সাহিত্য ও সামাজিক ধারায় গবেষণা
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
জনগুলি
1 - عصر النهضة في الأدب العربي الحديث
2 - الاتجاهات الحديثة في الأدب العربي
3 - الأدب والحياة
4 - الواقعية في الأدب
5 - الأدب العربي المطبوع ... تطور قبل القمر المصنوع
6 - اتجاه الشعر العربي الحديث
7 - كيف يكون التجديد في الشعر؟
8 - معراج الشعر
9 - شوقي في الميزان ... بعد خمس وعشرين سنة
10 - الفلسفة والفن
অজানা পৃষ্ঠা
11 - نعرب أو نترجم
12 - الفكاهة في الأدب العربي
13 - شعراء المهجر الجنوبي
14 - الزهاوي وديوانه المفقود
15 - مشكلة المعجمات العربية الحديثة
16 - معجم المصطلحات الحراجية
17 - خليل مطران ... أروع ما كتب
18 - شعري
19 - نعم ... هي أقدم
20 - التيارات المعاصرة في النقد الأدبي
অজানা পৃষ্ঠা
21 - مرداد
22 - عالم الغد
23 - العقل في الإسلام
24 - الكتب بين الإهداء والشراء
25 - التعليم عند العرب
26 - الجامعة في التاريخ
27 - تصوف إقبال ... من الهند أو الإسلام
28 - الإنسانية في سن الرشد
29 - الوعي السياسي في البلاد العربية
30 - الشعوبية
অজানা পৃষ্ঠা
31 - شئون اقتصادية في الدولة الإسلامية
32 - الإسلام والحضارة الإسلامية
33 - أثر الحضارة الإسلامية في الحضارات الإنسانية
34 - آسيا والسيطرة الغربية
35 - مؤتمر باندونج في الميزان
36 - بعد انقضاء عام على مؤتمر باندونج ماذا حقق المؤتمر من أهدافه؟
37 - الطفرة غير محال
38 - خواطر في الجمهورية
39 - لو أصبحت مصر اشتراكية
40 - عهد الإقطاع يلفظ أنفاسه
অজানা পৃষ্ঠা
41 - عالم الكتابة والكتاب في حاجة إلى التطهير
42 - أزمة التعليم
43 - العلم فيضان ولا بد أن نسبقه بإقامة جسور
44 - الصحافة والجنون
45 - الجيش وقائده
46 - ملكان ومرضان
47 - حرية القلم والريشة والإزميل
1 - عصر النهضة في الأدب العربي الحديث
2 - الاتجاهات الحديثة في الأدب العربي
3 - الأدب والحياة
অজানা পৃষ্ঠা
4 - الواقعية في الأدب
5 - الأدب العربي المطبوع ... تطور قبل القمر المصنوع
6 - اتجاه الشعر العربي الحديث
7 - كيف يكون التجديد في الشعر؟
8 - معراج الشعر
9 - شوقي في الميزان ... بعد خمس وعشرين سنة
10 - الفلسفة والفن
11 - نعرب أو نترجم
12 - الفكاهة في الأدب العربي
13 - شعراء المهجر الجنوبي
অজানা পৃষ্ঠা
14 - الزهاوي وديوانه المفقود
15 - مشكلة المعجمات العربية الحديثة
16 - معجم المصطلحات الحراجية
17 - خليل مطران ... أروع ما كتب
18 - شعري
19 - نعم ... هي أقدم
20 - التيارات المعاصرة في النقد الأدبي
21 - مرداد
22 - عالم الغد
23 - العقل في الإسلام
অজানা পৃষ্ঠা
24 - الكتب بين الإهداء والشراء
25 - التعليم عند العرب
26 - الجامعة في التاريخ
27 - تصوف إقبال ... من الهند أو الإسلام
28 - الإنسانية في سن الرشد
29 - الوعي السياسي في البلاد العربية
30 - الشعوبية
31 - شئون اقتصادية في الدولة الإسلامية
32 - الإسلام والحضارة الإسلامية
33 - أثر الحضارة الإسلامية في الحضارات الإنسانية
অজানা পৃষ্ঠা
34 - آسيا والسيطرة الغربية
35 - مؤتمر باندونج في الميزان
36 - بعد انقضاء عام على مؤتمر باندونج ماذا حقق المؤتمر من أهدافه؟
37 - الطفرة غير محال
38 - خواطر في الجمهورية
39 - لو أصبحت مصر اشتراكية
40 - عهد الإقطاع يلفظ أنفاسه
41 - عالم الكتابة والكتاب في حاجة إلى التطهير
42 - أزمة التعليم
43 - العلم فيضان ولا بد أن نسبقه بإقامة جسور
অজানা পৃষ্ঠা
44 - الصحافة والجنون
45 - الجيش وقائده
46 - ملكان ومرضان
47 - حرية القلم والريشة والإزميل
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
تأليف
عباس محمود العقاد
الفصل الأول
عصر النهضة في الأدب العربي الحديث
অজানা পৃষ্ঠা
يبدأ عصر النهضة في الأدب العربي الحديث منذ الصدمة الأولى التي شعر بها العالم العربي على أثر الحملة الفرنسية التي قادها نابليون الأول إلى وادي النيل قبيل نهاية القرن الثامن عشر، واصطحب فيها طائفة من العلماء والباحثين المنقبين، ومعهم مطبعتهم وأزوادهم من كتب المراجع ومصنفات العلم الحديث.
