوان
في دهور لم تزحزح أرجلي
أتراني زائلا عن منزلي؟
وإلى الأفلاك قدي يصعد
فعلى سفحي الثريا ترقد
أنت تفنى في خضم خضرم
وقلالي مسجد للأنجم
وبعيني لاح سر الفلك
وبسمعي طيران الملك
وبنار الجد طول الدهر
قد حوى صدري صنوف الجوهر
صخر قلبي وناري في الصخر
ليس للماء إلى ناري ممر
161
قطرة إن كنت فاحفظ نفسكا
جاهد الأمواج واجنب يأسكا
وابتغ النور وكن درا يضيء
ثم كن قرطا على وجه وضيء
أو فزد واعل سحابا ممطرا
يشعل البرق ويهمي أبحرا
162
يبسط البحر لجدواك يدا
شاكيا من فاقة يرجو الندى
فهو في فيضك دون الموجة
وهو في جدواك بادي الذلة
في بيان أن حياة المسلم لإعلاء كلمة الله وإن كان الباعث على الجهاد «جوع الأرض» فهو حرام في شريعة الإسلام
صبغة الله أنر في قلبكا
والهوى والصيت دع في حبكا
إنما المسلم بالحب قهر
مسلم لا حب فيه قد كفر
غض بالحق، وبالحق نظر
وله في الحق نوم وسهر
في رضاه لرضا الحق فناء
كيف يرضى الناس هذا الادعاء؟
163
في ربى التوحيد أرسى العمدا
وعلى الناس جميعا شهدا
وعليه يشهد الداعي الأمين
شاهد أصدق كل الشاهدين
فدع القال إلى الحال الجلي
وأضئ بالحق ليل العمل
وكن الدرويش في زي الأمير
ذاكرا لله يقظان الضمير
واقصدن الحق في كل الفعال
يسطعن فيك من الحق جلال
خير الحرب إذا رمت الإله
شر السلم إذا رمت سواه
نحن إن لم يعل حقا سيفنا
اكتسى في الحرب عارا صفنا •••
شيخنا الشيخ «ميا نمير» الولي
من سناه كل سر ينجلي
164
كان ثبتا في طريق المصطفى
مزهر العشق بحق عزفا
قبره الإيمان في أوطاننا
مشعل النور على بلداننا
سجد النجم على أعتابه
كان ملك الهند من طلابه
غرس الملك هواه في الفؤاد
طالبا في حرصه فتح البلاد
بالهوى أضرم نارا قلبه
مقرئا «هل من مزيد» عضبه
165
دوخت أجناده كل وطن
وتوالى الفتح في أرض الدكن
ديدن المسلم للحق التجاء
يحكم التدبير منه بالدعاء
قصد الشيخ العلي القدر
راجيا منه دعاء الظفر
صمت الشيخ لقول المالك
وصغى كل مريد سالك
قطع الصمت مريد أقدما
أمسكت إحدى يديه درهما
قال: مولاي! اقبل النذر الحقير
أنت للمسكين بالحق نصير
عرقي من كل عضو قد همى
قبل أن تمسك كفي الدرهما
قال: سلطاني به أولى يدا
سائل في حلة الملك بدا
166
ملكنا أفقر من كل البشر
وعلى الشمس تولى والقمر
جوعه بالنار يصلي العالمين
عينه فوق سماط الآخرين
سيفه بالقحط والموت رمى
نفسه يبني ويردي عالما
ضجت الأقوام من فقر لديه
شقى المسكين من جوع يديه
حكمه في الناس شر وأشر
قطع الطرق على ركب البشر
بخداع النفس والجهل دعا
نهبيه فتحا، وبئس المدعى
عسكر الملك وما قد أسروا
بسيوف الجوع منه شذر
غصة السائل جوع السائل
وخراب الملك جوع الدائل
167
من لغير الله سل المغمدا
سيفه في صدره قد أغمدا
نصيحة مبرنجاة النقشبندي المعروف بباباي صحرائي «الأب الصحراوي» التي كتبها لمسلمي الهند
أنت كالورد من الأرض بدا
من ضمير الذات نلت المولدا
لا تعد الذات واخلد أبدا
قطرة كن واشرب البحر صدى
168
إنما الربح بهذي الثروة
والغنى في حفظ هذي السلعة
أنت موجود وفي خوف العدم
يا أسير الوهم أخطأت الفهم
عندي الخبر بأوتار الحياه
سأنبيك بأسرار الحياه
غوصة في النفس غوص الدرة
وظهور بعد هذي الخلوة
هي جمع من رماد شررا
واشتعال بعد يعشي البصرا
هي حول الذات طوف فاعلم
واجعلن نفسك بيت الحرم
حلقن في اللوح عن جذب التراب
من هوي لا تخف، مثل العقاب
أنت إن لم تك طيرا ويحكا
فعن الغار فأبعد عشكا
169
أيها الجاهد في كسب العلوم
عن إمام الروم خذ نصح الحكيم
إنما العلم لدى الجسم شقاء
وهو في القلب دواء وشفاء
170
قصة الرومي تقضي بالعجب:
كان فيضا من علوم في حلب
وعلى رجليه للعقل قيود
في ظلام العقل بالفلك يرود
هو موسى دون طور يشرق
ما درى ما العشق أو من يعشق
وعن الإشراق والشك حكى
ومن الحكمة درا سلكا
171
وعن المشاء
172
حل العقدا
كل خاف من سناه قد بدا
وحواليه صوان الكتب
وعلى فيه بيان الكتب •••
أم يوما مكتب الملا جلال
شيخ تبريز بأمر من كمال
173
قال: ماذا القال والقيل وما
من قياس ودليل أوهما
صرخ الرومي: مهلا يا جهول
لا تهون من مقالات العقول
اخرجن من مكتبي يا أبله
قالنا والقيل أنى تفقه؟
قالنا أرفع مما تعقل
سرج الإدراك منه تشعل
نار شمس الدين زادت حرقا
فرمى من روحه ما أحرقا
فاستطار البرق من نظرته
وتلظى الترب من شعلته
فإذا الأدراك من نار القلوب
محرق والكتب منها في لهيب
جهل الرومي عشقا أضرما
ما درت أوتاره ذا النغما
قال: هذي النار ما قصتها؟
أحرقت أسفارنا وقدتها
قال شمس الدين يا ذا المسلم!
ذوقنا والحال أنى تعلم؟
حالنا أرفع مما تفكر
ولظانا الكيمياء الأحمر
174 •••
تجمع الحكمة زادا بردا
فسحاب الفكر يهمي بردا
175
من هشيم فيك أذك اللهبا
من تراب فيك أطلع شهبا
من لهيب القلب علم الكامل
مقصد الإسلام ترك الآفل
176
صد إبراهيم عما يأفل
فحوته كالجنان الشعل
177
قد نبذت الدين ظهريا وما
تبتغي بالدين إلا الدرهما
أيها الساعي لكحل المقل
غافلا عما به من كحل
178
من فم التنين فابغ الكوثرا
واسألن ماء الحياة الخنجرا
179
حجر الكعبة من بيت الوثن
التمس والمسك في الكلب اطلبن
طفئ العشق بعلم الحاضر
لا تؤمل كأس هذا الكافر
قد براني السعي في كل بعيد
وعرفت السر في العلم الجديد
وحباني سر هذي الجنة
قيم البستان بعد الخبرة
علم ذا العصر حجاب أكبر
يعبد الوثن وفيها يتجر
من حدود الحس لا ينطلق
وله الظاهر سجن مغلق
زلقت رجلاه في سبل الحياة
وضعت في حلقه السيف يداه
كشقيق فيه نار هامده
شعلة كالطل فيه بارده
180
من لهيب العشق تخلو فطرته
في طلاب الحق تبدو خيبته
علل العقل لها العشق دواء
مبضع العشق لدى العقل شفاء
سجد العالم للعشق الجليل
هو محمود لأصنام العقول
181
جامه من نشوة الراح خلا
ليله عن وجد «يا رب» سلا
182 •••
سروك الباسق قد أغفلته
كل سرو غيره أكبرته
183
أنت كالناي خلي من جواك
بلحون الناس أعليت صداك
تبتغي نفسك في سوق سواك
وسماط الناس تجدوه يداك
من سراج الناس نادينا استعر
أحرق المسجد من دير شرر
ظبينا خاف سواد الكعبة
فرماه صائد في الثغرة
184
ورق الوردة كالعرف انتشر
جافلا من نفسه! عد للمقر
185
يا أمين السر من أم الكتاب
هل إلى وحدة ماضينا إياب؟
نحن حراس حصون الأمة
كفرنا ترك شعار الملة
أكؤس الساقي أراها كسرا
حفل ندمان الحجاز انتشرا
تعمر الكعبة من أصنامنا
يضحك الكفر على إسلامنا
186
شيخنا باع الدمى ملته
جاعلا زناره سبحته
187
شيخ الشيخ بياض الشعر
وهو للأطفال مثل السخر
188
قلبه بيت لأصنام هواه
فهو صفر مقفر من «لا إله»
189
يلبس الخرقة من يرخي الشعر
آه! للتاجر بالدين اتجر
بمريديه أدام السفرا
في هدى أمته ما فكرا
أعين عمي حكاها النرجس
وصدور من قلوب تفلس
عبد الأشياخ فينا المنصب
حرمة الأمة منهم تذهب
واعظ عيناه شطر الوثن
وفتاوى تشترى بالثمن
وجهه للحان ولى شيخنا
يا رفاقي بعد ما تدبيرنا
190
الوقت سيف
191
نضر الله تراب الشافعي
سحر الألباب هذا الألمعي
فكره قد صاد نجما لامعا
حين سمى الوقت سيفا قاطعا
فات خوفا ورجاء صاحبه
كفه كف كليم، ضاربه
تغدق الصخرة من ضربته
ويغيض البحر من صولته
كان هذا السيف في كف الكليم
فشأى التدبير بالعزم الصميم
شق صدر البحر لمع القبس
صير القلزم مثل اليبس
وبهذا السيف يوم الخطر
زلزلت خيبر كف الحيدر
192 •••
ممكن إبصار دور الفلك
وتوالي نوره والحلك
يا أسير اليوم والأمس انظرا
193
انظرن في القلب كونا سترا
أنت في النفس بذرت الباطلا
وحسبت الوقت خطا طائلا
وذرعت الوقت طولا، للشقاء
بذراع من صباح ومساء
وجعلت الخيط زنارا لكا
صرت للأصنام ندا ويلكا
صرت يا إكسير تربا سافلا
يا وليد الحق صرت الباطلا
اقطع الزنار حرا لا تهن
شمعة في محفل الأحرار كن
إيه يا غافل عن أصل الزمان
كيف تدري ما خلود الحيوان
194
يا أسير الصبح والمسى اعقلن «لي مع الله» بها الوقت اعرفن
195
كل ما يظهر، من تسياره
والحياة السر من أسراره
196
ما من الشمس أراه يوجد
إنها تفنى وهذا يخلد
وبه الشمس أضاءت والقمر
وبه في العيش ما ساء وسر
قد بسطت الوقت بسطا كالمكان
وفرقت اليوم من أمس الزمان
يا شذى قد فر من بستانه
وحبيس السجن من بنيانه
197
وقتنا بين الحنايا سافر
ليس فيه أول أو آخر
الحياة الدهر يا من عرفا «لا تسبوا الدهر» قول المصطفى •••
نكتة كالدر خذها رائقة
بين حر ورقيق فارقه
حيرة العبد مسير الزمن
حيرة الأزمان قلب المؤمن
ينسج العبد عليه كفنا
من صباح ومساء مذعنا
وترى الحر من الطين نجا
نفسه حول الليالي نسجا
قفص العبد صباح ومساء
يحرم التحليق في جو السماء
وبصدر الحر ثار النفس
طائر الأيام فيه يحبس
فطرة العبد حصول الحاصل
ليس في تفكيره من طائل
في مقام من همود راكد
نوحه ليلا وصبحا واحد
ومن الحر جديد الخلقة
كل حين، وحديث النغمة
قيد العبد صباح ومساء
وثوى في فمه لفظ القضاء
198
وأرى الحر مشيرا للقدر
صورت كفاه أحداث الدهر
199
عنده الماضي التقى والقابل
عاجل بين يديه الآجل
200 •••
ضاق عن معناي حرف وصدى
عجز الإدراك في هذا المدى
قلت، واللفظ من المعنى خجل
وشكا المعنى من اللفظ المحل
مات معنى في حروف يحبس
ناره يخمد منك النفس
سر غيب وحضور في القلوب
رمز وقت ومرور في القلوب
201
إن للوقت للحنا صامتا
وله في القلب سرا خافتا
202
أين أيام بها سيف الدهر
صرفته في أيادينا القدر!
