نور القرآن ونور العقل، وبين أنه يخص بذلك من يشاء. وقال في وصف ما جعله اللَّه لنا من الحصن: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، أي المتحصنين بعبادتي فمن لم يقم برعاية نوره وحماية حصنه عمه في دجاه، وتمكن من استغوائه
عداه. كما قال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧)، فمن لم يتزود من دنياه زاده كما أمر اللَّه تعالى بقوله: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)، جاءت رحلته فيُسْترجع منه ما أعير من جسده، وذات يده ليتحسر حين لا يغنيه تحسره، ويقول: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا)، ويقول: (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)، فحينئذ (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، وأيضًا فإن الإنسان من وجه في دنياه حارث، وعمله حرثه، ودنياه محرثته، ووقت موته وقت حصاده، والآخرة بيدره، ولا يحصد إلا ما زرعه، ولا يكيل إلا ما حصده، ولهذا قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)،
وكما أن في البيدر مكاييل وموازين وأمناء وحفاظا ومشاهدين، وكتابًا، كذلك في الآخرة مثل ذلك، كما قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)
1 / 70