يقول ابن خلدون: إن المغلوب مولع بمحاكاة الغالب؛ لأن الهزيمة توحي إليه أن مشابهة الغالب قوة يدفع بها مهانة الضعف الذي جنى عليه تلك الهزيمة، ويوشك أن يندمج المغلوب في بنية القوي المتسلط عليه ويفنى فيه - عادة وعملا ولغة وأدبا - إن لم تعصمه من هذا الفناء عصمة من بقايا الحيوية كمنت فيه وورثها من تاريخه القديم.
ولقد كانت لوادي النيل عصمته التي سلم بها من غوائل الذهاب مع المحاكاة إلى نهاية شوطها، فكانت الصدمة الأولى من صدمات الإيقاظ والتنبيه، ولم تكن صدمة يتبعها التضعضع والاستكانة، أو استكانة يتبعها التسليم فالزوال.
وكانت لوادي النيل حيويتان كامنتان في تلك الفترة من فترات الجمود والظلام، ولم تكن حيوية واحدة من بقايا التاريخ المندثر كما يحدث في كثير من أمثال هذه الصدمات.
كانت له حيوية المجد التاريخي المتأصل في الحضارة المصرية العريقة.
وكانت له حيوية اللغة العربية بثقافتها الروحية والفكرية، وهي حيوية لم يلتفت إلى حقيقة قوتها من يكتبون عنها من غير العرب؛ لأن العربي الذي يدين بالإسلام يفسر بقاء اللغة بمعجزة القرآن الكريم، ولكن الباحث الأجنبي الذي لا يؤمن بهذه المعجزة ينبغي أن يكون منطقيا مع نفسه، فينسب إلى قوة اللغة تلك الحيوية التي أتاحت لها البقاء.
كان من أثر الصدمة الأولى بين العالم العربي وسطوة الحضارة الأوروبية الحديثة أن المغلوب أخذ في محاكاة الغالب كما هي العادة العامة، وأن هذه المحاكاة بدأت بالتقليد الآلي الذي لا تمييز فيه ولا اختيار، ولكنها لم تنطلق فيه إلى نهاية الشوط بل تحولت عنه بعد قليل إلى المحاكاة المميزة المختارة، ثم إلى الاستقلال المتعثر المضطرب في أول الأمر، فالاستقلال الناشط المسدد إلى الغاية من خطاه بعد حين.
إن حيوية التاريخ واللغة هي التي أوحت إلى عقول المتيقظين من أبناء الشرق أنهم يشبهون أنفسهم في أيام مجدهم وازدهار لغتهم، ولا يشبهون الأوروبيين في حضارتهم الحديثة التي انتصروا بها على جيش المماليك الغرباء عن ذلك التاريخ وعن تلك اللغة عند سفح الأهرام.
فلم تمض سنوات على افتتان الشرق المغلوب بمظاهر القوة في الحضارة الأوروبية الحديثة، حتى سمعت في مصر وفي العالم العربي صيحة الدعوة إلى إحياء التراث القديم ورد الأمانة إلى أهلها مرة أخرى قبل فوات الأوان؛ لأن الحضارة الحديثة عند الأوروبيين عارية مستعارة من هذا الشرق العربي، أخذوها وأقاموا بنيانهم على أساسها الذي هو أولى بنا ونحن أولى به من أن نتركه للمستعمرين المتطفلين عليه، وليس بالعسير علينا أن نقيم بناءنا الجديد على أساسنا القديم.
لهذا كانت الصدمة صدمة إحياء للتراث القديم، ولم تكن في أشد أيام الضعف والمحاكاة صدمة تسليم وفناء.
অজানা পৃষ্ঠা
بدأت النهضة في وقت واحد بالترجمة والنقل وبإعادة البلاغة العربية إلى الحياة في تراثها المأثور من المنظوم والمنثور، وانقضى أكثر من قرن ونصف قرن منذ أيام الحملة الفرنسية تقدمت فيه النهضة في مراحلها الثلاث إلى مرحلتها الحاضرة التي أوشكت أن تسير مع الحضارة الغربية جنبا إلى جنب في مراحل التقدم والاستقلال.
تقدمت من مرحلة النقل الآلي إلى مرحلة النقل المتصرف، إلى مرحلة الاستقلال المبتدئ المتعثر، إلى هذه المرحلة الأخيرة من مراحل الاستقلال المتمكن من غايته ومن خطاه.
ولم ينقض عصر الترجمة بعد ، ولا نعتقد أنه ينقضي أو ينبغي أن ينقضي في زمن من الأزمنة المقبلة؛ لأن الثقافة الإنسانية في هذا العصر العالمي على الخصوص شركة بين أمم العالم لا تقبل الانفصال أو الانقطاع، ولكن الفرق بيننا في هذا العصر وبيننا قبل نهاية القرن التاسع عشر أن الترجمة اليوم لا تنفرد بالظهور في ميدان من ميادين الثقافة، ولكنها تظهر في جانب ويظهر معها التأليف في جانب يضارعه في السعة والانتشار، أو تظهر الترجمة أحيانا على التأليف، ولكنها ترجمة الفهم والاختيار والموازنة بين ما يؤخذ وما يترك، وليست بترجمة النقل الآلي والاقتباس الجزاف.