203
قد غرسنا الدين في أرض القلوب
وجلونا الحق من ستر الغيوب
ومن الدنيا حللنا العقدا
واستنار الترب منا سجدا
من دنان الحق صرفنا الرحيق
وهدمنا حانة العصر العتيق
يا مدير الراح في أضوائها
ومذيب الكأس من لألائها
204
من غرور واختيال تسكر
ومن الفقر لدينا تسخر!
كأسنا كانت سراج المحفل
صدرنا كان لقلب مشعل
إن هذا العصرمن آثارنا
من عجاج ثار في تسيارنا
روضة الحق ارتوت من دمنا
عز أهل الحق في الدنيا بنا
كبر العالم من تكبيرنا
كعبات شاد من تعميرنا
اقرأ» الحق لنا قد علما
بيدينا رزقه قد قسما
205
لا تهون قدر حر أعدما
أن ترى التاج مضى والخاتما
إن نكن عندك أصحاب الخسار
قدماء الفكر أحلاف الصغار
فلدينا عزة من «لا إله»
نحن للكونين حراس أباه
قد تركنا غم أمس وغد
ووفينا لحبيب أوحد
نحن وراث هداة للبشر
نحن عند الحق سر مدخر
لا تزال الشمس تبدي نورنا
غيمنا فيه بروق وسنا
ذاتنا المرآة للحق، اعلم
آية الحق وجود المسلم
دعاء
أنت في الكون كروح مستسر
روحنا أنت، ومنا تستتر
206
منك فيه نغمة عود الحياه
في هواك، الموت محسود الحياه
عد فسكن ذي القلوب البائسه
عد فعمر ذي الصدور اليائسه
عد فكلفنا الفعال الماجدا
ألهبن العشق فينا الخامدا
إننا نشكو تصاريف القضاء
أنت تغلي السعر والأيدي خلاء
207
عن فقير لا تحجب ذا الجمال
عشق سلمان امنحنا وبلال
عين سهد لفؤاد قلق
امنحنا واضطراب الزئبق
آية أظهر من الآي المبين
لنرى أعناق قوم خاضعين
208
أظهر البركان من أعوادنا
وامح غير الله في نيراننا
كفنا ألقت بخيط الوحدة
كم ترى في أمرنا من عقدة؟
209
قد مضينا كنجوم حائره
إخوة لكن وجوه نافره
انظمن في السلك هذا الورقا
جددن سنة حب أخلقا
210
ابعثنا مثل ما كنا لكا
ائتمن فيما ترى أحبابكا
منزل التسليم أبلغ ركبنا
عزم إبراهيم يسره لنا
علمن العشق من أفعال «لا»
رمز إلا الله علم غافلا
211 •••
أنا كالشمع لغيري أحرق
وبدمعي كل حفل يشرق
رب! هذا الدمع نور في القلوب
ذو هياج واضطراب ونحيب
أبذر الدمع فتنمو شعل
نار شقر الروض منها تنصل
212
أمس في قلبي، وعيناي الغد
أنا في الجمع فريد موحد
213
ظن كل أنني نعم السمير
ليس يدري أي سر في الضمير
214
أين يا رباه في الدنيا النديم
نخل سيناء أنا، أين الكليم؟
ظالم نفسي فكم عنيتها
شعلا في صدرها أذكيتها
شعلا للحس تذرو ما به
وتشب النار في أثوابه
215
وبها العقل جنونا علما
وبها أحرق ما قد علما
216
قد علت من حرها شمس السماء
حولها للبرق طوف في الفضاء
كل عرق في نارا يقطر
شعلا ينبت في الشعر
بلبلي يلقط هذا الشررا
فتراه نغما مستعرا
صدر عصري ما بقلب يؤهل
نوح قيس حين يخلو المحمل
217
يخفق الشمع وحيدا ويله
في فراش لا يرى أهلا له
218
كم أرجي مسعدا لي في البشر
ونجيا كم أرجى في الدهر •••
يا من الأنجم منه تستنير!
أرجعن نارك من روحي الكسير
اسلبن نفسي ما أودعتها
عطلن من نورها مرآتها
أو فهب لي وجه خل لبق
هو مرآة لعشق محرق •••
يخفق الموج بموج في العباب
لا يسير الموج إلا في صحاب
ومع الكوكب يسري الكوكب
وعلى الأقمار يحنو الغيهب
ومع الليل نهار أبدا
ومسير اليوم يقتاد غدا
نهرا، أبصر، يفنى في نهر
ونسيم الروض في عرف الزهر
رب حان آهل من شربه
راقص المجنون مجنونا به
أنت يا واحد لا شبه لكا
عالما أنشأته من أجلكا
وأنا مثل شقيقات الفلا
مفرد، في بهرة الجمع خلا
219
هب نجيا يا ولي النعمة
محرما يدرك ما في فطرتي
هب نجيا لقنا ذا جنة
ليس بالدنيا له من صلة
220
روحه أودع من أناتيه
وأرى في قلبه مرآتيه
وأسويه بطيني محكما
وأرى آزره والصنما
221
هوامش
رموز نفي الذات
جد بنفي الذات ذاتا، لا تهاب
اجتهد، والله يهديك الصواب
جلال الدين الرومي
مهداة إلى الأمة الإسلامية
إيه يا منكرا أحاديث عشقي
ليس بي حرقة تكون بغيري
عرفي
1
ختم الله إليك الأمما
بك حقا كل بدء ختما
كم تقي فيك كالرسل منيب
وجريح القلب رفاء القلوب
لك طرف بالنصارى سحرا
وعن الكعبة أبعدت السرى
2
يا من الأفلاك من هبوتها «من رنا الكون إلى طلعتها»
3
سرت كالموج دءوب السفر «أين تبغين مراد النظر؟»
4
كفراش في لظى الحب اصبري
وخذي عشك بين الشرر
أحكمي العشق بروح قد صفا
جددي العهد بحب المصطفى
صحبة النصران قلبي هجرا
حينما وجهك عندي أسفرا
ورفيقي رهن حسن الآخرين
واصف الطرة منهم والجبين
سدة الساقي بخديه يدوس
منشدا قصة غلمان المجوس
5
وأنا فيك قتيل الحاجب
وتراب في حماك الحادب
أنا من نظم مديح أرفع
لست ممن لأمير يركع
كم مرايا صغتها من كلمي
فعن اسكندر تعلو هممي
6
لا ترى المنة جيدي تأطر
من زهور الروض حجري صفر
7
مقدم في الدهر مثل الخنجر
من قلوب الصخر مائي أمتري
8
أنا في نار الحياة الشرر
في ثياب من رمادي أستر •••
قصدت بابك روحي في خشوع
في هدايا من لهيب ودموع
إن في الزرقاء يما يقطر
فوق قلب لاهب لا يفتر
أجمع القطر ربيعا جاريا
9
وإلى روضك أزجي صافيا
قد حبيت الحب من محبوبنا
أنت قلب قد ثوى في صدرنا
10
قذف العشق بقلبي حرقا
صاغ مرآة فؤادي المحرقا
وشققت الصدر، كالورد لك
11
مدنيا مرآته من وجهك
لتنالي نظرة من سحرك
وتري مغلولة في شعرك
12
ثم أشدو قصصا من أمسك
فأذكي حرقا في نفسك •••
أسأل الحق حياة تحصف
لفريق نفسه لا يعرف
نائح والليل ساج سادل
يهجع الناس ودمعي هاطل
تصطلي روحي بحزن وألم
ورد «يا قيوم» أنسي في الظلم
أملا في الصدر صيرت دما
ليرى في أدمعي منسجما
ما احتراقي كشقيق أبدا
فيم أستجدي من الفجر الندى
13
أنا كالشمع دموعي غسلي
في ظلام الليل أذكي شعلي
محفل الناس بنوري يشرق
أنشر النور ونفسي أحرق
ما لناري في الحشا من فترة
ما بأسبوعي فراغ الجمعة
14
إن روحي في سحيق الجسد
آهة ثوب غبار ترتدي
15
مذ براني الحق فجر الخلقة
زلزلت أوتار عودي أنتي
أنة للعشق تفشي سره
آهة في العشق تذكي جمره
تجعل العصف لهيبا يحرق
وفراشا من تراب تخلق
16 •••
في ضمير العشق وسم كالشقر
وله وردة وجد تستعر
هذه الوردة أحبو صدرك
في سبات منك أذكى حشرك
لأرى في تربك الروض الينيع
وبأنفاسك أرواح الربيع
تمهيد في معنى ارتباط الفرد والأمة
رحمة للفرد حجر الأمة
كامل جوهره في الملة
فالزمن الجمع جهد المستطاع
في ذرا الأحرار كن مثل الشعاع
واحفظن ما قاله خير البشر:
كل شيطان من الجمع نفر
فردنا مرآته أمته
وكذا مرآتها صورته
وهما سلك نظام ودرر
أو نجوم تتجلى في النهر
17
قيمة الأفراد جدوى الملة
ومن الأفراد نظم الأمة
18
وإذا الواحد في الجمع نما
كان كالقطرة صارت خضرما
جمع الماضي له في لبه
والتقى الغابر والآتي به
صلة الأمس تراه والغد
وقته لا ينتهي كالأبد
هو بالأمة قلب طامح
وهو بالأمة سعي رابح
روحه من قومه، والبدن
سره من قومه والعلن
بلسان القوم يشدو منطقا
ومن الأسلاف يقفو طرقا
تنضج الفطرة فيه الصحبة
فتراه الفرد وهو الأمة
تحكم الوحدة فيه الكثرة
وهي، بالوحدة فيه، وحدة
19
أفرد اللفظ من البيت ترى
جوهر المعنى لديه انكسرا
20
تسقط الأوراق من غصن ينيع
فترى محرومة وصل الربيع
طفئت أنغام أعواد غناء
فاتها من زمزم الأمة ماء
يحرم الفرد الوحيد المقصدا
فترى نظم قواه بددا
تجمع الأمة شمل المنة
فيه تحبوه عظيم الهمة
نشأت بالقيد حرا مطلقا
أثبتت في الأرض سروا بسقا
21
ظبيه الوثاب مسكا يعبق
إن حواه من نظام وهق
22
أنت لم تعرف «خودي» من «بيخودي»
أنت لا ريب من الشك ردي
23
إن في طينك نورا قد بدا
بشعاع منه أبصرت الهدى
24
كل غم ورضا من دورته
أنت حي بتوالي ثورته
أنت منه أنت حقا، وأنا
أنا، وهو الفرد لا يرضى ثنا
25
يخلق النفس ويذرو ويقر
ذو دلال في خضوع مستتر
26
يأسر الشعلة هذا الشرر
لهب من حره مستعر
27
حرة رهن قيود فطرته
جزؤه بالكل حاطت قوته
لكفاح دائم تنزو قواه
هو يسمى الذات أو يسمى الحياه
يستثير الحرب في جلوته
حين يبدي النفس من خلوته
28
يقطع الجبر عليه الطرقا
وله بالحب فرع سمقا
29
تتشظى الذات في أمتها
لترى الروضة من زهرتها
30
نكتة خذها، كسيف مخذم
وانصرف عني إن لم تفهم
31
في معنى أن الملة تنشأ من اختلاط الأفراد وأن تكميل تربيتها بالنبوة
ما ارتباط الجمع، أنى يوصف؟
قصة أولها لا يعرف
إننا نبصر فردا في الجميع
زهرة نقطف في هذا الربيع
32
فطرة تنهج نهج الوحدة
إنما تزهر وسط الروضة
كل فرد بأخيه ائتلفا
مثل در في سموط ألفا
لفهم في عيشهم معترك
كل فرد بأخيه ممسك
من جذاب تتوالى الأنجم
