وإذا ثبت، أن الله تعالى، فاعل مختار، لا علة موجبة. وثبت، أن إرسال الأنبياء، ممكن غير محال في حقه وجاءت الأنبياء، بما يصدقهم، من المعجزات الخارقة للعادة، لزم تصديقهم. والدليل على أن الله تعالى، فاعل مختار، هو أن هذه الأجسام الموجودة متناهية وكل متناه فهو مشكل ينتج: أن هذه الأجسام الموجودة، مشكلة وهذه الأشكال قسمان: أحدهما: الأشكال التي حصلت على سبيل الاتفاق، من غير أن يحتاج حصولها، إلى فعل فاعل حكيم.
والثاني الإشكال، التي يشهد صريح العقل بأنها لم تحصل إلا بقصد فاعل حكيم.
أما القسم الأول، فمثل الحجر المنكسر، والكوز المنكسر، فإنه لا بد وأن يكون لتلك القطعة من الحجر والفخار شكل مخصوص معين. إلا أن صريح العقل، شاهد بأن ذلك الشكل المخصوص، وقع على سبيل الاتفاق ولا يتوقف حصوله، على فعل فاعل مختار.
وأما القسم الثاني فهو مثل الأشكال، الواقعة على وفق المصالح والمنافع، مثله، الإبريق، فإننا لما نظرنا إلى الإبريق، رأينا فيه ثلاثة أشياء: أحدها، الرأس الواسع، وثانيها، البلبلة الضيقة، وثالثها، العروة، فلما تأملنا، هذه الأحوال الثلاثة، وجدناها موافقة لمصلحة الخلق، فإنه لا بد من توسيع رأس الإبريق، حتى يدخل الماء فيه بالسهولة ولا بد من ضيق بلبلته حتى يخرج الماء منها بقدر الحاجة، ولا بد له من العروة، حتى يقدر الإنسان على أن يأخذه بيده، فلما وجدنا هذه الأوصاف الثلاثة، في الإبريق مطابقة للمصلحة، شهد عقل كل واحد، بأن فاعل هذا الإبريق، لا بد وأن يكون قد فعله بناء على الحكمة، ورعاية المصلحة ولو أن قائلا قال: إن هذا الإبريق تكون بنفسه، من غير قاصد حكيم، ولا فعل فاعل.
بل اتفق تكونه بنفسه، كما اتفق تشكل هذه القطعة، بهذا الشكل الخاص، من غير قصد قاصد حكيم، ولا جعل جاعل، لشهدت الفطرة السلمية بأن هذا القول، باطل محال. ومتى ثبت القول بالفاعل المختار،، ثبت حدوث العالم. ومن عرف هذا، سهل عليه معرفة النبي، فإن من دخل بستانا ورأى أزهارا حادثة، بعد أن لم تكن. ثم رأى عنقود عنب، قد اسود جميع حباته، إلا حبة واحدة، مع تساوي نسبة الماء والهواء وحر الشمس، إلى جميع تلك الحبات، فإنه يضطر إلى العلم بأن فاعله مختار، وحينئذ تحصل المعرفة الضرورية بصدق الرسول لأن دلالة المعجزة، على صدق الرسول،ضرورية.
تنبيه معرفة النبي
পৃষ্ঠা ১৬