ومن الحوادث الكبرى التي كانت لها صدمة كصدمة الحملة الفرنسية بعد أواخر القرن الثامن عشر حادث الاحتلال البريطاني قبيل نهاية القرن التاسع عشر، ثم حادث الحرب العالمية الأولى تتبعها الحرب العالمية الثانية إلى منتصف القرن العشرين.
وهنا كانت للحوادث الكبرى دفعتها التي حركت العالم العربي قدما إلى الأمام مع اختلاف واضح بين أثر الصدمة الأولى وآثار الصدمات الأخيرة، ولكنه واضح في الدرجة والمقدار أكثر من وضوحه في العمق والقوة.
فالصدمة الأولى كان لها أثر الانبعاث في أول الطريق، وفي نطاق محدود بين أبناء الأمة الواحدة، والصدمات الأخيرة كان لها أثر المضي والاستمرار، وأثر الشيوع والاتساع الذي يناسب السعة العالمية، وهي طابع كل حركة من حركات الجماعات منذ منتصف القرن العشرين.
والجديد بعد الحوادث الكبرى الجديدة بالنسبة إلى زماننا هو كل جديد يصاحب الكثرة العددية وسعة الانتشار.
فاتساع العلاقات العالمية قد صاحبته الدعوات التي ترمي إلى تطبيق النظم الاجتماعية على العالم كله، ولا تقنع بانحصارها في وطن واحد.
واتساع نطاق التعليم قد أدخل في ميادين الثقافة ألوفا من طلاب الثقافة - أو من قراء الكلم المطبوع - لم تكن لهم عناية من قبل بشيء مطبوع أو مكتوب.
وقد تبين أن الحيوية الواقية كانت ألزم للعالم العربي في هذا الدور مما كانت في جميع الأدوار الماضية منذ ابتداء النهضة في العصر الحديث.
অজানা পৃষ্ঠা
فإن الدعوات العالمية خليقة أن تجور على كيان القومية، وأن تؤول بها إلى فناء كفناء المغلوب في الغالب.
وإن شيوع الثقافة خليق أن يمسخها ويشوه معالمها؛ لأنه قد يضحي بالعمق والنفاسة في سبيل الضحالة والإسفاف.
وقد أخذت الدعوات العالمية تتستر وراء اسم الأدب الهادف لتتجه بالكتابة نظما ونثرا وقصة ودراسة إلى وجهة الدعاية المذهبية التي يروجها أعداء القومية والوطنية، وأعداء الثقافة الخالدة من كل تراث مأثور.
وأخذت هذه الدعوات وغيرها من دعوات الكسب والتجارة في التستر وراء اسم «الشعبية» لتسويغ الإسفاف السهل على الأدعياء، أو تسويغ القضاء على الشعب بالجهل الأبدي الذي يقصر مطالعاته على موضوعات لا تعلو بالقارئ عن طاقة «الأمية» وما يشبه الأمية من سقط المتاع.
وأخذت الدعوة إلى هدم قواعد الفنون تظهر حينا من جانب العاجزين عن التعبير الفني بقواعده الأصيلة، وحينا آخر من جانب المتواطئين على الهدم والمتعللين له كل يوم من وراء الستار بعلة جديدة.
وأخذت الشعوبية تحارب العروبة بمختلف الأسلحة أو مختلف الحيل والأحابيل.
ولكن حيوية اللغة - ومعها حيوية التاريخ العريق - هما الحارس القوي الأمين الذي تقاصرت عنه تلك الحيل وتلك الجهود، فبقيت النهضة على حصانتها المنيعة بين العاملين على هدمها وتعويقها عامدين لرغبتهم في الهدم أو غير عامدين لعجزهم عن النهوض بمطالب الفن الصحيح.
وحق لنا أن نقول: إن نهضة الأدب العربي في العصر الحديث قد أصبحت كما ينبغي عالميا في الصميم؛ لأن العالمية في صورتها الصحيحة هي وحدة إنسانية تقوم على التضامن بين الأمم، ولا تقوم على هدم هذه الأمة أو تلك في بلادها، وبناء العالم - المهدوم - من الأخلاط والفوضى التي لا تعرف القومية ولا تعرف الإنسانية على السواء.
وقد صارت النهضة بالأدب العربي إلى السعة العالمية بهذا المعنى الذي لا اختلاف عليه بين طلاب الثقافة الإنسانية، وإنما يكون الأدب عالميا إذا اتسع لكل موضوع من الموضوعات الإنسانية المشتركة كما يحسها أبناء كل أمة في الزمن الذي يعيشون فيه، وليس بالشرط اللازم في الأدب العالمي أن يكتب باللغة التي يستطيع أن يقرأها أبناء العالم أجمعين، فإن اللغة الصينية يتكلمها خمسمائة مليون ولا يقال عن آدابها الحاضرة أنها أجدر بوصف العالمية من آداب الأمة السويدية أو البلجيكية أو التشيكية، وإنما تكون عالمية بمقدار نصيبها من موضوعات الأدب التي تشترك فيها أمم الحضارة في العصر الحديث، وبخاصة تلك الموضوعات «التعبيرية» التي تصاحب الأمم الحية في كل زمن ولا تتوقف على نصيبها من المزايا العرضية بين حين وحين، فربما كثر عدد الفلاسفة والرياضيين في زمن من الأزمنة وقل في زمن آخر، والأمة هي الأمة في علاقاتها العالمية وتعبيراتها عما تكنه من الشعور، ولكن المعبرين عن ذلك الشعور من الشعراء والأدباء والفنانين يقلون، وتكون قلتهم دليلا على نقص الحيوية، ويكثرون وتكون كثرتهم دليلا على قوتها واندفاعها إلى إثبات وجودها والتعبير عن بواطنها.