كوكب من كوكب مستحكم •••
كان ركب الناس مأواه الجبال
ومروج وسهوب ورمال
نسجه ما أحكمت لحمته
فكره ما فتحت زهرته
عوده ما بلحون رنما
لحنه لما يؤلف نغما
لم يثره من رجاء مضرب
لم يخزه بزباني مطلب
33
محفل غفل حديث المولد
جامه من خمره غير ندي
34
لم يرعرع في ثراه نجمه
كرمه ما فار فيه دمه
35
فكره دار لغيلان الخيال
خائف من وهمه في كل حال
ذو وجود ضيق ميدانه
قد أحاطت فكره جدرانه
طينه من خيفة قد خلقا
قلبه من قصف ريح خفقا
روحه من كل صعب تهرب
يده في أرضه لا تضرب
كل ما ينمو بأرض يقطف
كل ما ترمي سماء يلقف •••
ثم يهدي الله ذا قلب بصير
يكتب الأسفار من حرف يسير
عازف في كل نفس ينفث
وحياة في موات يبعث
تقبس الذرة من أنواره
كل قدر حال في معياره
36
ينشر الأنفس منه نفس
بشعاع منه يزهى مجلس
شفة تحيي وعين تجذب
وحدا الأشتات، هذا عجب
37
يهب الناس جديد النظر
يجعل البيد كروض نضر
38
فترى الأمة منه سائره
بلهيب منه حرى ثائره
شررا في قلبها قد أشعلا
فأحال الطين فيها شعلا
سيره يعطي التراب البصرا
فإذا الذرة سيناء ترى
39
عاري العقل بجدواه كسا
وهب الثروة هذا المفلسا
40
ينفخ الجمرة في موقده
ويذيب الغش من عسجده
41
ويفك العبد من أغلاله
ويجير القن من أقياله
قائلا أن لست عبدا فاعلم
أترى قدرك دون الصنم
42
يجذب الإنسان شطر المقصد
جاعل الشرع زماما في اليد
نكتة التوحيد يوحيها إليه
أدب الطاعة يمليه عليه
43
أركان الأمة الإسلامية الركن الأول التوحيد
طوف العقل بدنيا العلل
قاده التوحيد شطر المنزل
أعوز المنزل هذا السابلا
زورق الفكر أضل الساحلا
في «آتي الرحمن عبدا» مضمر
رمز توحيد لقلب يبصر
44
يبتلي التوحيد فيك العملا
فيجلي لك سرا أغفلا
يشرق الدين به والحكمة
ويرى الأيد به والمكنة
قد تجلى حيرة للعالمين
وتجلى عملا في العاشقين
يرتقي في ظله المتضع
ويصير الترب تبرا يسطع
يجتبي التوحيد عبدا ثابرا
فيرد العبد خلقا آخرا
فهو في الحق حثيث دائب
دمه كالبرق فيه لاهب
ريبه يفنى ويحيا العمل
عينه في الكون يقظى تعمل
في «مقام العبد» إن تثبت قدم
جرة السائل تصبح جام جم
45 «لا إله» الروح في أمتنا «لا إله» اللحن في نغمتنا
46 «لا إله» السر في أسرارنا «لا إله» السمط من أفكارنا
صار قلبا إن حواها حجر
كل قلب لم تنره، مدر
يتلظى الكون من زفرتها
ويضيء القلب من وقدتها
وتسيل القلب ماء في الصدور
تصهر المرآة منه في الحرور
شعلة في روحنا مثل الشقيق
كل ما نمتاره منها الحريق
بيض التوحيد مسود البشر
فأبو بكر أخوه وعمر
ليس إلا القلب قرب وابتعاد
وهذه الكأس بها هاج الفؤاد
وحدة القلب قوام الأمة
أشرقت سيناء من ذي الجلوة
قد هدى الأمة سبل العمل
هذه الفكر بها والأمل
نزعة واحدة في قلبها
فعيار الحسن والقبح بها
لا يجيد الفكر في قيثاره
دون نار الحق في أوتاره
47
نحن في الإسلام أبناء الخليل
من «أبيكم» خذ إذا شئت الدليل
48
أمم قد عبدت أوطانها
وبنت من نسب بنيانها
أترى الأوطان أصل الأمم
تعبد الأرض بها كالصنم؟
إنما الأنساب فخر السفهاء
حكمها في الجسم، والجسم هباء
ضمنا في الحق أس آخر
هو في الألباب منا مضمر
قد خلصنا من حدود وقيود
قلبنا في الغيب إذ نحن شهود
49
ضمنا، كالزهر، نظم مضمر
بصر ليس يراه مبصر
50
وحد الرئي لنا والفكرة
كسهام جمعتها جعبة
51
نحن فكر وخيال واحد
ورجاء ومآل واحد
نحن من نعمائه حلف إخاء
قلبنا والروح واللفظ سواء
في معنى أن الخوف والحزن واليأس أمهات الخبائث
52
وقاطعات طريق الحياة، وأن في التوحيد دواء هذه العلل الخبيثة
عدة الموت قنوط محبط
والحياة الحق أن «لا تقنطوا»
53
إنما العيش رجاء يوصل
فقنوط الحي سم يقتل
54
يأسك القبر إليه ترجع
إن تكن ألوند فهو المصرع
55
ربت الخيبة في أكنافه
ونما العجز على ألطافه
56
آه من نوم الحياة المخدر
إنه آية ضعف العنصر
كحله في العين يعمي البصرا
ويرد الصبح ليلا أكدرا
57
نفس منه سموم للحياه
كل ينبوع به جف ثراه
وهو للغم حليف واصل
إنما الغم لحي قاتل
يا سجين الغم أبصر واسمع
من رسول الله «لا تحزن» وعي
58
ذلك النصح سرى في قلبه
فغدا الصديق صديقا به
إنما المسلم مثل الكوكب
باسم في سعيه والدأب
حرر النفس من الغم ودع
إن عرفت الله، أغلال الطمع
قوة الإيمان تحيي فاعلمن
ورد «لا خوف عليهم» فاقرأن
59
قلبه من «لا تخف» قلب سليم
حين يمضي نحو فرعون كليم
60
خوف غير الله قتل العمل
وهو للأحياء قطع السبل
وبه العزم يخاف الغيرا
وترى المقدام منه حذرا
من نما ذا البذر يوما في ثراه
حرمته من تجليها الحياه
فهو فل وهو شاد يعزف
بيد شلت وقلب يرجف
يسرق الرجل قوى تسيارها
يسلب الرأس قوى أفكارها
إن تجلى لعدو خوفكا
هان كالورد، عليه قطفكا
سيفه يزداد فتكا في اليد
عينه فيك حسام لا يدي
61
غلنا الخوف، وكم في بحرنا
من عباب مائج في دهرنا
إن أبى النغمة يوما مزهرك
فمن الخوف تندى وترك
فاعرك الأذن يثر فيه الغناء
ويهز اللحن آفاق السماء
كل شر في فؤاد يضمر
أصله الخوف، إذا ما تبصر
من ديار الموت عين قدما
مثل ميم الموت قلب أظلما
62
عينه تلبيس آثار الحياه
أذنه تدليس أخبار الحياه
63
يزهر الخب به والملق
ونفاق القلب منه يورق
ثوبه للزور ستر والريب
حجره الفتنة فيه والحرب
حرم الخوف طموح الهمة
فهو خدن لحليف الذلة
كل من يفقه سر المصطفى
يجد الإشراك في الخوف اختفى
محاورة السهم والسيف
قال سهم مرهف يوم الزحام
قال للسيف وللحرب ضرام
يا من الجنة في أعطافه
ذو الفقار العضب من أسلافه!
64
خالدا صاحبت يفري الفيلقا
وعلى الشام نثرت الشفقا
65
نار قهر الله في جوهركا
جنة الفردوس مأوى ظلكا!
إنني في الجو أو في جعبتي
حيثما كنت، بجسمي شعلتي
وإذا القوس رمتني للثبور
بصرت عيني بأحناء الصدور
إن خلا الصدر من القلب السليم
ما به يأس ولا خوف مقيم
نفذ النصل خلال الأعظم
فكسوت الجسم درعا من دم
وإذا حلاه قلب مؤمن
نوره الظاهر مما يبطن
ذاب روحي من فؤاد وقدا
وهمى نصلي كقطرات الندى
قصة السلطان عالمكير والأسد
66
إن عالمكير عالي المنزل
من بني تيمور فخر الدول
كان للإسلام منه عزة
ولحكم الشرع فيه حرمة
آخر الأسهم في جعبتنا
في ذياد الكفر عن ملتنا
غرس الإلحاد فينا أكبر
فنما في طبع دارا يزهر
67
وخبا في الصدر مصباح الفؤاد
وبدت أمتنا رهن فساد
فتولى الهند في ذي المحنة
زاهد رب حسام مصلت
اجتباه الحق للدين المبين
اجتباه أجل تجديد اليقين
أحرق الألحاد من برق الحسام
وأنار الدين في هذا الظلام
حرف الجهال عنه ما جرى
فكرهم عن قصده قد قصرا
كان إبراهيم بيت الصنم
في لظى الحق فراشا يرتمي
كان في الأملاك فردا خيرا
زهده من قبره قد ظهرا
68
ذاكم الملك الفقير الجاهد
زينة العرش المليك الماجد
69
سار صبحا موغلا في غيضة
معه من جنده ذو ثقة
في نسيم الصبح نشوان خطر
سامعا تسبيح طير في الشجر
وامحى السلطان في شوق الصلاه
من مجاز حث للحق خطاه
وأتى ليث مهيب فتك
صوته يرعد منه الفلك
شم ريح الإنس بعدا فدنا
وعلى السلطان أهوى البرثنا
فإذا الخنجر منه في اليد
باقرا كالبرق بطن الأسد
لم يفزع قلبه بالبغتة
خال ليث الغاب ليث الصورة
70
ثم للحق دعاه الوله
في صلاة الوجد معراج له
71
مثل ذا القلب الذي لم يهن
داره بالحق صدر المؤمن
إنما العبد أمام الحق «لا»
وهو للزور «نعم» لن يبطلا
72
أيها الغافل! قلبا حصلا
هيئن للحب هذا المحملا
73
ابذل النفس تنلها لا مفر
ذل للحق تنل عز الدهر
أحرقن بالعشق خوفا وانهدا
حملا في الحق ليثا للعدى
إن خوف الله إيمان جلي
ثم تقوى غيره شرك خفي
الركن الثاني الرسالة
تارك الآفل، من قبل الخليل
هو للرسل على النهج دليل
إنه لله فينا آية
ربيت في قلبه ذي الملة «طهرا بيتي» إليه أنزلا
بعد سيل من دموع سيلا
74
قفرة من أجلنا قد عمرا
وبنى البيت الذي قد طهرا «تب علينا» نضرت زهرتها
فنمت في أرضنا روضتها
75
صور الرحمن منا هيكلا
وحباه الروح مما أنزلا
أحرفا كنا ولسنا كلما
فتألفنا كبيت نظما
بالرسالات بدا تكويننا
شرعنا منها ومنها ديننا
ذاك من «يهدي إليه من يريد»
حلقة منها حوالينا يشيد
76
حلقة ذات محيط يعجز
ساحة البطحاء فيها مركز
77
نحن مما جمعتنا أمة
أرسلت للناس فيها الرحمة
موجنا في بحرها متصل
موجة من موجة لا تفصل
أمة في حرز سور الحرم
في حفاظ مثل أسد الأجم
78
إن تحقق ممعنا في كلمي
نظرة الصديق رب الفهم
فالنبي الروح فينا والعصب
وإلى القلب من الرب أحب
