للناس على اقتباس العلم، ونهي عن الاقتصار على مآثر الآباء، فإن المآثر الموروثة قليلة الغناء، سريعة الفناء، ما لم تضامَّها فضيلة النفس، لأن ذلك إنما يحمد لكي يوجد الفرع مثله. ومتى أخلف الفرع وتخلف فإنه يخبر بأحد شيئين: إما بتكذيب من يدعي الشرف لعنصره. وإما بتكذيبه في انتسابه إلى ذلك العنصر، وما فيهما حظ لمختار، فالمحمود أن يكون الأصل في الفضائل راسخًا، والفرع به شامخًا، كما قال الشاعر:
زانوا قديمهم بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق بحسن خصال
ومن لم يجتمع له الأمران فلأن يكون المرء شريف النفس دني الأصل أولى من أن يكون دني النفس شريف الأصل، قال الشاعر:
إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة ... من الثمرات اعتده الناس في الحطب
فما الحسب الموروث لا در دره ... بمحتسب إلا بآخر مكتسب
ومن كان عنصره في الحقيقة سنيًّا وفي نفسه دنيًّا فذلك أتى إما من إهماله نفسه
وسومها، وإما لتعوده عادات قبيحة، وصحبة أشرار، وغير ذلك من العوارض المفسدة
للعناصر الكريمة، فليس سبب الرذيلة شيئا واحدًا.
الفضائل الجسمية
قد استهان قوم بذلك، وقالوا: كفى بالمرء أن يكون صحيح البدن بريئا من
الأمراض الشاغلة عن تحري الفضائل العقلية، وليس كذلك، فالبدن للنفس بمنزلة الآلة للصانع، والسفينة للربان، اللتين بهما صار صانعًا وربانًا.
وجميع أجزاء البدن بالقول المجمل أربعة: العظام التي تجري للبدن مجرى الألواح للسفينة. والعصب الذي يجري له مجرى الرباط الذي تشد به الألواح. واللحم الذي يجري له مجرى الحشو للرباطات. والجلد الذي يجري مجرى الغشاء لجميعها.
1 / 113