ومن الأدلة على الصبغة العالمية في أدبنا الحديث أنه يمثل العوارض العالمية في نواحيها المتعددة بما يصيبها من نشاط وفتور أو من محافظة وتجديد، فكل ما هو شائع رائج من الفنون بين أمم الحضارة له مثل هذا النصيب من الشيوع والرواج بين المتكلمين بالعربية، وكل ما يقال عنه: إنه شيء في غير أوانه يعاد فيه هذا القول بيننا مع اختلاف العبارة كما ينبغي أن تعترف بين قوم وقوم يخالفونهم باللغة والتاريخ.
অজানা পৃষ্ঠা
إن الشعر - مثلا - من الفنون التي يقال عنها أنها في غير أوانها بين أبناء العصر الحديث، ويعتقد النقاد ما يعتقدون في تعليل ذلك، ونعتقد نحن أن المسألة كلها مسألة توزيع لمواضع التعبير وليست مسألة انصراف عن وسائله وأدواته، فإن العصر الذي يملك من وسائل التعبير عن العاطفة الإنسانية فنونا تتوزع بين المسرح، والقصة، والصور المتحركة، وأغاني الإذاعة، والحاكي (الجرامفون)، وأخبار الصحف ... وغيرها من فنون العاطفة، لا يعقل أن يكون نوع الشعر الذي يطلب فيه كنوع الشعر الذي يطلب، وهو هو الفن الوحيد المعبر عن عواطف الشعراء والمستمعين.
وأيا كان سبب التغير في مناهج الشعر وميادينه، فالمهم فيما نحن بصدده أن الظاهرة العالمية تظهر عندنا كما ظهرت بين أمم الحضارة الحديثة، وأنها آية من آيات الصيغة العالمية التي تترقى إليها نهضة الأدب العربي الحديث.
تترقى نعم، ولا نقول إنها تصل إذا كان معنى الوصول الوقوف والاستقرار، وتترقى أيضا مع حفظ النسبة بيننا وبين أناس سبقونا بعدة أجيال، وحسبنا مع الأمل الطيب في المستقبل أننا وصلنا إلى الميدان، وإن لم نصل في أوائل الصفوف.
الفصل الثاني
الاتجاهات الحديثة في الأدب العربي
1
للأدب في عصوره الناشطة على الخصوص حركتان: إحداهما التطور والامتداد؛ وهي حركة متقدمة ذات اتجاه معروف يشبه اتجاه التيار بمجرى النهر المطرد في حركته إلى غاية مجراه، وهي كذلك أشبه بحركة النمو في الجسم الحي تحتفظ بالبنية وتزيد عليها، ولا تلغي شيئا من البنية إلا إذا جاءت بعوض له في مكانه.
والحركة الثانية هي حركة التغيير الذي ينبعث في الأدب وفي غيره عن مجرد حب التغيير، وقد يسميها بعضهم مذاهب ومدارس وليست هي من المذاهب أو المدارس في شيء، وإنما الأحرى بها أن تسمى بالأزياء والجدائل العارضة «الموضات» التي تتغير مع الزمن، وقد تعود في صورة أخرى بعد فترة طويلة أو قصيرة، ولا معنى فيها للتقدم والاطراد، وإنما هي - بالنسبة إلى حركة التيار في مجراه - أشبه بحركة الموج من الشاطئ إلى الشاطئ تزحف كل موجة منه على ما بعدها، فتلغيه وتزول هي بعده في موجة أخرى، ولا تتقدم بالنهر خطوة واحدة في طريق مجراه.
ويغلب على هذه الموجات التي يمحو بعضها بعضا في تواريخ الأدب أن تنشأ من سوء فهم الآراء العلمية الحديثة وسوء تطبيقها على الموضوعات الفنية.
وأشهر ما حدث من هذا القبيل في العصر الحديث سوء فهم أصحاب «الموضات» في الفن لنظريات فرويد وإخوانه من رواد التحليل النفساني، وأخصها نظرية الوعي الباطن ...
অজানা পৃষ্ঠা
فقد سبق إلى الأوهام أن الوعي الباطن هذا اختراع حديث لم يكن له وجود في عصور التاريخ الغابرة، وخطر لهؤلاء الواهمين أن الحس الظاهر لا يكون مرجعا للفنون بعد اكتشاف ذلك «الوعي الباطن» ... ولا يجوز للفنان بعد اليوم أن يرسم ما يراه بعينيه ولو ظهرت فيه آثار وعيه الباطن كله، بل يجب عليه أن يلفق المحسوسات كيفما تخيلها في وعيه الباطن وفي غيره الذي لا يعرفه ولا يراه بطبيعة الحال! ولا ضير بعد ذلك أن تخرج الصور بلا مقاس معروف لأمانة النقل أو لجودة الأداء التعبير، ولا بدليل مفهوم على الفارق بين الحسن والرديء، وبين العناية والإهمال.