سفره في القلب نبع القوة
شرعه حبل وريد الأمة
قطع حبل منه للموت رديف
كذبول الورد في ريح الخريف
حيت الأمة من ترياقه
صبحها نور من إشراقه
وحد المرسل فينا النغما
والطوايا والمنى والألما
كثرة الألاف عين الوحدة
ومن الوحدة نشء الأمة
79
وحدة القصد حياة الكثرة
مقصد المسلم دين الفطرة
علم الفطرة خير الرسل
فمضينا للهدى كالشعل
بحره أخرج هذا الجوهرا
نحن روح واحد منه سرى
هذه الوحدة ما لم تفقد
تحفظ المسلم حتى الأبد
ختم الله علينا شرعته
وعلى المرسل فينا بعثته
80
محفل الأيام منا يبسم
ختم الرسل بنا والأمم
خدمة الساقي إلينا صرفا
جامه الآخر فينا خلفا
لا نبي بعد» فضل عرفا
إنه حرمة دين المصطفى
81
إنه قوة هذي الملة
إنه سر اتحاد الأمة
كل دعوى بعدها للأفن
أحكم الإسلام طول الزمن
ما سوى الحق قلاه المسلم
قائلا: «لا قوم بعدي» فاعلموا
في بيان أن مقصود الرسالة المحمدية تمكين الحرية والمساواة والأخوة بين البشر
عبد الإنسان أصنام البشر
فهو في عدم وذل محتقر
قيصر العسف وكسرى قيدا
منه جيدا ثم رجلا ويدا
ومن القسيس والملك طلاب
بخراج الحقل، والحقل خراب
نصب الأشراك للصيد الضرع
بائع الجنة أسقف الخدع
حقله قد عاث فيه البرهمن
ومجوس أحرقت ما قد خزن
أضعف الرق لديه الهمما
لحنه في عوده سال دما •••
وأمينا بعث المولى به
سلم الحق إلى أصحابه
رفع العبدان بالحق إلى
سرر الخاقان والزورقلى
بث في برد الرماد الشعلا
فعلى برويز فرهاد علا
82
سلب السلطان حزب الآمرين
فسما بالحق قدر العاملين
عزمه هد قديمات الصور
وبنى حصنا جديدا للبشر
بث روحا حيت الموتى بها
وافتدى الأعبد من أربابها
مولد مات به العصر القديم
وبيوت النار والوثن حطيم
أزهر التحرير في روضته
هذه الصهباء من كرمته
عصرنا اللألاء في أنواره
فتح الأعين في أحجاره
83
خط في العالم سطرا مبدعا
أمة فاتحة قد أبدعا
صدرها من وقدة الحق أضاء
ذرة منها أنارت في ذكاء
أشرق الكون بها إذ يبتني
كعبات من بيوت الوثن
ولدتها الأنبياء القدم
فإذا الأتقى لديها الأكرم
إخوة فيها جميع المؤمنين
84
طينها حرية في العالمين
المساواة لديها فطرة
ومن التمييز فيها نفرة
نسلها كالسرو حر قد علا
عهدها أحكم من «قالوا بلى»
85
سجدة الحق بسيماها غرر
قبل النجم ثراها والقمر
قصة أبي عبيد وجابان في معنى الأخوة الإسلامية
86
مسلم في حومة الحرب أسر
قائدا من جيش كسرى ذا خطر
قائد رب خداع ماكر
عجم الأيام ذئب غادر
لم يعرف آسريه باسمه
أو يحدث أحدا عن وسمه
قال للآسر: يا ذا الكرم
آمنني، ذاك شأن المسلم
وضع الجندي في الغمد الحسام
معلنا أن دمك اليوم حرام
وخبت في الحرب نيران العجم
وهوى من آل ساسان العلم
فإذا المأسور جابان الكبير
قائد في جند إيران أمير
أقبل الجند بصوت قارع
يسأل القائد قتل الخادع
بو عبيد قائد العرب الأبي
عزمه في الحرب عن جيش غنى
87
قال يا قوم: ألسنا المسلمين
نغمة واحدة في العالمين
من أبي ذر علت أو حيدر
من بلال سمعت أو قنبر
88
كل جندي أمين الملة
صلحه والحرب عهد الأمة
إن جابان عدو غشيم
لكن الأمن حباه مسلم
دمه اليوم عليكم حرما
أمة المختار! أوفوا الذمما
قصة السلطان مراد والعمار
89
في معنى المساواة الإسلامية
أخرجت أرض خجند صانعا
نال في التشييد صيتا ذائعا
صانعا فرهاد حقا ولدا
لمراد مسجدا قد شيدا
90
غضب السلطان من تقصيره
لم ير الإتقان في تعميره
قدحت عين المليك الشررا
ويد المسكين فورا بترا
سار للقاضي حزينا يجأر
دمه من يده ينهمر
قال: يا من قوله الحق المبين!
يا حفيظا شرع خير المرسلين!
لست للسلطان عبدا فاسمع
حكم القرآن فينا واقطع
91
قرع الحاكم سن المبلس
ودعا السلطان نحو المجلس
فأتى السلطان يخشى ذنبه
هيبة القرآن تدمي قلبه
عينه من خجل للقدم
وعلى خديه لون الندم
وقف الخصمان: خصم يشتكي
وخصيم في ثياب الملك
جهر السلطان: إني نادم
لا أرد الحق إني جارم
وتلا القاضي: حياة في القصاص
ذاك قانون حياة، لا مناص
ليس دون الحر عبد مسلم
وحد المعمار والملك دم
سمع القرآن يملي حكمه
فنضا السلطان فورا كمه
92
إذ رأى الخصم الذي قد فعلا
آية الإحسان والعدل تلا
93
قائلا: لله أعفو وكفى
إنني أعفو لأجل المصطفى
نملة عزت سليمان القوي
انظرن سطوة قانون النبي
جمع القرآن مولى وفتاه
وذوي التيجان سوى بالرعاه
في بيان أن الأمة الإسلامية مؤسسة على التوحيد فلا تحدها الأمكنة
قلبنا الخفاق يأبى موطنا
ريحه العاصف تأبى مسكنا
94
ليس من هند وروم قلبنا
ما سوى الإسلام فيه أرضنا
كعب الشاعر في خير العباد
أنشد المدحة من بانت سعاد
95
نظم الدر منيرا في ثناه
من سيوف الهند سيفا قد دعاه
96
من على الأفلاك فيه رفعة
لم ترقه لبلاد نسبة
قال: سيف من سيوف الله قل
يا نصير الحق زورا لا تقل
وكذاكم قال ذو القدر العلي
من سناه كحل عين الرسل:
لي من دنياكم قد حببا
بعض ما فيها حلالا طيبا
97
إن تكن سر المعاني تعلم
فافهم النكتة في «دنياكم»
كان في الدنيا وفيها ما سكن
ذلك المشرق في ليل الزمن
من سناه قد تجلى العالم
مشرقا إذ كان طينا آدم
لست أدري ما حماه والوطن
أنا دار أنه فينا سكن
98
قد رأى في أرضنا دنيا لنا
وهو في الدنيا كضيف بيننا
إذ أضعنا القلب في هذا اليباب
وفقدنا النفس في هذا التراب
لا تحد الأرض قلب المسلم
لا يرى في تيه أنى وكم
99
ليس للمسلم في الأرض عطن
حائر في قلبه كل وطن
100
حصل القلب ففي وسعته
ضل هذا الكون في فسحته
عقدة الأقوام حل المسلم
هجر الدار الإمام الأعظم
101
أمة ملء الدنى قد أسسا
جعل التوحيد فيها أسسا
صارت الأرض لدينا مسجدا
إذ أشاع الفضل فينا وهدى
ذلك المحمود في الذكر الحكيم
ذلك المحفوظ بالله الرحيم
تفزع الأعداء من هيبته
في ارتعاد من سنا طلعته
فلماذا أرض أهليه هجر؟
أتراه خشية الأعداء فر؟
حجب القصاص معنى القصة
غلطوا في فهم معنى الهجرة
هجرة شرع حياة المسلم
هجرة سر ثبات المسلم
إنها التسيار نحو الوسعة
ولأجل اليم ترك القطرة
102
اهجر الزهرة أجل الروضة
إن هذا الخسر ربح الكثرة
شرف الشمس مسير مطلق
فيه من فوق البرايا تخفق
لا تكن نهرا من السحب يمد
وكن البحر، عبابا لا يحد
اقصدن تسخير كل العالم
لترى سلطان أهل العالم
لا يقيدك مقام في الورى
وكن الحوت يسيح الأبحرا
كل من حرر من ذل الجهات
فلك يزهر من كل الجهات
ترك الورد شذاه فسرى
في فسيح المرج عطرا نشرا
يا أسيرا قد ثوى في روضة
عندليبا هائما في وردة!
سيرن نفسك حرا كالصبا
ثم عانق كل أزهار الربى
احذرن من خدعة العصر الجديد
التباس النهج حاذر يا رشيد
في بيان أن الوطن ليس أساس الأمة
قطعوا الأرحام بين الأخوة
صيروا الأوطان أس الأمة
قدسوا الأوطان إعجابا بها
قسموا الإنسان أسرابا بها
طلبوا الجنة في «بئس القرار» «فأحلوا قومهم دار البوار»
103
محق الجنة هذا الشجر
ليس إلا الحرب فيه ثمر
أنكر الإنسان وجه الإخوة
وانتهت قصة الانسانية
ذهب الإنسان روحا وانقضى
بقيت أقوامه وهو مضى
منصب الدين حواه الساسة
فنمت في الغرب هذي الآفة
دين عيسى بطلت قصته
وخبت في دوره شعلته
عجز الأسقف عن تقديره
حادت الأزلام عن تدبيره
قوم عيسى حقروا بيعته
أبطلوا في سوقهم سكته
مزق الدهري ثوب المذهب
ومن الشيطان قد وافى نبي
ذا الفلورنسي عبد الوثن
كحله أودى بنور الأعين
104
خط للأملاك سفرا منكرا
وبذور الحرب فينا بذرا
مزق الحق بحد القلم
فطرة تؤثر عيش الظلم
آزر العصر، بدا تزويره
خطة بدعا جلا تفكيره
جعل الملك إلها دينه
كل قبح ناله تحسينه
جعل النفع عيار الذمم
حينما خر لهذا الصنم
105
صارت الحيلة فنا محكما
ونما الباطل مما علما
خطة للوهن فينا حبكا
في طريق الدهر ألقى حسكا
أرمد الناس بهذي الحكمة
إذ دعا التزوير بالمصلحة
في بيان أن الأمة المحمدية ليس لها حدود زمانية أيضا
أرأيت الطير في عرس الربيع
وهياج الكم والورد الينيع
وعروس الزهر نشوى النغم
وعلى الأرض قرى من أنجم
غسل العشب دموع السحر
وشدا الماء لنوم النهر
وإذا الكم على الغصن ربا
منحته حجرها ريح الصبا
دمى البرعوم من قطفته
ومضى كالريح عن روضته
106
عشش الورق وطار البلبل
وشذى فر وطل ينزل
107
ليس يكرى من ربيع رونق
حين تذوى زهرات تعبق
محفل الأزهار باق يضحك
لا يبالي كنزه ما يهلك
موسم الأزهار أبقى في الدهر
هو أبقى من ورود وزهر
108
لا يبالي جوهرا قد كسرا
معدن ينمي ويبدي الجوهرا
كم شروق وغروب، لا مقر!
