أَو يُعَاقب الرجل بجريمة قَرِيبه أَو جَاره من غير أَن يكون قد أذْنب لَا بترك وَاجِب وَلَا بِفعل محرم فَهَذَا الَّذِي لَا يحل فَأَما هَذَا فَإِنَّمَا يُعَاقب على ذَنْب نَفسه وَهُوَ أَن يكون قد علم مَكَان الظَّالِم الَّذِي يطْلب حُضُوره لِاسْتِيفَاء الْحق أَو مَكَان المَال الَّذِي قد تعلق بِهِ حُقُوق الْمُسْتَحقّين فَيمْتَنع من الْإِعَانَة والنصرة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ فِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع إِمَّا مُحَابَاة وحمية لذَلِك الظَّالِم كَمَا قد يفعل أهل الْمعْصِيَة بَعضهم بِبَعْض وَإِمَّا معاداة أَو بغضا للمظلوم وَقد قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على أَلا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى﴾ وَإِمَّا إعْرَاضًا عَن الْقيام لله وَالْقِيَام بِالْقِسْطِ الَّذِي أوجبه الله وجبنا وفشلا وخذلانا لدينِهِ كَمَا يَفْعَله التاركون لنصر الله وَرَسُوله وَدينه وَكتابه الَّذين إِذا قيل لَهُم انفروا فِي سَبِيل الله اثاقلوا إِلَى الأَرْض وعَلى كل تَقْدِير فَهَذَا الضَّرْب يسْتَحق الْعقُوبَة بِاتِّفَاق الْعلمَاء وَمن لم يسْلك هَذِه السبل عطل الْحُدُود وضيع الْحُقُوق وَأكل الْقوي الضَّعِيف وَهُوَ يشبه من عِنْده مَال الظَّالِم المماطل من عين أَو دين وَقد امْتنع من تَسْلِيمه لحَاكم عَادل يُوفى بِهِ دينه أَو يُؤَدِّي مِنْهُ النَّفَقَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لأَهله أَو أَقَاربه أَو مماليكه أَو بهائمه وَكَثِيرًا مَا يجب على الرجل حق بِسَبَب غَيره كَمَا تجب عَلَيْهِ النَّفَقَة بِسَبَب حَاجَة قريبَة وكما تجب الدِّيَة على عَاقِلَة الْقَاتِل
وَهَذَا الضَّرْب من التَّعْزِير عُقُوبَة لمن علم أَن عِنْده مَالا أَو نفسا يجب إِحْضَاره وَهُوَ لَا يحضرهُ كالقطاع والسراق وحماتهم أَو علم أَنه خَبِير بِهِ وَهُوَ لَا يخبر بمكانه فَأَما إِن امْتنع من الْإِخْبَار والإحضار لِئَلَّا يعتدي عَلَيْهِ الطَّالِب أَو يَظْلمه فَهَذَا محسن وَكَثِيرًا مَا يشْتَبه أَحدهمَا بِالْآخرِ ويجتمع شبهه وشهرته وَالْوَاجِب تَمْيِيز الْحق من الْبَاطِل وَهَذَا يَقع كثيرا فِي الرؤساء من أهل الْبَادِيَة والحاضرة وَإِذا استجار بهم مستجير أَو كَانَ بَينهمَا قرَابَة أَو صداقة فَإِنَّهُم يرَوْنَ الحمية الْجَاهِلِيَّة والعزة بالإثم والسمعة عِنْد الأوباش أَنهم ينصرونه وَإِن كَانَ ظَالِما مُبْطلًا على المحق الْمَظْلُوم لَا سِيمَا إِن كَانَ الْمَظْلُوم رَئِيسا يناوئهم ويناوؤنه فيرون فِي تَسْلِيم المستجير بهم إِلَى من يناوئهم ذلا أَو عَجزا وَهَذَا على الْإِطْلَاق جَاهِلِيَّة مَحْضَة وهم من أكبر أَسبَاب فَسَاد الدّين وَالدُّنْيَا وَقد ذكر أَنه إِنَّمَا كَانَ سَبَب حروب من حروب الْأَعْرَاب كحرب البسوس الَّتِي كَانَت بَين بني بكر وتغلب إِلَى نَحْو هَذَا وَكَذَا سَبَب دُخُول التّرْك المغول دَار الْإِسْلَام واستيلاؤهم على مُلُوك مَا وَرَاء النَّهر وخراسان كَانَ سَببه نَحْو هَذَا وَمن أذلّ نَفسه لله أعزها وَمن بذل الْحق من نَفسه فقد أكْرم نَفسه فَإِن أكْرم الْخلق عِنْد الله أَتْقَاهُم وَمن اعتز بالظلم فِي منع وَفعل الْإِثْم فقد أذلّ نَفسه وأهانها قَالَ الله تَعَالَى ﴿من كَانَ يُرِيد الْعِزَّة فَللَّه الْعِزَّة جَمِيعًا﴾
2 / 43