وليس أدل على جهل هؤلاء الواهمين بالفن نفسه من غفلتهم عن آثار الوعي الباطن في كل صورة من صور الفنانين الأقدمين، مع الحرص على صدق الحس وأمانة الشبه واللون، فلا عجب أن تنتهي هذه الأوهام إلى نهايتها التي لا محيص عنها، وهي الخلط الذي يلغي بعضه بعضا بعد قليل.
وقد كان لسوء فهم المذاهب الاجتماعية أثر لا يقل في تضليله للأذهان عن الأثر الذي نجم عن سوء فهم الدراسات النفسية.
فقد كان المفهوم من الاشتراكية في بداءة ظهورها أنها دعوة تحارب الامتياز بالثروة المغتصبة وتمنع الاحتكار والاستغلال.
فلما وصلت الدعوة إلى الذين لا يفهمونها خيل إلى الجاهلين بها أنها تقضي على كل امتياز بين أفراد الناس ولو كان امتيازا بالعبقرية، والمواهب العقلية، أو الفضائل الخلقية ... وحسب فريق من هؤلاء أن الكتابة في غير مسائل الأجور وأسعار الطعام وحاجات المعيشة اليومية تعني الترفع عن طبقة الدهماء، وأن كل استعداد للكتابة، غير الكتابة التي يدركها الأميون وأشباه الأميين، هو ضرب من الفضول والخروج على مبادئ الاشتراكية كما يفهمونها، ومصالح الشعب كما يقدرونها.
ومن آثار هذه الدعوة في الأدب العربي صياح الصائحين بإلغاء كل استعداد فني غير متوافر لمن يجهلون أصول الفنون والآداب.
فلا لزوم لقواعد الرسم والتلوين في التصوير، ولا لزوم للنحو والصرف في اللغة، ولا لزوم للقوافي والأوزان في الشعر، ولا لزوم - جريا على هذه القاعدة - لقيود العرف والأخلاق في العلاقات الاجتماعية.
وبعبارة أخرى لا لزوم لمزية من المزايا، ولا لضرب من ضروب الاستعداد لا يشيع بين جميع الناس.
وفي اعتقادنا الذي نبنيه على تجارب الواقع أن هذه الدعوات لا تجاوز أعمار «الموضات» التي يعجل إليها الزوال، وأن هذه الأمواج التي يلغي بعضها بعضا ليست مما يطلق عليه اسم الاتجاه في الأدب العربي ولا في غيره من الآداب العالمية، وليست هي بالتيار الجاري في مجراه القويم على أية حال.
وفي وسع الناظر إلى أدبنا العربي في مجراه أن يصرف نظرته عن هذه الموجات جميعا ليرقب النهر في طريقه المتقدم منذ مطلع نهضتنا الفكرية إلى اليوم، فإنه وشيك أن يتابع النهر في طريقه منذ نيف وسبعين سنة، متقدما على سنة التطور بغير انقطاع، وبغير التفات إلى هذه المقاطعة العارضة من الشاطئ إلى الشاطئ، في موقع محدود لا تتعداه.
অজানা পৃষ্ঠা
ومن هذا الاتجاه المطرد يبدو لنا جليا واضحا أن الأدب العربي يتقدم في وجهة الاستقلال بجملة معانيه بالنسبة إلى الفرد وبالنسبة إلى الأمة، وأن العلامة المحققة لهذا الاتجاه هي الابتعاد يوما فيوما عن التقليد، والاقتراب يوما فيوما من التعبير المطبوع الذي لا يقوم على المحاكاة ولا على النقل بغير تصرف فيه.
ففي الشعر يتقدم الشعراء سريعا من شعر النماذج العامة إلى شعر التعبير عن الشخصية المستقلة.
وفي النثر على اختلاف موضوعاته يكثر التأليف ويزيد عدد الكتب المؤلفة على عدد الكتب المترجمة في أكثر تلك الموضوعات، وذلك فيما عدا موضوعات الثقافة العلمية التي يكثر فيها النقل لتزويد البرامج المدرسية بمادتها الصالحة للتعليم.
ونحن نعني بشعر النماذج؛ ذلك الشعر الذي يصف نموذجا من الناس كما يكون في الجماعة العامة، ولا ينفذ من وراء النموذج إلى أفراد الناس «شخصية شخصية» مستقلة بطابعها عن سائر الشخصيات الإنسانية.
فإذا تغزل مائة شاعر في معشوقاتهم، فالمحاسن المحبوبة في جميع هؤلاء المعشوقات واحدة لا تنويع فيها، من صفات الطلعة والعين والأنف والثغر والقامة الهيفاء والخصر النحيل ... إلى صفات الدلال، والتيه، والهجر، والمطل بالمواعيد.
وإذا امتدح شعراء العصر جميعا وزراء العصر جميعا، فليس أمامنا غير وزير واحد تتكرر شمائله وأعماله في كل قصيدة بمختلف العبارات والأساليب.