أكؤس تؤخذ من دن الدهر
خمرة من شربها لا تنفد
تذهب الآماس والباقي الغد
109
ثابت في الدهر تقدير الأمم
من مسير الغد سيار القدم
يسفر الخل وتبقى الصحبة
يرحل الفرد وتبقى الأمة
110
ولها عيش وموت آخر
ثم ذات وصفات أخر
ينشأ الفرد من الطين القليل
تولد الأمة من قلب جليل
نفس الأمة يحصى بالمئين
ويعيش الفرد عشرات سنين
وحياة الفرد روح في بدن
وحياة الشعب في حفظ السنن
موت فرد نضب ورد للحياه
موت قوم ترك قصد للحياه •••
كممات الفرد تفنى الأمم
ولها يوما قضاء يحتم
أمة الإسلام تأبى أجلا
أصلها الميثاق في «قالوا بلى»
111
لا تخاف الموت هذي الأمة «نحن نزلنا» لديها حجة
112
دام ذكر ما أقام الذاكر
بدوام الذكر دام الذاكر
113
ذلك المصباح أنى يطفأ؟
قال ربي عالما: «أن يطفئوا»
114
أمة الحق إلى الحق تنيب
أمة يعشقها أهل القلوب
115
مصلت بالحق ذا السيف الصقيل
مصلت من غمد آمال الخليل
116
ما سوى الحق محاه برقه
ليعيد الحق حيا نطقه
نحن للتوحيد أقوى حجة
للكتاب اختارنا والحكمة
117 •••
أضمر الدهر علينا ثاره
مخفيا في صدره تاتاره
أطلق الفتنة من أحبالها
ورمى بالطود من أثقالها
فتنة موطئها هام الأمم
نظرة من طرفها قتل عمم
ألف هول في حشاها يرقد
ليس للأمس بمثواها غد
سطوة الإسلام للترب هوت
ما رأت بغداد روما ما رأت
لكن اسأل ذلك الدهر المليم
محدث الأفعال ذا المكر القديم
روضنا كان لهيب التتر
حلينا كان نثار الشرر
118
فلإبراهيم فينا فطرة
وإلى المولى لدينا نسبة
من لهيب قد جنينا زهرا
نار نمرود رددنا كوثرا
كل نار يوقد الدهر لنا
زهرات حين تأتي روضنا •••
ذهب الروم وفض الموكب
شرقها أقوى وأقوى المغرب
كأس ساسان من الغم دم
حان يونان خراب مظلم
119
وعنت مصر لدهر عرم
وثوت أعظمها في الهرم
وأذان الحق فينا خلدا
أمة الإسلام تبقى أبدا
إن للكون من العشق حياه
وبه أجزاؤه شدت قواه
أحيت العشق قلوب تسعر
شبها من، لا إله، الشرر
120
إن نكن كالكم نطوى كمدا
فردانا فيه للروض ردى
121
في بيان أن الأمة لا تنتظم بغير شريعة وشريعة الأمة المحمدية القرآن
أمة خلت يداها السننا
ككثيب من رمال وهنا
سيرة المسلم شرع وكفى
ذلكم باطن دين المصطفى
بانتظام الصوت تعلو النغمة
وهي من دون نظام ضجة
إنما في الحلق موج من هواء
يعلق النظم به فهو غناء
صاح هل تعلم ما سنتكا؟
أي سر ضمنت قدرتكا؟
الكتاب الحي والذكر الحكيم
حكمة في الدهر تبقى لا تريم
إن فيه سر تكوين الحياه
يستمد النكس أيدا من قواه
لفظه لا ريب أو تبديل فيه
آيه لا لبس أو تأويل فيه
قوة فيه تشد الخورا
وبها يرمي الزجاج الحجرا
قطع الأشراك عن صيد كسير
فدعا الصياد منه بالثبور
ذا بلاغ آخر للمرسلين
قد تلاه «رحمة للعالمين»
ترفع الخامل فيه رفعة
وتقيم الرأس منه سجدة
قاطعو الطرق هداة صيروا
من كتاب، كم كتاب سطروا
والبوادي من سراج زهرا
قد أضاءوا بالعلوم الفكرا
122
الذي يصدع منه الجبل
وعلى الأفلاك منه وجل
123
ذلك الينبوع من آمالنا
قد حواه الصدر من أطفالنا
انظر الظمآن في حر القفار
عينه حمراء من وقد النهار
عنسه كالظبي في تعدائها
دمها كالنار في رمضائها
طائف الصحراء يأبى الجدرا
ضارب في البيد يقلى الحضرا
خفقت في قلبه هذي السور
فاستقر الموج فيه كالدرر
124
قرأ الدرس من الآي المبين
فغدا بالحق حرا لا يمين
حكم الدنيا جميعا عدله
عرش جم وطئته رجله
125
مدنا قد شيدت هبوته
ورياضا أنبتت زهرته
126 •••
إن إيمانك في قيد الرسوم
سنن الكفر لك السجن المقيم
أمركم قطعتمو فهو «زبر»
مسرعي السير إلى شيء نكر
127
سكر الصوفي من أحواله
وانتشى باللحن من قواله
128
قلبه شعر العراقي تلا
ومن القرآن أقوى وخلا
129
تاجه والعرش صوف وحصير
فقره يجبي رباطا للفقير
130
وأخو الوعظ جزافا قائل
كلم عال، ومعنى سافل
قوله من ديلمي وخطيب
فعله حلف ضعيف وغريب
131
لكتاب الله حق. فاقرأن
كل ما تبغيه منه فاطلبن
في بيان أن التقليد في زمن الانحطاط أولى من الاجتهاد
عصرنا هذا مليء بالفتن
طبعه خلق شرور ومحن
محفل الماضين فيه مقفر
صوحت فيه حياة تنضر
أنكرت أنفسنا أنظارنا
وجفت نغمتها أوتارنا
شعلة التوحيد فينا سلبا
ناره والنور منا سلبا
وإذا ما اعتل تقويم الحياه
فمن التقليد للقوم نجاه
سنن الآباء حبل الملة
ومن التقليد جمع الأمة
يا خليا في خريف من ثمر
ارقب الغيث ولا تجف الشجر
132
قد حرمت البحر فاذكر خسركا
يا قليل الماء واحفظ نهركا
133
فعسى سيل الجبال الهادر
منه في مجراك لج زاخر
حال إسرائيل فيها تبصره
إن تكن روحك روحا مبصره
انظرن كيف ابتلاها الزمن
وعرتها في الخطوب المحن
وجهها في كل حين يلطم
كاد في أعراقها يفنى الدم
عصرت عنقودها كف الخطوب
ذكر هارون وموسى في القلوب
إن خبا في اللحن منها قبس
لم يزل في الصدر منها نفس
سار في إثر الجدود المحمل
حينما انفض لديها المحفل
يا من انفض له جمع وجاه
وخبا في صدره شمع الحياه
آية التوحيد في القلب اسطرا
ومن التقليد أمسك بالعرى
اجتهاد في زمان القهقرى
يذهب الأقوام منه شذرا
اقتداء برسوم الأولين
هو أولى، لا اجتهاد الغافلين
لم يصب آباؤنا بالهوس
طهرت أعمالهم كالأنفس
فكرهم كان رقيقا مرهفا
فعلهم أوفى بشرع المصطفى
فكر الرازي ونجوى جعفر
أين؟ والعرب هداة البشر
ضيق الدين علينا يسره
وادعى كل لئيم سره
قد جهلت الدين عنه حائدا
الزمن يا حر نهجا واحدا
باح لي بالسر نباض الحياه
أنما في الخلف مقراض الحياه
134
وحدة الشرع حياة الأمة
فمن القرآن روح الملة
نحن طين وهو قلب لا جرم
هو «حبل الله» من شاء اعتصم
فانتظم في سلكه كالدرر
أو غبارا في الرياح انتثر
في بيان أن كمال سيرة الأمة من اتباع الشرع الإلهي
لا تقل في الشرع معنى مضمر
ليس إلا النور تحوي الدرر
جوهر أبدع فيه القادر
جوهر باطنه والظاهر
ليس علم الحق غير الشرعة
ليس غير الحب أصل السنة
شرعنا للفرد مرقاة اليقين
ترتقي منه مقامات اليقين
135
شرعة الحق نظام الأمم
ومن النظم دوام الأمم
إن فيه الأيد يا من أخلصا
اليد البيضاء فيه والعصا
قام للإسلام بالشرع قوام
بدؤه الشرع وبالشرع الختام
لك أبدي نكتة الشرع المبين
أنت من في حكمة الدين أمين:
إن يعارض ذو عناد مسلما
في أداء النفل ما إن لزما
صار هذا النفل فرض الأمة
فالحياة الحق عين القدرة
وإذا جيش عدو في الوغى
ترك الإعداد والسلم بغى
وقضى أوقاته في الدعة
تاركا للحرب أخذ العدة
فحرام أخذه بالبغتة
قبل أن يأخذ كل الأهبة
سر هذا الأمر يا ذا البصر:
الحياة العيش بين الخطر
يتحداك برضوى العاليه
في امتحان لقواك العاتيه
136
ويناديك أن اقصم ظهرها
وبحد السيف فاصهر صخرها
ليس كفء الليث في صولته
حمل يرجف في ذلته
إن حكى الصعوة صقر كاسر
فهو كالصعوة واه خائر
كتب الشارع رب الحكمة
لك هذا اللوح ، لوح القدرة
يشحذ العزم بنار العمل
ويرقيك لأعلى منزل
وإذا تلغب يعطيك القوى
ويربي منك طودا ما خوى
إن دين المصطفى دين الحياه
شرعه للناس قانون الحياه
إن تكن أرضا يصيرك السماء
ويربيك كما الحق يشاء
يصقل المرآة من صخر شديد
وينقي الرين من قلب الحديد
ضيع القوم شعار المصطفى
ضيعوا رمز بقاء عرفا
ذلك الغصن العسي المعتلي
مسلم الصحراء رب الجمل
الذي البطحاء أزكت غرسه
ورياح البيد ربت نفسه
أذبلته اليوم ريح العجم
صيرته الناي روح العجم
قاتل الآساد ذبح الغنم
وطء نمل مسه بالألم
من أذاب الصخر من تكبيره
راعه البلبل في تصفيره
من علا الطود سريعا مصعدا
غل بالتكلان رجلا ويدا
من برى الأعناق ضربا عضبه
يلدم الصدر ويدمى قلبه
موقظ الآفاق من خطواته
قيدت رجلاه في خلواته
من أطاع الناس طرا أمره
واجتدى دارا وكسرى بره
رضي القنع وأكدى جده
وارتضى الكدية عزا جده
شيخنا أحمد من في قربه
تكسب الشمس سنا من قلبه
137
قال يوما لمريد فهم
احذرن يا صاح فكر العجم
فكرهم إن كان للنجم ارتقى
فهو من سنتنا قد مرقا
يا أخي فاسمع لهذا الرشد
استمع نصح الإمام المرشد
وبهذا الحق فاشدد قلبكا
واتبع العرب تصب شرعتكا
في بيان أن حسن سيرة الأمة من التأدب بالآداب المحمدية
سائل مثل قضاء مبرم
صاح بالباب بصوت مبرم
138
بالعصا صلت عليه غضبا
فهوى من يده ما قشبا
139
إن هذا العقل في شرخ الشباب
لا يبالي بضلال وصواب
ورأى الوالد فعلى فنفر
وذوى في وجهه روض الزهر
آهة في فمه تلتهب
قلبه في صدره يضطرب
كوكب في عينه قد ومضا
نور الهدب قليلا ومضى
140
روحي الغافل في الجسم ارتعد
ومضى الصبر وخلاني الجلد
مثل فرخ في الخريف انتفضا
من رياح الليل في العش قضى
قال لي الوالد: يوم المحشر
تلتقي أمة خير البشر
الغزاة الغر من أمته
وأولو الميراث من حكمته
والنجوم الزهر أرباب الصفاء
حجة الدين فريق الشهداء
وأولو العلم وأرباب القلوب
وأولو الزهر وأصحاب الذنوب
وعلا في لج هذا المحشر
صوت هذا السائل المنكسر
أيها الحائر في ذا الموكب!
