للمؤمنين، فأمنوا بها على أنفسهم «1» وعيالهم ومالهم، ومشوا في ضوءها حتى إذا بلغوا إلى آخر العمر، كل لسانهم عنها وبقوا في ظلمة كفرهم أبد الأبد، وقيل: نزلت الآية في شأن المشركين الذين تمكنوا في حوالي المدينة «2»، فانهم إذا حاربوا أعداءهم كانوا يستنصورن باسم محمد قبل بعثته مقرين بنبوته، ويقولون بحق نبيك محمد أن تنصرنا، فلما بعث النبي عليه السلام وقدم المدينة حسدوه وكذبوه فخمدت نارهم وبقوا في ظلمات الكفر.
[سورة البقرة (2): آية 18]
صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18)
ثم استأنف بالوجه الثاني بقوله (صم) أي هم متصامون عن سماع الحق وقبوله (بكم) أي خرس عن قول الحق بالإخلاص (عمي) أي فاقدوا الأبصار عن النظر الموصل إلى العبرة التي تؤديهم إلى الهدى، يعني أن الله خلق هذه المشاعر الثلاثة: السمع واللسان والبصر لينتفعوا بها، فاذا لم ينتفعوا مع سلامتها بها جعلوا كأنما انعدمت مشاعرهم (فهم لا يرجعون) [18] عن ضلالتهم إلى الهدى.
[سورة البقرة (2): آية 19]
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19)
ثم ذكر الوجه الثالث الذي هو أغلظ من الأولين بادخال «أو» للتخيير فيه بقوله (أو كصيب) أي إن شئت شبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب وهو ما نزل من علو إلى سفل، والمراد المطر، ويقال للسحاب صيب أيضا، وهو معطوف على خبر المبتدأ، أعني كمثل، تقديره: أو مثلهم كمثل أصحاب صيب ينزل (من السماء) أي من السحاب، وفائدة ذكر «من السماء» إيذان بأن السحاب من السحاب يأخذ ماءه، لا كزعم من قال إنه يأخذه من البحر «3» (فيه) أي في الصيب أو في السحاب (ظلمات) رفعه بالظرف على الاتفاق لاعتماده على موصوف، جمع ظلمة، أقله ثلاثة، فحملت على ثلاث ظلمات، فان عاد الضمير في «فيه» إلى المطر فظلماته تكاثفه وتتابعه والأخرى ظل الغمام كأنه في المطر باعتبار المجاورة، وإن عاد إلى السحاب فظلماته سواده وظلمة تطبيقه والأخرى ظلمة الليل بانضمامها إليهما، والجملة من «فيه ظلمات» في محل الجر صفة ل «صيب» (ورعد) أي وفيه صوت قاصف يسمع من السحاب (وبرق) أي نار خاطفة تخرج من السحاب، وقيل:
الرعد ملك يسوق السحاب، والبرق لمعان يظهر من سوط الملك من النار يزجر به السحاب ليمطر «4» وهو من الصواعق، ولم يجمع الرعد والبرق كظلمات، لأنه روعي أصلهما «5» وهو المصدر، وإن أريد منهما العينيان، والضمير الفاعل «6» يرجع إلى أصحاب الصيب مع كونه مضافا محذوفا، أقيم مقامه الصيب في قوله (يجعلون أصابعهم) أي الأنامل منها، وفي ذكر ال «أصابع» من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل، وهي أنهم يدخلون من شدة الحيرة أصابعهم كله (في آذانهم من الصواعق) أي من أجل خوفهم «7»، جمع صاعقة، وهي قطعة نار مهلكة، ينزلها الله تعالى على ما «8» يشاء لتحرقه، من الصعق، وهو الإهلاك «9»، قيل: كل عذاب مهلك صاعقة «10»، روي كان النبي عليه السلام يقول إذا سمع الرعد وصواعقه: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» «11»، المعنى: أنهم يدخلون الأنامل في آذانهم إدخالا شديدا للاحتراز عن سمع الصواعق (حذر الموت) مفعول له، أي لأجل مخافة الهلاك، والموت عبارة عن فساد البنية من الحيوان (والله
পৃষ্ঠা ৩৩