تغير ذلك كله رويدا رويدا في مدى هذه السنين من عهد الثورة العرابية وما قبله بقليل، وظهر بعده الشعر الذي يقوله «شخص» له شعوره المستقل وتقديره الخاص لمعاني المديح، والذي يقال في معشوق له صفاته وملامحه وعاداته وأحاديثه التي تروى بلفظها الشعري في أبيات القصيد، أو الذي يقال في ممدوح مميز بطابعه الحي الذي لا يختلط بغيره من الممدوحين.
وسرى هذا الاستقلال سريانه السريع في منظومات الغناء من القصائد الفصحى أو الأزجال والمواويل.
فالأغنية اليوم تعبر عن علاقة حاصلة أو عن واقعة محدودة، ولا ترسل إرسالا في قالبها الموروث بنغماتها أو بمضمونها المكرر المطروق.
وظفر المسرح بنصيبه من هذا التطور في الروايات المسرحية، وأكثرها ينظم لإحياء «الشخصيات» التاريخية بصورتها التي يخرجها الشاعر من القالب العتيق إلى عالم الحياة بين الأحياء.
অজানা পৃষ্ঠা
وظفرت المسائل الاجتماعية بالنصيب الأوفى في الشعر الحديث، وأكثر ما يكون ذلك في سياق القصة المنظومة التي تمزج التعبير العاطفي بالنظرة الاجتماعية إلى أبطالها وبطلاتها، وقد ألقيت في مهرجان الشعر الأخير بالإسكندرية قصائد لكبار الشعراء تزيد على العشر، كانت سبع قصائد منها من باب القصص الاجتماعي أو النفساني، تهدف إلى غاية للشاعر وراء الوصف الصادق والتعبير العاطفي عن وقائع القصة ومواقفها.
أما النثر الأدبي فقد كاد يقصر على القصص وعلى التراجم أو السير التي يصح أن تلحق بالقصة التاريخية.
وانصرف القصاصون عن الموضوعات الغرامية أو الحماسية «الرومانسية» التي تصور الحياة الواقعة في أحياء المدن وجهات الريف، وغلبت القصة الهادفة على الأغراض القصصية الأخرى، كما غلبت الأهداف القومية الاشتراكية على جملة الأهداف التي يرمي إليها «الهدفيون» من القصصين.
وكان للمسرح حظه الموفور من فن القصة الهادفة، وراجت الكتابة باللغة العامية في القصص المسرحية؛ لأنها مقصودة لأغراضها «المحلية» الموقوتة فلا تحتاج إلى الأسلوب الفصيح، وهو أسلوب كل كتابة يقرؤها أبناء الأقاليم على اختلاف لهجاتهم العامية، واختلاف الأزمنة بين جيل وجيل.
ولا يوجد في القصص العربي اليوم ذلك النوع من القصة الذي يدخلونه في الغرب تحت عنوان «البرج العاجي»، ويعنون به أدب الزينة والرفاهية وأدب العواطف اللاهية التي يتسع لها وقت الفراغ.
وإنما يوجد من بين الكتاب الكبار من يشترك في وضع القصص الرمزي الذي يتناول سرائر النفس الإنسانية، ويكاد يحسب من رموز التصوف وأسرار «ما بعد الطبيعة.»
ويوجد كذلك من بين كبار الكتاب من يمارس أدب «البرج العاجي» في حواره المنتظم وموضوعاته التي تستعار أحيانا من الأساطير وما إليها من مبتكرات الذوق والخيال، ولكن روايات هذه النخبة من كبار الكتاب لم تخل قط من ناحية اجتماعية أو ناحية فكرية لا يصدق عليها وصف الناقدين لأدب «الفراغ»، وقد يقال في هذه البروج العاجية أنها لم تخل من حجراتها التي ينتفع بها للسكن والمأوى من حين إلى حين.
وتكاد القصة تجور على نتاج الأدب المنثور، وأن تشغل الأكثرين من قرائها على أبواب الأدب الأخرى، ولا نخالها تركت لهذه الأبواب الأدبية ما يزيد على ربع محصول التأليف مما تصدره المطابع في كل عام.
إلا أن التأليف في النقد الأدبي وفي تاريخ الأدب، وفي المقالة الوصفية، لا يزال في ازدياد وانتشار عند المقارنة بين مؤلفات اليوم وأمثالها من المؤلفات إلى منتصف القرن العشرين ... ويتسم التأليف في هذه الأبواب بسمات العصر كله؛ وهي سمات الاستقلال أو الترجمة مع التعقيب عليها والتصرف في الآراء والأحكام التي تحتويها، وربما استخدم المؤلفون في النقد الأدبي أو تاريخ الأدب مصطلحات المذاهب الغربية من أقدم عصورها إلى العصر الحديث، ولكنهم يحاولون في أكثر الأحوال أن يقابلوا بينها وبين أصول البلاغة عند العرب في المشرق والمغرب، ويعطوا الشعر العربي حقه من الافتراق عن أشعار اللغات الأخرى بمقوماته التي تستلزمها الفوارق الأصلية بين لغة الاشتقاق والوزن في كل كلمة من كلماتها، وبين لغات النحت وهي لا تتقيد بالوزن في كلمة من كلماتها، ولا توضع فيها المشتقات على أوزان مقررة لا تحيد عنها.