ما جوابي حين يلحاني النبي
قد حباك الحق طفلا مسلما
لم تنله من كتابي مغنما
هين الأشياء قد شق عليك
لم يصر ذا الطين إنسانا لديك
141
وأنا في العتب من خير الرسل
بين خوف ورجاء وخجل
أفكرن في الأمر واذكر يا بني
أمة المختار إذ ترنو إلي
لحيتي البيضاء في الحشر انظر
رعدتي في الخوف والحزن اذكر
لا تزد عبء أبيك الوهن
عند مولاي غدا لا تخزني
أنت كم في فروع المصطفى
فتفتح في ربيع المصطفى
نظرة من روضه فالتمس
وسنا من خلقه فاقتبس
مرشد الروم الذي قطرته
قد حوت بحرا، سمت قولته:
142
لا تجذ الحبل من خير البشر
لا تقل عندي فنون وبصر
فطرة المسلم طرا رأفة
قوله والفعل كل رحمة
العظيم الخلق من شق القمر
رحمة عمت ونور للبشر
لست من معشرنا فاعتزل
إن تكن منه بعيد المنزل
طائر أنت على دوحتنا
شدوه واللحن من نغمتنا
إن تكن ذا نغمة لا تفرد
بسوى بستاننا لا تغرد
143
كل من أوتي حظا من حياه
في سوى بيئته يلقى رداه
بلبل أنت؟ ففي الروض امرح
ومع السرب بلحن فاصدح
إن تكن صقرا فلا تغش البحار
ليس إلا خلوة الصحراء دار
144
أو تكن نجما فنور في سماك
لا يكن مسراك إلا في الحباك •••
قطر نيسان اجمعن إن ترد
واجعلن في الروض مأواه الندي
145
لتراه مثل قطرات الندى
تحضن الأكمام منها ولدا
وانشف الأنداء من جوهرها
واسلب اللألاء من عنصرها
بشعاع الصبح وضاء البكر
الذي من سحره ينمو الزهر
146
لن ترى درك إلا كالحباب
لن ترى سعيك إلا في سراب
ألقها في اليم تعقد جوهرا
ماؤها يسطع نجما نيرا
قطر نيسان عن اليم نأى
لجفاف، لن تراه لؤلؤا •••
طينة المسلم در يا بني
ماؤها والنور من بحر النبي
قطر نيسان! فغص في موجه
وابرزن، درا صفا، من لجه
صاح! من شمس الضحى كن أنورا
كن ضياء ليس يخبو الدهرا
في بيان أن حياة الأمة تحتاج إلى مركز محسوس وأن مركز الأمة الإسلامية البيت الحرام
عقدة تنحل من أمر الحياه
حين أفشي لك من سر الحياه:
كخيال جفلت من نفسها
حرة قد نفرت من حبسها
147
وقتها ما فيه أمس وغد
في دنى الأوقات ليست تصفد
انظرن نفسك حينا واعتبر
لست إلا جولانا يستمر
شعلة فيها أعدت سترها
من دخان فأشاعت سرها
ماؤها قد عقدته في درر
ليرى السير سكونا في النظر
نارها في نفسها تخفي الحريق
وترى في الغصن أزهار الشقيق
148
فكرك العاجز عنها أوهما
طيران اللون وردا جسما
149
ما أوى للعش هذا الطائر
هو طير وهو لون طائر
150
هو حر وحواه محبس
وهو في النوح لحونا ينبس
151
ريشه ينسل طيرا كل حين
يخلق الأسباب منه كل حين
عقدا تعقد في أعمالها
وتحل العقد في تجوالها
تسكن الطين على إسراعها
لتزيد السير في إهطاعها
152
كم لحون في جواها رقد
يومها ميلاد أمس وغد
في سهول كل حين وحزون
كل حين في اختراع وفنون
إن تكن كالريح تأبى محبسا
تنزل الصدر فتدعي نفسا
حولها من خيطها ناسجة
حولها من خيطها عاقدة
هي في العقدة مثل الحبة
مضمر فيها فروع الدوحة
تفتح العين على ما تضمر
فإذا الدوحة منها تظهر
خلعة الطين عليها ترفد
فإذا عين وقلب ويد
153
تؤثر الخلوة في الجسم الحياه
وتجلي نشأة العم الحياه
154
هكذا سنة ميلاد الأمم
مركز فيه حياة تنتظم
155
إنما المركز روح الدائرة
نقطة، فيها محيط، ضامرة
ومن المركز للقوم نظام
ومن المركز للقوم دوام
نقطة المركز منا الحرم
لحننا والوجد فينا الحرم
نفس في صدرنا يتقد
روحنا الغالي، ونحن الجسد
من نداه نضرت أغصاننا
حي من زمزمه بستاننا
نحن من دعواه في الدنيا دليل
نحن فيه من براهين الخليل
156
صوتنا يندى به في الأمم
واصلا محدثنا بالقدم
وحد الملة طوف حوله
فهي صبح قد حوى صدر له
وحدت في حسبه كثرتنا
أحكمت من وحدة قوتنا
157
إن في الجمع حياة الأمم
إن هذا الجمع سر الحرم •••
أيها المسلم يا ذا البصر!
قوم موسى عبرة فاعتبر
زهدوا في مركز قد جمعا
فتراهم في البرايا قطعا
158
يا عليلا شاكيا جور الزمن
يا أسيرا غله وهم وظن
اجعلن ثوبك ثوب المحرم
أطلع الصبح بليل مظلم
افن كالآباء ما بين السجود
اسجدن حتى ترى عين السجود
159
من خشوع المسلمين الأولين
سيطروا بالحق بين العالمين
في سبيل الحق شوكا وطئوا
فإذا الروضة هذا الموطئ
في بيان أن الاجتماع الحقيقي من الاستمساك بمقصد، ومقصد الأمة الإسلامية حفظ التوحيد ونشره
اعرفن عني لسان الكائنات
ففعال الكون فيها كلمات
ينظم المقصد أشتات الحياه
فتراها «مطلعا» راع الرواه
160
طرفنا من تحت مهماز الطلب
صرصر ما ند عنه من أرب
إنما يبقي الحياة المقصد
هو أشتات قواها ينضد
حينما تدري الحياة المطلبا
تجعل الكون إليه سببا
وبه الأشياء طرا تنقد
فترد الشيء أو تعتقد
161
يبحر الربان أجل الساحل
وإلى المنزل سير السابل
وعلى قلب الفراش الحرق
لسراج حوله يحترق
162
طاف قيس في الصحاري ولها
قاصدا ليلاه يرجو وصلها
ما اقتفينا في الصحاري أثرا
منذ ليلانا أقامت في القرى
إنما المقصود روح العمل
كيفه والكم منه تجتلي
163
دوران الدم في أعراقنا
مسرع بالجد في أغراضنا
الحياة الحق منه تستعر
تجمع النار به مثل الشقر
164
هو مضراب لعود الهمة
مركز يجذب كل القوة
حرك الأعضاء في ركب البشر
جامعا شتى عيون في نظر
165
فكن المجنون في هذا الحبيب
طف به طوف فراش باللهيب
أبدع القمي فيما أسمعا
علم الأوتار معنى مبدعا
166
رام نقش الشوك حينا رجل
فاختفى عن ناظريه المحمل
لحظة يا صاحبي إن تغفل
ألف ميل زاد بعد المنزل
ذاكم العالم دير قدما
بامتزاج الأمهات انتظما
167
كم وكم ينبت من مقصبة
ليراع فيه نار النوحة
كم تدمت من يديه روضة
لتربى من شقيق زهرة
168
كم ترى نقشا وكم تمحو يداه
ليرى نقشك في لوح الحياه
كم من الأرواح بثت أنة
لتعالى من أذان نغمة
169
ورجال الزور دهرا رببا
وعلى الأحرار والى الحربا
ثم في طينك إيمانا بذر
كلمة التوحيد من فيك نشر
نقطة دار عليها العالم
كلمة صار إليها العالم
قوة فيها تدير الفلكا
وبها الشمس تنير الحلكا
لؤلؤ البحر نما من نورها
وبه الموج طما من نورها
نفحها صير طينا سنبلا
وجدها صير ريشا بلبلا
170
في عروق الكرم منها شعلة
وبطين الكأس منها لمعة
لحنها في مزهر الكون استتر
أيها العازف! يدعوك الوتر
نغمات فيك تسري كالدم
أعمل المضراب في ذا النغم
كلمة التوحيد منك المقصد
أنت للتكبير فيها توجد
171
الجهاد المر حلف المسلم
أو يدوي الحق بين الأمم
أنت لا تدري بآيات الكتاب
أمة العدل يسمينا الخطاب
أنت في الأيام نور وبصر
شاهد أنت على كل البشر
172
ادعون كل لبيب، أبلغ
وعن الأمي قولا بلغ
قوله ما فيه نطق عن هوى
صادق ما ضل يوما أو غوى
173
نبض هذا الكون قد جست يداه
فتجلى سر تقويم الحياه
نضر الأزهار في روض الدهر
ومحا الأدناس عنها والكدر
دينه فيه الحياة الخالده
لا تراها عن هداه حائده
أيها التالي الكتاب المنزل
شمرن، لا تقعدن عن عمل
يعشق الأصنام عقل الأمم
ناحت أو عابد للصنم
هو أحيا سنة من آزرا
محدثا فيها إلها للورى
اسمه لون ودار ونسب
هو من سفك دماء في طرب
174
وعلى أقدام هذا الصنم
ذبح الإنسان ذبح الغنم
أيها الشارب من كأس الخليل!
يا حمي النفس من طاس الخليل!
سيف «لا موجود إلا هو» خذ
وبه الأصنام هذي فاجذذ
في ظلام الدهر أشرق للملا
وانشرن حقا عليك اكتملا
175
خجلتا لك في اليوم العسير
حينما يسألك الهادي البشير:
قد أخذت الحق عني ما دهاك
لم تبلغه بحق لسواك!
في بيان أن توسيع حياة الأمة بتسخير قوى العالم
مؤمنا بالغيب غير الغافل!
كارها كالسيل قيد الساحل!
اعل عن ذا الطين غصنا ناضرا
وصل الغائب واغز الحاضرا
ذلك الحاضر تفسير الغيوب
وهو مفتاح لتسخير الغيوب
ما سوى الله لتسخير العمل
صدره للرمي، فاقذف لا تبل
ما سوى الله تراه يخلق
لترى سهمك فيه يمرق
176
عقدة تلقاك بعد العقدة
ليرى في الحل لطف الحيلة
فسرن يا كم! روضا نفسكا
سخرن يا طل! ذي الشمس لكا
من يسخر عالم الحس سما
ومن الذرة يخرج عالما
كل ما في الكون من بحر وبر
لوح تعليم لأرباب النظر
أيها النائم طالت غفلته
عالم الحس جفته همته
قم وفتح بصرا قد سكرا
لا تحقر عالما قد حقرا
إنه توسيع ذات المسلم
وامتحان لصفات المسلم
هو يبلوك بسيف الزمن
لترى أن دما في البدن
اضرب الصدر بفهر القوة
اختبر عظمك في ذي الصدمة
جعل الحق الدنى للخيرين
وجلاها لعيون المؤمنين
هذه الدنيا طريق الظعن
هذه الدنيا محك المؤمن
فأسرنها قبل أن تأسركا
لا تضع في جوفها جوهركا
أدهم الفكر الذي يطوي الفضاء
والذي يجتاز آفاق السماء
ساقه في الكون حاجات الحياه
فهو في الأرض وفي النجم خطاه
يبتغي في الكون تسخير القوى
لترى فيه بأعلى مستوى
نائب الحق، بحق آدم
حكمه في الأرض ماض حاكم
177
لك من ضيقك منها سعة
ولأعمالك فيها فسحة
صهوة الريح اعلونها آمرا
ألجمن هذا الجواد النافرا
شق قلب الطود عن جوهره
شق موج البحر عن در به
ألف كون في فضاء تكفت
رب شمس قد حوتها ذرة
بشعاع أظهرن ما احتجبا
واكشفن عن كل سر حجبا
من شعاع الشمس نارا فاقبس
ومن السيل بروقا فاخلس
178
ثابت الأنجم أو سيارها
التي قد عبدت أنوارها
كلها يا صاح عبدان لكا
وإماء سخرت من أجلكا
سيرن فكرك فيها عسسا
سخرن آفاقها والأنفسا
افتح العين وأنعم نظرا
أبصرن في الراح معنى مضمرا
كم ضعيف في قوي أمرا
حين في الكون أجال البصرا
أيها المقصود من أمر «انظروا»
كيف في آفاقها لا تنظر؟
179
قطرة من نفسها ذات خبر
خمرة في الكرم، طل في الزهر
وهي في البحر تراها جوهرا
جوهرا كالنجم في الليل سرى
كالصبا لا تهف حول الصور
اطلبن في الروض معنى الزهر
دون مضراب لحونا سيرا
ومن الأحرف طيرا طيرا
180
أيها الظالع في حزن الحياه
أيها الغافل عن طعن الحياه
بلغ السعي الرفاق المنزلا
أنزلوا ليلى وحطوا المحملا
وبقيت اليوم قيسا مبلسا
في الصحاري عاجزا مستيئسا «علم الأسماء» فخر الآدمي
181
حكمة الأشياء نصر الآدمي
في بيان أن كمال حياة الأمة أن تشعر بنفسها كالأفراد وأن توليد هذا الشعور وتكميله من الاحتفاظ بسنن الأمة ورواياتها
أرأيت الطفل يا ذا البصر!
