ونزل في شأن المنافقين والمؤمنين «1» (وإذا لقوا) أي استقبلوا (الذين آمنوا) بالحق (قالوا) كذبا (آمنا) كايمانكم في حدوثه ظاهرا (وإذا خلوا) أي مضوا (إلى شياطينهم) أي أصحابهم من المشركين والمنافقين، من شطن إذا بعد لبعده من رحمة الله (قالوا إنا معكم) أي على دينكم وثباته (إنما نحن مستهزؤن) [14] أي ساخرون بمحمد وأصحابه، والاستهزاء: التجهيل والسخرية، يعني نحن نسخر بهم باظهارنا الإيمان، وهو تأكيد لقولهم «إنا معكم»، فرد الله عليهم مستأنفا بقوله (الله يستهزئ بهم) أي يجازيهم جزاء استهزائهم بتجديده دائما يوم القيامة بأن يعذبهم بالنار، وبأن يفتح لهم بابا من الجنة وهم في جهنم، فيساقون منها إلى ذلك الباب، فاذا وصلوا إليه سد الباب عنهم وردوا إلى جهنم والمؤمنون على الأرائك في الجنة ينظرون إليهم ويضحكون، ويفعل بهم ذلك مرة بعد مرة (ويمدهم) أي ويزيدهم بالإمهال، فهو من المدد لا من المد في العمر لقراءة البعض «ويمدهم» من الإمداد (في طغيانهم) أي في تجاوزهم الحد في الكفر والضلالة (يعمهون) [15] حال، أي يتحيرون ويترددون في ضلالتهم عقوبة لهم في الدنيا.
[سورة البقرة (2): آية 16]
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)
(أولئك الذين اشتروا) أي اختاروا «2» (الضلالة) أي الكفر والعدول عن الحق (بالهدى) أي بدل الإيمان «3» والسلوك في الطريق المستقيم، جعل الهدى كأنه في أيديهم لتمكنهم منه، وهو الاستعداد به فبميلهم إلى الضلالة، عطلوه وتركوه، والباء تصحب المتروك في باب المعارضة، ومنها الاشتراء «4» (فما ربحت تجارتهم) أي إذا اشتروا به ذلك فما ربحوا في تجارتهم، والربح: الزيادة على رأس المال، وهو صنعة التاجر، وإنما أسند إلى التجارة بالمجاز المرشح لاشتراء الضلالة بالهدى المستعمل في الاختيار «5» على وجه التشبيه بجامع الاستبدال «6» لتتميم الكلام وتزيينه (وما كانوا مهتدين) [16] أي مصيبين في تجارتهم لعدم علمهم بطرقها أو وما كانوا ناجين من الضلالة.
[سورة البقرة (2): آية 17]
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17)
ثم عقب صفة المنافقين بضرب المثل من أوجه ثلاثة تتميما للبيان، لأن المثل يصير الغائب كالمحسوس فقال مبتدأ بالوجه الأول (مثلهم) أي شبههم في إيمانهم، وهو قول سائر في عرف القرم، يعرف به معنى شيء «7» فيه غرابة (كمثل الذي) أي الذين من باب وضع واحد الموصول موضع الجمع منه تخفيفا لكونه مستطالا بصلته كقوله «وخضتم كالذي خاضوا» «8»، والقرينة ما قبله وما بعده، أي كشبه من (استوقد) أي أوقد في مفازة في ليلة مظلمة (نارا) عظيمة خوفا من السباع وغيرها، وهي جوهر لطيف محرق، والنور ضوءها وضوء كل نير (فلما أضاءت) أي أنارت (ما حوله) مفعول «أضاءت»، أي ما حول المستوقد من الأماكن والأشياء، و «حول» نصب على الظرف، وأصله الدوران (ذهب الله بنورهم) أي أزال نورهم بالكلية، وذكر ال «نور» أبلغ من ذكر الضوء، لأن فيه دلالة على الزيادة، ولا يلزم من ذهابها ذهاب النور رأسا، وهو جواب «لما» «9» أو جوابه محذوف، أي طفئت ناره، و «ذهب» كلام مستأنف، كأنه قيل: ما حولكم، فقال أخذ الله نورهم (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) [17] أي طرحهم في ظلمة متزائدة، يتكاثف بعضها فوق بعض، لا يبصرون ما حولهم، والظلمة عدم النور فيما شأنه أن يستنير، ومعنى ذلك: أن المنافقين تكلموا بكلمة الشهادة مراءة
পৃষ্ঠা ৩২