وكان أن مدة بقاء كل حادث، وزمان فنائه، معين في علم الله - تعالى - وإن كان مجهولا لنا، كذلك مدة بقاء كل حكم، وزمن تغيره، كان معينا في علم الله وإن كان مجهولا لأهل الأديان السابقة فالتحالف بين شرائع الأنبياء، في جزئيات الأحكام سبب تفاوت الأعصار، في المصالح، من حيث أن كل واحد من الأحكام، حق، بالإضافة إلى أهل زمانه، مراعى فيه، مصالح من خوطب به فالنسخ، إنما هو للأحكام لا لنبوة النبي، المنسوخة شريعته، فإن النبوة، صفة لا تزول عمن اتصف بها واليهود، منعوا النسخ، فأنكروا الإنجيل، وذلك أن الإنجيل النازل على المسيح، وإن لم يكن في أحكام من الحلال والحرام، إنما هو رموز وأمثال ومواعظ والأحكام فيه محالة على التوراة إلا أن فيه إشارة لنسخ بعض أحكامها. وقالوا:إن عيسى مأمور باتباع التوراة، وموافقة موسى فغير وبدل!! وعدوا من التغييرات، تغيير السبت إلى الأحد ومنها، أكل بعض ما كان حراما في التوراة، ومنها، الختان، وكان لازما في التوراة. ومنها الغسل من الجناية، وكان لازما في التوراة، ومنها، زوال النجاسة، وكان لازما في التوراة، وغير ذلك. واحتجت اليهود بأن موسى، نفى نسخ دينه. ويلزم الاعتراف بصدقة، لكونه نبيا بالاتفاق وذلك أنه قال - بالتواتر - تمسكوا بالسبت، مادامت السموات والأرض والمراد بدوامه، دوام اليهودية، كما هو ظاهر اللفظ. واحتجوا أيضا بأن موسى، إما أن يكون صرح بدوام دينه، أو بعدم دوامه، أو سكت، والأخيران باطلان، أما تصريحه، بعدم دوام دينه، فإنه لو قال ذلك: لتواتر عنه، لكونه من الأمور العظيمة، التي تتوفر الدواعي على نقلها، وإشاعتها. لا سيما من الأعداء، ومن يدعي نسخ دينه لأنه أقوى حجة له في نسخه، لكنه لم يتواتر باتفاق وأما الثالث وهو سكوته يقتضي ثبوت دينه، مرة واحدة، وعدم تكرره لأن الشيء، إذا أطلق، يتحقق بالمرة الواحدة، وهذا معلوم البطلان، لتقرر شرع موسى، إلى وقت ظهور المسيح، فأجابهم النصارى، المصدقون للمسيح، القائلون: بأن نسخ الشرائع، ممكن، بأن تواتر دوام السبت، عن موسى، باطل. ولو كان متواترا - كما زعمتم - لاحتج به على المسيح، ولو احتج به عليه، لنقل إلينا متواترا، لتوفر الدواعي على نقله، ولا تواتر.
وأما قولكم: أكان صرح بدوام دينه، أو بعدم دوامه، أو سكت فجوابه: أنه صرح بدوامه، إلى ظهور الناسخ، وهو المسيح، وإنما لم ينقل ذلك - تواترا - لقلة الدواعي منهم إلى نقله، لما فيه من الحجة عليهم.
পৃষ্ঠা ১৮