ما له عن نفسه من خبر
ليس يدري ما قريب وبعيد
كرة النجم بكفيه يريد
ما سوى الأم يرى منه الجفاء
همه أكل ونوم وبكاء
ليس تدري أذنه ما النغمة
لحنه ثورته والضجة
فكره غفل ضعيف الأثر
قوله فيه صفاء الجوهر
ليس في تفكيره إلا السؤال
أين؟ أنى؟ ومتى؟ في كل حال
كل نقش عنده ينطبع
وهو كل غيره يتبع
عينه إما بكف تطبق
تتنزى روحه في قلق
فكره في الجو واه حذر
كصقير لاصطياد يخبر
خلف صيد في حذار يرسله
ثم يدعوه إليه يعجله
182
ثم غشاه لهيب الفكر
فرمى خذروفه بالشرر
183
فتراه عينه مستعلنا
فيدق الصدر يعني: ها أنا
184
ومن الذكرى ينمي نفسه
غده يربط فيه أمسه
ينظم الأيام خيط الذهب
نسق الدر بسمط معجب
جسمه يرمي ويكري قائلا: «مثل ما كنت أراني ماثلا
185
أنا» هذي بدء مقصود الحياه
نغمة اليقظة في عود الحياه
مثل الأمة حين النشأة
مثل الطفل ضعيف المنة
هي طفل نفسه لا يعرف
جوهر غشى عليه الصدف
يومه بالغد لم يوصل ولا
بصباح ومساء سلسلا
وبعين الكون إنسانا يرى
كل شيء ما عداه أبصرا
186
بعد لأي طرف الخيط بدا
بعد ما حلت يداها العقدا
187
فإذا راز قواها الدهر
يتجلى ذا الشعور المضمر
188
أسطرا، تمحو، وأخرى تسطر
صفحات بيديها تزبر
يبلس الفرد إذا ما انتثرا
عقد أيام عليه قدرا
نور قوم من مداد السير
نفسه يعرفها بالذكر
أمة قد نسيت سيرتها
ينسخ الدهر غدا آيتها
أنت سفر كتبته السيرة
خيطه أيامك الموصولة
ثوبنا أيامنا في الزمن
وخياط الثوب حفظ السنن
189
ما ترى يا غر تاريخ البشر؟
قصة! أسطورة؟ لهو سمر؟
في سناه أنت بالنفس بصير
في هداه أنت بالسير خبير
إنه أعصاب جسم الأمة
إنه في الروح مثل الشعلة
هو يجلوك كسيف مخذم
ثم يرمي بك بين الأمم
أي عود ذي فنون تسحر!
نغمات الأمس فيه تؤثر
خامد الشعلة، فيه يشعل
يومه للأمس فيه موئل
شمعه كوكب بخت الأمم
وسنا اليوم وأمس المظلم
عينه تبصر ما قد عبرا
وترى الماضي حيا محضرا
وعتيق الراح في كاساته
وخمار الأمس في نشواته
صائد يرجع في أشراكنا
طائرا قد طار من بستاننا
فاذكر التاريخ واستحكم به
عش بأنفاس مضت، في طبه
أحكمن وصلة يوم وغد
والحياة امض بها طوع اليد
وقد الأيام قسرا بمهار
أو فعش أعمى بليل ونهار
190
صاح! من ماضيك يبدو حالكا
ومن الحال بدا استقبالكا
إن ترد خلد حياة فصل
ما مضى بالحال والمستقبل
في بيان أن بقاء نوع الإنسان بالأمومة وأن حفظ الأمومة واحترامها من أصول الإسلام
نغمات المرء عزف المرأة
هو من محنتها في عزة
كست الذكران ربات الحجال
إن ثوب العشق من نسج الجمال
191
عشق الحق رباه حجرها
ذلك اللحن حواه صدرها
الذي قد بهر الكون سناه
قرن الطيب إليها والصلاه
192
جهل القرآن جهلا مسلم
قد رآها أمة لا تعظم
إنما الأم علينا رحمة
وإلى الرسل لديها نسبة
رأفة المرسل في رأفتها
سير الأقوام من صنعتها
ومن الأم علت أقدارنا
وبسيماها بدا مقدارنا
193
لفظة الأمة فيها نكت
أترى فكرك فيها يثبت؟
إنما الأمة من وصل الرحم
دونه أمر حياة لا يتم
قال خير الخلق، وهو الحجة:
تحت رجل الأمهات الجنة
كشفت بالأم أسرار الحياه
بخلال الأم تسيار الحياه
وبها في نهرنا يعلو العباب
ويدوم الموج فيه والحباب •••
هذه الغرة بنت القرية
عبلة الجسم وغفل السحنة
حية العين، كهام المقول
دون تعليم وصقل الصيقل
194
ألم الأم عليها يثقل
وجهها يعرب عما تحمل
أمرنا يحكم من آلامها
صبحنا يشرق من إظلامها
195
إن تهب من حجرها للأمة
مسلما حقا عظيم النجدة
والتي رقت وخفت محملا
باطن المرأة فيه عطلا
196
شع نور الغرب في فكرتها
وترى الثورة في مقلتها
قطعت أوصال هذي الأمة
حين طاشت عينها بالنظرة
إن حريتها أصل البلاء
إن حريتها فقد الحياء
ليلها ما ضاء في نجمها
لم يطق أعباء أم علمها
197
ليتها لم تنم في روضتنا
ليتها تغسل من حلتنا •••
أنجم التوحيد في غيب الأبد
مضمرات ليس يحصيها عدد
لم تسيب بعد من قيد العدم
لم تقيد بعد في كيف وكم
جلوات في دجانا تضمر
في ظلام الكون عنا تستر
قطرات لم تزن زهر الربى
وزهور لم تفتحها الصبا
إنما تنبت هذه الزهرات
ناضرات في رياض الأمهات
أيها العاقل! مال الأمة
ليس من عقيانها والفضة
إنه أولادها ملء الأمل
في ذكاء ونشاط وعمل
تحفظ الأم إخاء الأمة
وقوى قرآننا والملة
في بيان أن سيدة النساء فاطمة الزهراء أسوة كاملة للنساء المسلمات
أم عيسى نسبة واحدة
بثلاث تزدهي فاطمة:
قرة العين لخير الأولين،
خاتم الرسل، وخير الآخرين
نافخ الروح بدنيا الوهن
خالق العصر جديد السنن
وهي زوج المرتضى ذا البطل
أسد الله الحكيم الفيصل
ملك في الكوخ زهدا قد أقام
كل ما يملك درع وحسام
وهي أم السيدين الأكرمين
حسن خير حليم وحسين
ذا سراج في ظلام الحرم
حافظ وحدة خير الأمم
ازدرى الملك ابتغاء الألفة
أطفأ النيران بين الإخوة
ذاك في الأبرار رب العلم
أسوة الأحرار في الخطب العمي
سيرة الأولاد صنع الأمهات
وخلال الخير طبع الأمهات
زهرة في روضة الصدق البتول
أسوة النسوة في الحق البتول
فاقة السائل أذرت دمعها
ليهودي أباعت درعها
198
كل من في الأرض قد طاع لها
ورضاها حين ترضي بعلها
نشئت ما بين صبر ورضى
في الفم القرآن، والكف الرحى
دمعها من خشية الله جرى
في مصلاها يفوق الجوهرا
لقط الروح الأمين الدررا
وعلى العرش المعلى نثرا
أنا لولا الشرع عن هذا نهى
وإلى شرع الرسول المنتهى
طفت حول القبر إجلالا لها
ناثرا من سجداتي حولها
خطاب إلى المرأة المسلمة
مشعل مصباحنا من نارك
عرضنا في الصون من أستارك
خلقك الطاهر فينا رحمة
قوي الدين به والأمة
طفلنا علمته حين الفطام
كلمة التوحيد من قبل الكلام
صيغ من حبك أطوار لنا
فعلنا، أقوالنا، أفكارنا
برقنا في سحب منك ثوى
شع في الأطواد، والبيد طوى
ضاء دين الحق من أنفاسك
ونما التوحيد في أحجارك
ذلك العصر غرور ماكر
وعلى الأديان باغ فاجر
عقله أعمى وبالله كفر
كم جهول في شراك قد أسر
عينه عين وقاح فاتك
بشباك الهدب كم من هالك!
صيده يحسب حرا نفسه
ميته يزعم قصرا رمسه
199
بك يخضر غراس الوحدة
بك ينمو رأس مال الملة
لا تسيري غير نهج السلف
لا تبالي بجدى أو تلف
احذري فتنة عصر مهلك
وإلى صدرك ضمي ولدك
بعدت عن عشها في خطر
هذه الأفراخ، لما تطر
فيك تسمو للمعالي فطرة
فاتبعي الزهراء، نعم الأسوة
عل غصنا منك يأتي بحسين
فترى النضرة روضات ذوين
خلاصة مطالب المنظومة في تفسير سورة الإخلاص
قل هو الله أحد
ظهر الصديق لي في الحلم
مزهرا منه تراب القدم
ذا «أمن الناس» فينا من جلا
طورنا منه الكليم الأولا
200
هو ثاني اثنين في الدين وفي
صحبة الغار وفي القبر، الوفي
201
قلت: يا صفوة أصحاب الصفاء
مطلع الديوان من أهل الوفاء!
بك قر الأس في بنياننا
فانظرن ما الطب من أدوائنا
قال: حتام أسير الوهم
سورة الإخلاص برء السقم
نفس في كل صدر جائل
وهي للتوحيد سر هائل
فاجل هذا السر في كل الفعال
ولتكن منه مثالا للجمال
الذي سماك عبدا مسلما
بك للوحدة في الدنيا سما
قلت: أفغان، وترك وعجم
لم تزل عما تعودت القدم
طهرن الحق من هذي السمات
اقصد البحر وخل القنوات
يا أسيرا لسمات ويحكا!
