أي نعم لا يجهل قدره إلا من يجهل ذلك؛ لأن تلك هي بعض فوائده وثمراته وكيف لا ومن المعلوم أن أكثر ما يفيد كمال العقل التجارب . والتاريخ هو العلم الذي يعطيك من التجارب كما يكون لمن عاش منذ بدء الدنيا، إلى اليوم الذي أنت فيه . يمر بك على الأمم كأنك معهم، ويأخذ بيدك إلى الممالك، حاضرها وباديها حتى كأنك فيها ويشهدك الحوادث والمناظرة الغابرة التي حصلت في أكثر من ستة آلاف سنة ، ويطلعك على ما لو كنت في زمنه ما استطعت الوصول إليه من دقائق السياسة وما كان يجري في قصور الملوك، ويعطيك علم التاريخ هذا وأكثر منه في أقل جزء من الزمن فيه كل ذلك ، للتاريخ فائدة هائلة لا يعرفها إلا من قرأ التاريخ أو رأى أعمال وأفكار من قرأه - يرقى الفكر إلى درجة عظيمة ، ويؤثر في الأخلاق تأثيرا لا يمكن أن يصل إليه الإنسان بدونه ، ويرقى العقل أكثر مما يتصور - وأقطع شاهد قوله تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) وشيء يحضر بين يديك العصور الخالية، والأمم البائدة والممالك السحيقة بأعمالها وعاداتها وأخلاقها ومدنيتها وحسناتها وسيئاتها، ويمثل الحوادث بين يديك كلها لتأخذ منها خلاصة المستحسنات وتبتعد عما عداها، لجدير أن تكون له أعظم فائدة، حسبك في هذا كتاب الله الذي أتى على شيء كثير من تواريخ الأمم وحث على التأمل في أحوال الأمم البائدة منها لغرض الاعتبار والموعظة(1) .
পৃষ্ঠা ৩১