وينبغي أن نذكر هنا أن هذه الوجهة في أدبنا الحديث تعم أدب المرأة كما تعم أدب الرجل إن صح هذا التقسيم في ثمرات الفنون، وإنما يصح في جميع الأذواق والمشارب أن ينقسم الأدب إلى الجيد منه وغير الجيد، ولا تتوقف جودته على جنس الأديب ولا سنه ولا مزاجه، ولكنه يختلف في بواعثه ولا يندر أن يكون اختلافه بين أديبين من جنس واحد أقل من اختلافه بين أديبة وأديب.
অজানা পৃষ্ঠা
وقد اشترك في مهرجان الشعر الأخير نحو عشر أديبات: منهن باحثتان في النقد الأدبي وفي تاريخ الأدب، وسائرهن شاعرات لم يزلن في سن الشباب، إذا لوحظ في شعرهن شيء خاص ينسب إلى الجنس - فهو الميل إلى المحافظة في التزام أصول الشعر على عروض لا يجوز فيها إهمال الوزن القافية، وليس هذا بالشيء الخاص بأدب المرأة إلا في اعتبار القائلين: إن المرأة أقرب إلى المحافظة على سنة الجماعة.
ولكن اشتراك المرأة في الحركة الأدبية على أية صورة من الصور هو نفسه علامة مستقلة من أبرز علامات الاتجاه المتطور مع الزمن الحديث، وخلاصته في كلمات الختام أنه اتجاه من التقليد إلى الاستقلال، أو من النماذج التي يغيب فيها الفرد بين أشباهه إلى «الشخصية» المتميزة بطابعها في اختيار التعبير واختيار الموضوع، أو هو على الإجمال اتجاه الكاتب الذي ينقل عن مشق منقوط كمشق الخطاط، إلى صاحب الخط الذي لا تتشابه فيه يدان.
2
مذهب الفيلسوف «هيجل» في أطوار الأمم وأدوار التاريخ يصدق على اتجاهات الأدب في اللغة العربية، وفي غيرها من اللغات الحية.
وخلاصة مذهب «هيجل» - كما هو معلوم - أن كل دور من الأدوار يتبعه ضده أو نقيضه، ثم يلتقي النقيضان على حد وسط بينهما، حتى إذا استقر هذا الحد الوسط على وضع متفق نجم منه نقيضه دواليك على النحو المتقدم.
وفي كل عصر من عصور الأدب يستطيع الناقد أن يكون على يقين من تقابل اتجاهين مختلفين: أحدهما تغلب عليه المحافظة، والآخر يغلب عليه التجديد، ثم يتوسط بينهما اتجاه معتدل لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك.
حدث هذا في الأدب العربي بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ إذ تيقظت الأمم الشرقية وأخذت تنظر في أسباب ضعفها، وتعالجها بما بدا لها من بواعث قوتها، فرأى فريق منها أن يرجع إلى القديم؛ لأنه عهد العظمة والتفوق على غيرها، ورأى فريق آخر أن الرجوع إلى القديم لا سبيل إليه لانقضاء زمنه وتبدل أحوال الزمن بعده، وأن القوة إنما تكون بمحاكاة الأقوياء من أبناء الحضارة الأوروبية في كل شيء، ومن ذاك اتجاهات الآداب والفنون.
ثم اعتدلت بين المدرستين مدرسة متوسطة ترى أن المحاكاة لا تفيد، سواء أكانت محاكاة للقديم أم محاكاة للجديد، وإنما الصواب أن نأخذ بالحسن من كليهما وأن نحذر من «التقليد الأعمى» حيث كان، فلا ندين بالتقليد لأحد، ولا نتجه إلى وجهة في أدبنا وفنوننا غير الوجهة التي نستقل فيها بالرأي والشعور.
وتكاد هذه المدرسة أن تغلب على اتجاهات الأدب في العصر الحاضر، وأن تنجح في تدبير الحلول الصالحة لأكبر المشكلات التي عرضت للأدب العربي في الآونة الأخيرة وهي مشكلة الفصحى والعامية، وأيهما نعتمد عليه في لغة الثقافة والكتابة.
ورأي هذه المدرسة الوسطى أن الفصحى لها موضعها وموضوعاتها، وأن العامية لها كذلك موضع وموضوعات، فهي - أي: العامية - لا تصلح للتعميم بين الأمكنة والأزمنة المختلفة؛ لأنها بطبيعتها محلية وقتية، ولكنها تصلح للمسائل التي تعالج في حينها ومكانها، ثم تنتهي بانتهاء ذلك الحين وذلك المكان.
অজানা পৃষ্ঠা
ولكن هذه المدرسة تعارضها في السنوات الأخيرة دعوة جامحة تحاول أن تنطلق من جميع القواعد وجميع الأصول، وآفتها الكبرى أنها تخلط بين القواعد والقيود، فتحسب أن الانطلاق من القيود سيلزم الانطلاق من القواعد الفنية، وهو وهم ظاهر البطلان؛ لأن الفنون لا توجد بغير قواعد تعصمها من الفوضى، بل لا توجد لعبة عامة بغير قاعدة عامة، ولا يستطيع لاعب الشطرنج أو النرد أو الدومينة مثلا أن يحرك القطع كما يشاء، وإلا بطلت اللعبة كلها في لحظة واحدة.