قد بعدت اليوم من دوحتكا
أبدل الوحدة بالتثنية
لا تقطع صاح! حبل الوحدة
عابد الواحد! وحد واهجرن
كل تفريق وللحق ارجعن
أيها المغفل معنى الكلم
أثبتن في القلب ألفاظ الفم
أمة قطعتها في أمم
وهدمت الحصن فيه تحتمي
لذة الإيمان زد بالعمل
مات إيمان إذا لم يعمل
الله الصمد
أشعرن القلب «الله الصمد»
تخلصن من قيد أسباب وحد
ليس عبد الله عبد السبب
ما الحياة الحق دور اللولب
202
ليس غير الله يرجو المسلم
وهو للناس جميعا سلم
لا تبثن شكاة أحدا
لا تمدن إلى الخلق يدا
بالشعير اقنع، تقيل حيدرا
مرحبا فاقتله، وافتح خيبرا
203
فيم للأجواد حمل المنن
أنت، من لا ونعم في حزن
لا ترم رزق لئيم ينغص
يوسف أنت، فأنى ترخص؟
إن تكن نملا وكنت المقعدا
لا تؤمل من سليمان جدى
خفف الزاد، طريق وعر
عش ومت حرا، عداك الغرر
اجعلن «أقلل من الدنيا» الشعار
و«تعش حرا» بها كل الفخار
204
وكن الإكسير لا الترب بها
معطيا لا سائلا، في حبها
205 «بو علي» ليس مجهولا لديك
جرعة من كأسه أهدي إليك:
206 «تخت قابوس اركلن بالأرجل
ابذل الرأس وبالعرض ابخل»
يفتح الحان عجولا نفسه
لفقير لم يدنس كأسه •••
قائد الإسلام هارون الرشيد
من سقى نقفور من ماء الحديد
207
قال: يا مالك مولى الأمة
أنت يا رونق وجه الملة
أنت يا بلبل فردوس الحديث
إنني أرغب في درس الحديث
لم يخفي ذا العقيق اليمن؟
اقصدن بغداد، نعم الوطن
208
حبذا زهرة أيام العراق
حبذا حسن به، الأعين راق
تربه فيه من السقم نجاه
قاطر من كرمه ماء الحياه
قال: إني خادم للمصطفى
وبحسبي حبه، لي شرفا
أنا، من قيدت في حبي له
كيف أنأى عن مكان حله
لي في يثرب حب واشتياق
209
أين من ليلي بها صبح العراق؟
وبقول العشق: أمري امتثلا
لست أرضى بملوك خولا
أنت تبغي أن ترى لي سيدا
أن ترى مولى لحر عبدا
ألتعليمك أغشى بابكا
خادم الأمة لا يعنو لكا
إن ترم في الدين علما يقتنى
فاغشين حلقة درسي ها هنا •••
الذي استغنى جدير بالدلال
في دلال عنده كل جمال
صبغة الحق من استغنى اكتسى
ورأى صبغ سواه دنسا
أنت من غيرك تجدو علمكا
بطلاء منه تطلي وجهكا
أنت منه بشعار تفخر
أنت ذا أم غيرتك الغير؟
210
خشعت أرضك من أمطاره
وخلا البستان من أزهاره
مطرا من مزنه لا تجتدي
لا تبد زرعك عمدا باليد
سلسلت عقلك أفكار له
ملأت حلقك أوتار له
مستعار كلم في فمكا
مستعار أمل في قلبكا
أعوزت طيرك ألحان الغناء
ليس في سروك في الجو رواء
211
أنت في كأسك خمرا تجتدي
وكذلك الكأس جدوى في اليد
لو يعود اليوم فينا ذو النظر
من به تصديق «ما زاغ البصر»
212
ماز صدقا وكذبا سمعه
وابتلى كل فراش شمعه
213
نعم نادى «لست منى» يا فتى
ويلتا يا ويلتا يا ويلتا
فالإم العيش مثل الأنجم
يطلع الصبح لها بالعدم
أنت قد غرك صبح كاذب
أنت عن نفسك حقا ذاهب
أنت شمس نفسك اعرف كل حين
لا تضئها من نجوم الآخرين
إن في قلبك نفسا من سواك
باعت الإكسير بالترب يداك
بسراج الناس مغناك أضاء
وبخمر الناس في الرأس انتشاء
لك حول الشمع في الحفل دوار
اغشين نارك، هل في القلب نار
214
ابق في مثواك مثل البصر
لا تدع عشك مهما تطر
215
حي فرد نفسه قد عرفا
وقبيل عن سواه صدفا
216
عن طريق المصطفى لا تذهبن
واترك الأرباب، والله اعبدن
لم يلد ولم يولد
قد علا قومك عن لون ودم
وعلا أسوده حمر الأمم
في وضوء قطرة من قنبر
هي أغلى من دم من قيصر
اتركن عما وأما وأبا
وكسلمان إلى الدين انسبا
217
يا خليلي اسمع حديثي واعقلا
من خلايا النحل هذا المثلا:
قطرة من شقر كالقبس
ثم أخرى من بياض النرجس
لم تقل هذي: أنا نيلوفر
أو تقل هاتيك إني عبهر
شأن إبراهيم في ملتنا
دين إبراهيم فيه شهدنا
إن جعلت الدم ركن الملة
صدعت دعواك جمع الإخوة
في ثرانا ليس ينمو بزركا
أنت ما أسلم حقا فكركا
ابن مسعود سراج المتقين
جسمه والروح وجد المخبتين
أج من موت أخيه صدره
وأذاب القلب منه جمره
لم يجف الدمع من حرقته
ناح نوح الأم في لوعته:
آه للقارئ درس العظة
ورفيقي في طلاب الحكمة
آه للسرو الذي قد ورفا
وشريكي في ولاء المصطفى
عينه تحرم. إبصار النبي
وأنا أشهد أنوار النبي
218
ما من الأنساب يقوى وصلنا
ليس من روم وعرب أصلنا
إنما حب الحجازي الحبيب
قد حبانا ذاكم الوصل القريب
حسبنا آصرة من حبه
حسب عين نشوة في قربه
جدد الدهر بنا سيرته
مذ حوت أعراقنا نشوته
عشقه سر اجتماع الأمة
نبضت منه عروق الملة
صلة العشق لنا أقوى سبب
هو في الروح، وفي الجسم النسب
أيها العاشق خل النسبا
خل إيران، وخل العربا
نور حق مثله أمته
قد نمت أغصاننا دوحته
نور حق ما حواه نسب
ثوب حق، لا سدى أو لحمة
219
من ثوى في نسب أو بلد
قد عفا عن «لم يلد ولم يولد»
ولم يكن له كفوا أحد
صاح! ما المسلم للدنيا احتقر
عامرا بالحق قلبا قد عمر؟
زهرة من شقر في القنن
لم ترعها طلعة من مجتني
نفسا ينفخ فيها السحر
فتراها لهبا يستعر
تشفق الزهر عليها تحسب
أنها خلف عنها كوكب
الندى منها نعاسا يغسل
وشعاع الشمس فيها قبل (لم يكن) أمسك بها واشدد يدا
لترى في الناس حرا أوحدا
ذلك الواحد لا شرك له
عبده يأبى شريكا مثله
قد سما المسلم أعلى من سما
ليس يرضى بمسام في السما
ورده «لا تحزنوا» في المأزق «أنتم الأعلون» تاج المفرق
حمل الكونين طرا ظهره
وحوى برا وبحرا صدره
أذنه للرعد إما جلجلا
صدره للبرق إما نزلا
قاتل الزور، وللحق وزر
أمره المعيار في خير وشر
جمره كل لهيب في حشاه
جوهر فيه كمال للحياه
ليس في ضوضاء هذي الأمم
نغمة إلا أذان المسلم
هو في العفو وفي البذل عظيم
وهو حين القهر ذو طبع كريم
لطفه في الحفل جبر المنكسر
قهره في الحرب صهر للحجر
هو في الروض صفير البلبل
وهو في البيد انقضاض الأجدل
قلبه تحت سماء لا يقر
هو فوق الزهر ما إن يستقر
طائر ينقر نجم الحبك
طائرا فيما وراء الفلك
أنت، يا من لم يطر منك جناح!
دودة في ظلمة الترب تراح
مستكين تشتكي جور الزمان
قد أصبت الذل من هجر القران
220
قد هبطت الأرض طهرا كالندى
بالكتاب الحي أمسكت يدا
فإلام العيش في الترب؟ ارحلا
اصعدن فوق السماوات العلا
شكوى المصنف إلى من أرسل رحمة للعالمين
نضرت منك محياها الحياه
ورأت تعبير رؤياها الحياه
الجهات الست نور يسطع
منك، والأقوام جمعا تبع
إن فقرا فيك ذخر الكائنات
قد تعالى بك قدر الكائنات
221
أنت أشعلت مصابيح الحياه
وحبوت الناس من رق نجاه
صور الكون بدت من دونكا
فاقة تشكو وتشكو الحلكا
نفس منك أطار الشررا
فاستحال الطين منه بشرا
222
وسمت للنيرين الذرة
وتجلت من حشاها القوة
من أبي أنت وأمي أقرب
مذ رأى وجهك طرفي المعجب
عشقك النار بجسمي يضرم
فليذب روحي منه ضرم
ومتاعي أنة مثل الرباب
إنها المصباح في بيتي الخراب
كيف لا يبدي شج أتراحه؟
كيف لا يبدي زجاج راحه؟
ضل عن سر النبي المسلم
موثنا قد صار هذا الحرم
223
كلهم في قلبه يثوى هبل
ومناة فيه والعزى تحل
شيخنا يفضله البرهمن
سمنات رأسه يستوطن
224
هجر العرب، وفي العرب عصم
وأطال النوم في حان العجم
فت برد العجم في أعضائه
دمعه أبرد من صهبائه
هو، كالكافر، يخشى الأجلا
صدره من قلب حي قد خلا
داؤه كل طبيب ما شفا
فحملت النعش عند المصطفى
هالكا عرفته ماء الحياه
ومن القرآن أسرار النجاه
قلت عن أحباب نجد قصتي
حدثت عن روض نجد نفحتي
فأضاء الحفل من لحني أياه
ودرى قومي أسرار الحياه
225 •••
قيل: أهدى سحر أوربا لنا
وبقانون الفرنج افتتنا
226
واهبي عود سليمي كرما
والأبوصيري بردا كرما
227
اهد للحق، الذي قد أفكا
الذي يجهل ما قد ملكا
228
إن يكن قلبي غوى لا يبصر
أو سوى القرآن لفظي يضمر
أنت يا من نوره صبح العصور
أنت يا عالم أسرار الصدور
اهتكن أستار فكري وافضحن
طهرن من شوكتي روض الزمن
وحياتي اقطع لأجل الأمة
واكفين شري أهل الملة
أبعدن عن روضتي الغيث المريع
واحرمني من شآييب الربيع
جفف الراح بكرمي عاجلا
واملأن راحي سما قاتلا
واخزيني يوم حشر الأمم
واحرمني منك لثم القدم
أو أكن أخلصت نصحي في البيان
ونظمت الدر من سر القران
فدعاء منك أجري وكفى
بك كم نال وضيع شرفا
اسألن الله رب العرش لي
يجعلن عشقي قرين العمل
رب قد أنعمت بالروح الحزين
ونصيبا شئت لي من علم دين
فاجعلن في الفعل حظي أوفرا
واجعلن قطر ربيعي دررا •••
أمل آخر في القلب أقام
مذ حوى قلبي في الدنيا مقام
هو في صدري كقلبي نزلا
شاهدا صبح حياتي الأولا
أمل أذكيت منه لهبي
مذ شدا باسمك أمي وأبي
كلما غيض مني الزمن
ودهاني ريبه والمحن
شب في قلبي هذا الأمل
ونما بالعتق فيه الثمل
229
إنه تحت ترابي جوهر
كوكب في جنح ليلي يسفر •••
همت حينا بذوات الحور
وتعشقت ذوات الطرر
وعلى الراح صحبت الغانيه
حين أطفأت سراج العافيه
وأحاطت بيدري نار البروق
وغزا قلبي قطاع الطريق
وبروحي لم يزل هذا العقار
وبكيسي لم يزل هذا النضار •••
لبس الزنار عقلي الآزري
وغزا روحي بالنقش الفري
230
في إسار الشك أمضيت سنين
وهو في رأسي مقيم لا يبين
أحرفا ما نلت من علم اليقين
ومن الحكمة في الريب رهين
231
لم يلح في ليل عمري نور حق
لم ينره ليلي شعاع من شفق
وفؤادي مضمر هذا الرجاء
صدف في قلبه در أضاء
ثم من عيني دمعا سجما
وتجلى في فؤادي نغما
232 •••
يا من القلب سواه أغفلا!
ائذنن أذكر هذا الأملا
سيرتي ما ضاء فيها العمل
كيف مثلي مثل هذا يأمل؟
أنا من إظهاره في خجل
منك لطف يسر الجرأة لي
يا رحيما بك للناس مفاز!
كل ما أبغيه موتي في الحجاز
233
هجر غير الله شأن المسلم
كيف لي عيش ببيت الصنم؟
حسرة المسلم إن حم الممات
أن يكون الدير مثوى للرفات
234
ويل يومي، وهنيئا لغدي
إن أقم في ذا الحمى من لحدي
حبذا أرض تراها موطنا!
حبذا ترب تراه مسكنا!
دار حبي ومليكي والسكن
أيها العشاق! ذا نعم الوطن
235
كوكبي أطلعه بالسعد غدا
في ظلال الدار هب لي مرقدا
ليرى الراحة قلبي القلق
ويرى الهدأة هذا الزئبق
أيها الدهر انظرن هذا السلام
قد رأيت البدء فانظر ما الختام
كان الفراغ من تبيض الترجمة وتحريرها، وتنقيحها وتحبيرها أصيل يوم السبت الحادي عشر من شعبان سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة (الرابع والعشرين من آذار سنة خمس وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد) بدار السفارة المصرية بمدينة جدة.
والحمد لله أولا وآخرا.
هوامش
অজানা পৃষ্ঠা