أرسلنا بعد موسى رسولا على أثر رسول إليكم (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) أي العلامات الواضحات كاحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإنجيل (وأيدناه) أي قويناه (بروح القدس) أي بجبرائيل والقدس، والقدوس هو الله، قرئ بضم الدال وسكونه «1»، ومعناه الطاهر من كل عيب أو روح القدس اسم الله الأعظم الذي يحيي به الموتى، قيل: ما بين موسى وعيسى أربعة آلاف نبي «2»، وقيل: سبعون ألف نبي «3»، قوله (أفكلما جاءكم) وسط فيه همزة الاستفهام للتوبيخ لهم بين الفاء وما تعلقت به من المعطوف عليه وهو «آتينا» قبله، أي آتينا أنبياءكم ما آتيناهم فكلما آتاكم (رسول) من الرسل (بما لا تهوى) أي لا تريد (أنفسكم) ولا يوافق هواكم (استكبرتم) أي تعظمتم عن الإيمان به (ففريقا كذبتم) منهم كعيسى ومحمد عليهما السلام (وفريقا تقتلون) [87] كذكريا ويحيى وشعيا، وأراد بالاستقبال تعظيما لهذه الحالة حيث لم يقل قتلتم بالمضي.
[سورة البقرة (2): آية 88]
وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (88)
(وقالوا قلوبنا غلف) بسكون اللام جمع غلاف، وهو الوعاء، أي قلوبنا أوعية للعلم، فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره أو جمع أغلف كأحمر وهو ما فيه غشاوة، أي لا نفهم حديثكم، لأن قلوبنا في غطاء فأضرب الله تعالى عن دعويهم وأثبت أن قلوبهم قابلة للإيمان لكونها سليمة بأصل الخلقة وهم يعاندون بالكفر فقال (بل لعنهم الله) أي طردهم عن رحمته (بكفرهم) أي بجحدهم الحق (فقليلا ما يؤمنون) [88] «ما» زاءدة فيه، و«قليلا» نصب لكونه صفة مصدر محذوف، أي إيمانا قليلا يؤمنون، لأن مؤمني اليهود قليلون بالنسبة إلى مؤمني المشركين.
[سورة البقرة (2): آية 89]
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (89)
(ولما جاءهم كتاب من عند الله) أي القرآن (مصدق لما معهم) أي موافق للتورية في التوحيد وبعض الشرائع (وكانوا من قبل) أي قبل محمد عليه السلام (يستفتحون) أي يستنصرون به (على الذين كفروا) أي على كفار مكة، لأنهم قد وجدوا في التورية نعت محمد، وكانوا إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب يقولون: اللهم انصرنا عليهم باسم نبيك محمد وبكتابك تنزل عليه، فنصروا على عدوهم (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق وهو محمد عليه السلام (كفروا به) حسدا وحرصا على الرياسة، وغيروا صفته، فقال تعالى (فلعنة الله) أي طرده وسخطه (على الكافرين) [89] بمحمد وكتابه.
[سورة البقرة (2): آية 90]
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤ بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين (90)
(بئسما اشتروا) أي بئس شيئا باعوا (به) أي بسببه (أنفسهم) بئس للذم نقيض نعم للمدح، وفيه ضمير مبهم فسره «ما»، ومحله نصب بمعنى شيئا والمخصوص بالذم قوله (أن يكفروا بما أنزل الله) من القرآن (بغيا) مفعول له، أي لأجل الظلم والحسد على (أن ينزل الله) بالتخفيف والتشديد «4» (من فضله) من الرسالة والكتاب (على من يشاء من عباده) وهو محمد عليه السلام، لأنه تعالى لا إعتراض لأحد عليه في وضعه الرسالة والنبوة حيث شاء «5» (فباؤ) أي رجعوا (بغضب) أي مغضوبا عليهم (على غضب) صفة للأول «6»، يعني استوجبوا اللعنة
পৃষ্ঠা ৬০