ومن أسباب التفاؤل في مصير هذه الدعوة الجامحة أنها أجنبية غريبة لم تخلقها بنية الأمة ولم تنبتها جذورها العريقة ولا فروعها الحديثة، ولكنها أشبه بالزوان بين سنابل القمح، يوشك أن يخنقها لو بقي، وليست له مع هذا قوة على البقاء.
فالاتجاهات الحديثة في الأدب العربي لا توجهها هذه الدعوة في الواقع ولا تنقاد لها باختيارها ولا على غير قصد منها، وإنما تأتي هذه الاتجاهات نتيجة للحالة العملية التي طرأت خلال ربع القرن الأخير، وهي حالة يلخصها ظهور الإذاعة وانتشار الصحافة وزيادة عدد القراء، حتى دخلت في موازين القراءة والكتابة مسألة الكثرة العددية، بعد أن كان الحكم فيها للصفوة المختارة من المثقفين أصحاب الآراء والأذواق.
إن هذه الحالة العملية ليست مذهبا من مذاهب البحث والتفكير، وليست مدرسة من مدارس الفن التي تتقابل فيها الحجج والأقوال، ولكنها هي النتيجة التي لا بد منها في أول عهد الإذاعة مع انتشار الصحافة وتداول القراءة بين عدد كبير من القراء، تميل الجمهرة الغالبة منهم إلى التسلية، ولا تستعد بثقافتها لطلب الفنون العالية والتعبيرات الرفيعة في آداب اللغة، وسائر التعبيرات التي تؤديها الفنون بوسائلها المتعددة.
وتتلخص هذه النتيجة في الاتجاهات الآتية:
أولها:
وفرة القصص السهلة التي تخاطب الغرائز ولا سيما الغرائز الجنسية وغرائز الصراع التي تتأثر بالمخاوف والأهوال، وتمثيل القصص بالصور المتحركة قد جعلها من شئون السماع ولم يقصرها على القراءة.
وثانيها:
شيوع الموضوعات العرضية التي يمكن أن توصف في جملتها بأنها من موضوعات الصحافة الشائعة يشترك فيها جمهرة القراء.
وثالثها:
অজানা পৃষ্ঠা
قلة الشعر المستقل وكثرة الشعر الذي يعتمد على الغناء والمناظر المسرحية، ويقترن به الرقص ومواقف الغزل واللهو على الإجمال.
تلك هي الاتجاهات الشائعة التي تعم الجمهرة القارئة ولا تتخصص بطائفة من طلاب المطالعة التي لم تتأثر بانتشار الصحافة المبتذلة وبرامج الإذاعة ومعارض الصور المتحركة.
إلا أنها - كما قلنا - اتجاهات شائعة تحكمها العددية، ولا تلغي وجود الاتجاهات الجدية التي تستعد للأدب بثقافة عالية أو فهم راجح، ورغبة صادقة في الاستفادة وتهذيب العقل والذوق.
فإلى جانب القصص الغريزية والمناظر المثيرة، توجد المطالعات الرفيعة في النقد والتاريخ والتحليلات النفسية، وتوجد التصانيف التي يدرسها الطالب في جامعته، وتشتمل عليها برامج التعليم في مراحله العالية.
وربما كان نصيب النقد أكبر من نصيب الخلق والابتداع في هذه المطالعات الجديدة، ولكنه نقد مستقل في كثير من موضوعاته، وكل استقلال فهو نوع من الخلق والإنشاء وإن لم يأت بثمرة جديدة؛ لأن الاستقلال في النقد كالإبداع في ثمرات الفنون، كلاهما يعتمد على «شخصية» المؤلف وموازينه التي لا تختل بالمحاكاة أو بالمجاراة.
وطوالع الأمل تبشر بالانتقال من هذه الحالة إلى حالة خير منها؛ لأنها تبشر بالتخصص بين القراء كما تبشر بالتخصص بين الأدباء.
فالقصة المهذبة توجد إلى جانب القصة الغريزية وإن كانت الآن لا تروج مثل رواجها.
وقلة الشعر المستقل أو المحض لا تدل على انطفاء شعلة الشعر في النفس الإنسانية، ولا نحسب أن هذه الشعلة تنطفئ في وقت من الأوقات؛ إذ كان الشعر ملكة إنسانية لم تتجرد منها قبيلة من قبائل البشر وصلت إلى طور التفاهم والتخاطب، ولا شك أنه أول ما يسيغه الطفل الوليد من الكلام؛ لأنه يتأثر به في المهد قبل أن يفهم ما يقال بلغة الخطاب.
إنما قل الشعر المحض؛ لأن موضوعه مشترك في العصر الحاضر بين كثير من التعبيرات التي تؤدي رسالته أو تنوب عنها، ومنها السماع الميسر في جميع البيوت من طريق الإذاعة أو طريق الأسطوانات، ومنها التعبيرات العاطفية التي تنفس عن شعور القارئ والسامع كلما اطلع على خبر أو حادث ينبه إحساسه ويشغل خاطره كما كانت تشغله من قبل قصائد الشعراء.
ونحن في عصر يجمع بين النقيضين؛ لأنه عصر المشاهدات العالمية التي تواجه الإنسان كل يوم بملحمة مفعولة وإن لم تكن ملحمة منظومة أو مقروءة.
অজানা পৃষ্ঠা