كذا قضى الله للأقلام مذ بريتأن السيوف لها مذ أرهفت خدم وقد قدمنا: أن الملكات الصناعية، تفيد عقلا زائدا. والكتابة، من بين الصنائع، أكثر إفادة لذلك. لأنها تشتمل على علوم وأنظار. إذ فيها، انتقال من صور الحروف الخطية، إلى الكلمات اللفظية. ومنها، إلى المعاني. فهو ينتقل من دليل إلى دليل. وتتعود النفوس ذلك دائما، فيحصل لها ملكة الانتقال، من الدليل، إلى المدلول. وهو مقتضى النظر العقلي، الذي يكتسب به العلوم المجهولة. فيحصل بذلك، مزيد عقل، وزيادة فطنة. والكتابة - وإن عظمت منفعتها - فهي مفرعة عن النطق. ولكن، قد يوجد في الفرع، ما لا يوجد في الأصل. فيكون في الفرع، ما في الأصل، وزيادة. بيانه: أن بدن الإنسان، لا يتم إلا بالقلب، الذي هو معدن الحرارة الطبيعية. ولا بد من وصول النسيم البارد إليه، ساعة بعد ساعة، حتى يبقى على اعتداله. ولا يحترق. فخلقت الآلات في بدنه، بحيث يقدر الإنسان بها، إلي إدخال النسيم البارد، في قلبه. فإذا مكث ذلك النسيم لحظة، تسخن وفسد. فلزم إخراجه. فالصانع الحكيم، جعل النفس الخارج، سببا لحدوث الصوت. ثم، إن الصوت، سهل تقطيعه، في المحابس المختلفة، فحصلت هيئات مخصوصة، بسبب تقطيع، ذلك الصوت، في تلك المحابس. وتلك الهيئات المخصوصة، هي الحروف. ثم ركبوا الحروف، فحصلت الكلمات. ثم جعلوا كل كلمة مخصوصة، معرفة لمعنى مخصوص. ثم اضطروا إلى الكتابة، وعظمت الحاجة إليها. وظاهر أن إدخالها في الوجود، صعب. وذلك، أنا لو افتقرنا، إلى أن نضع، لتعريف كل معنى من المعاني، نقشا مخصوصا، لافتقرنا إلى وضع نقوش لا نهاية لها، قد بروا فيه طريقا لطيفا. وهو أنهم وضعوا، بإزاء كل واحد من الحروف النطقية البسيطة، نقشا خاصا. ثم جعلوا النقوش المركبة، في مقابلة الحروف المركبة، فسهلت الكتابة، بهذا الطريق. فلهذا، كانت الكتابة، مفرعة عن النطق. ولكن حصلت في الكتابة منفعة عظيمة. وهو أن عقل الإنسان الواحد، لا يقدر على استنباط العلوم الكثيرة، فصار الإنسان، إذا استنبط مقدارا من العلم، أثبته بالكتابة. فإذا جاء إنسان آخر، ووقف عليه، قدر على استنباط شيء آخر، زائد على ذلك الأول، فظهر أن العلوم، إنما كثرت، بإعانة الكتابة.
كتابات الأمم
جميع كتابات الأمم، من سكان المشرق والمغرب، اثنتا عشرة كتابة. وهي: الفارسية، والحميرية، والعربية، واليونانية، والسريانية، والعبرانية، والرومية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية، والهندية، والصينية. وخمس من هذه، بطل استعمالها. ولم يبق من يعرفها من الأمم. وهي: الحميرية، واليونانية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية. والباقيات، مستعملات في بلدانها. أما الكتابة الفارسية، فإنه، وإن كان جنسها واحدا، ففيها ستة أنواع من الخطوط. وحروفها، مركبة من: أجد، هوز، كلمن، سفارش، تخذغ فالثاء المثلثة، والحاء المهملة، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والعين المهملة، والقاف: سواقط عندهم وأول من وضع الكتابة الفارسية، كهمورث. ويقال: كيومرث، ثالث ملوك الفرس الأولى. ويقال: إنه أول من تكلم بالفارسية. وقيل: أول من كتب بالفارسية، الضحاك. وقيل: فريدون.
وملوك الفرس، طبقتان. فعدة الطبقة الأولى، تسعة عشرة ملكا، منهم امرأتان. أخرهم: دارا بن دارا، الذي قتله الإسكندر اليوناني. ودثرت الفرس الأولى، كدثور الأمم الماضية. وعدد ملوك الفرس الثانية، ثلاثون ملكا، منهم امرأتان أولهم أردشير بن بابك بن ساسان، الذي وضع له النرد. وآخرهم، يزدجر بن شهريار. وهم الأكاسرة.
পৃষ্ঠা ২২