125

সাহিত্য ও সামাজিক ধারায় গবেষণা

دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية

জনগুলি

الفصل التاسع والعشرون

الوعي السياسي في البلاد العربية

يفهم من الوعي السياسي معنيان: أحدهما يطابق معنى الوعي القومي أو الوعي الوطني، والآخر يطابق معنى الوعي الاجتماعي أو الوعي المدني.

أما الوعي القومي فلا شك أن نصيب الأمم العربية منه موفور منذ أقدم العصور، وهو في الغالب يقوم على عنصرين من العصبية وحياة الحرية، وقد كانت العصبية على أشدها في أمة العرب الأولى، وهم أبناء الجزيرة العربية؛ لأنها كانت أمة قبائل تعتز بأعراقها وأصولها، وترى الكرامة كل الكرامة في المحافظة على أنسابها والغيرة على ذمارها، وقد كان العربي حرا في حله وترحاله، حرا في أقواله وأفعاله، يهيم حيث شاء ويقول ويفعل كل ما يشاء، ولا يحد من حريته إلا حرية الآخرين من أبناء الجزيرة، الذين يغارون على حقوقهم من الحرية كما يغار هو عليها.

وقد تمكن الشعور بالقومية في نفوس العرب لسبب آخر، وهو الحيوية القوية، فإن أول مظهر من مظاهر الحيوية في الفرد والأمة على السواء هو الثقة بالنفس والاعتداد ب «الشخصية»، وقد كانت حيوية العرب في عهد فطرتهم سليمة لم تشبها عوارض الوهن والانحلال، وكانت حولهم أمم ذوات دول غالبة وسلطان شامخ، كالفرس والروم والأحباش، فإذا اعتز العربي بشأنه بين تلك الأمم فهو لا يفاخرها بالدولة؛ لأن دولاتها أعظم من دولته ولا يفاخرها بالغنى، فإن أموالها أوفر من أمواله، ولا يفاخرها بالحضارة، فإن نصيبها من الحضارة أوسع من نصيبه، ولكنه يعوض ذلك كله بفخر العنصر وعزة القومية، فهو عنده كفاءة مجد الدولة ومجد الثروة ومجد الحضارة، فلا جرم يفرط في الاعتصام به وهو يريد أن يعلو بينها، ولا يريد أن يستكين.

وبلغ من اعتداده بهذا الفخر أن بعض الأكاسرة أراد أن يصهر إلى أحد أمراء الحيرة - وهم خاضعون لعرشه - فأنف أن يقبل مصاهرته، وقال تلك الكلمة المشهورة: «أليس له في مها العراقين ما يغنيه؟» وهي غاية في النخوة القومية لا تتجاوزها غاية بين القديم من الأجيال البشرية والحديث.

كان هذا والعرب في جاهليتهم لا ثروة لهم ولا صولة بين الدول الكبرى، فلما قامت لهم بعد الإسلام دولة أضخم من تلك الدول تجاوزوا هم تلك الغاية التي لم يتجاوزها أحد غيرهم، وأضافوا عزة السلطان إلى عزة العنصر وعزة العقيدة، ثم تحركت الشعوب لمقاومة هذا السلطان الجانح، فقابلوها بعصبية أشد منها وأقوى، ولم تضعف هذه العصبية بعد ضعف الدولة وتفكك أوصالها؛ فإنهم عادوا إليها يعتصمون بها حيث لم تكن لهم عصمة سواها، فكان وعيهم السياسي بهذا المعنى على أتمه وأشده في جميع هذه الأطوار.

وليس يقدح في هذه الحقيقة أنهم خضعوا للحكم الغريب عنهم، كما حدث مثلا في عهد الدولة العثمانية؛ إذ كان ذلك قد حدث يوم كانت جامعة الأمة وجامعة الدين شيئين غير منفصلين، وكان هذا التوافق بين الجامعتين أمرا عاما بين أمم الشرق وأمم الغرب بلا اختلاف، وعلة ذلك - كما قلنا في كتابنا عن أثر العرب في الحضارة الأوروبية - «أنه لم يكن من الميسور أن تنشأ الوطنية بمعناها الحديث قبل القرن الثامن عشر، أو قبل الأطوار الاجتماعية التي تقدمتها، وكان ممهدا لظهورها وانتقالها من حيز الغرائز المشتركة إلى حيز الصلات الروحية والثقافية التي ينفرد بها الإنسان في مجتمعاته؛ لأن هذه الأطوار كانت تناقض الوطنية في بعض الأحوال، وكانت تخفيها في أحوال أخرى، وكانت على الجملة خطوات سابقة لا بد منها قبل التطرق إلى الخطوات التي تليها، فكان لا بد من تطور عهد الإقطاع قبل شعور الإنسان بوطنه في نطاقه الواسع ومصالحه المتشابكة؛ لأن انتماء الناس إلى إقطاعات متعددة في قطر واحد يربطهم بضروب شتى من الولاء للسادة المتعددين الذين يسيطرون عليها، ويعودهم ضروبا من المخالفات والمخاصمات تتغلب فيها الزمرة والطائفة على الأمة والدولة نفسها في بعض الأمور، وكان لا بد من تطور الجامعة الدينية قبل الشعور بمعنى هذه الوطنية؛ لأن الإنسان يرضى في الجامعات الدينية أن يحكمه من ليس من أبناء وطنه لاتفاق الحاكم والمحكوم في العقيدة والمراسم الروحية، ويكره أن يحكمه من لا يدين بدينه، ولو كان من بلده وجواره، ولا يزال كذلك حتى يتعذر حكم الأوطان المختلفة بحكومة واحدة قائمة في مراكزها البعيدة عنها، لاختلاف المرافق واختلاف النظر إلى الحقوق والتبعات ونشوء الطبقات الاجتماعية التي تتنافس في الأوطان المتعددة، وإن جمعتها علاقة وثيقة واحدة.»

فالعربي الذي كان يدين بالطاعة للدولة العثمانية لم يكن يحسب أنه ينزل بذلك عن سلطانه، أو أن أحدا غريبا عن أمته يحكمه بشريعة غير شريعته وحق غير حقه، وهو إلى جانب ذلك كان يدين للحاكم العثماني من بعيد، ولا يشعر بسطوته في عقر داره؛ لما هو معلوم من عزلة الجزيرة العربية وقيام الولاة على أجزائها من أبنائها.

فلما اقترن ظهور الحركات الوطنية في العالم بانتشار الحكم في الدولة العثمانية، كانت أمم العرب من أسبق الأمم إلى الثورة وطلب الاستقلال أو التمرد على «النظام المركزي» في الدولة، وليست ثورات اليمن ولا ثورات النجديين بزعامة الشيخ محمد عبد الوهاب، ولا ثورات لبنان وسورية ومصر والسودان، إلا حركات قومية في الصميم، وإن لاحت للنظرة الأولى في صورة الشقاق المذهبي، أو صورة الانقضاض على الظلم والاستبداد، فقد كان حكم الدولة العثمانية للأناضول كحكمها لهذه الأطراف وما عداها، فلم يثر أهل الأناضول كما ثار العرب؛ لأنهم ترك من عنصر الحاكمين، ليسوا أقواما آخرين غرباء عن أصحاب العرش والتاج، ولا يقال في تعليل ذلك إن أهل الأناضول تجنبوا الثورة لقربهم من عاصمة الدولة ومراكز جيوشها، فإن الأكراد والأرمن والألبانيين كانوا يثورون بين حين وحين، ومنهم من يسكن بلادا أقرب إلى عاصمة الدولة من أطراف الأناضول.

অজানা পৃষ্ঠা