فعله، ولا ورد في كيفيته شيء، فقال الشافعي: سنة، وقال مالك: بدعة مكروهة لقيام الشبهة، ثم كل قائل لا يكون مبتدعا عند القائل بمقابله، لحكمه بما أداه إليه اجتهاده الذي لا يجوز له تعديه، ولا يصح له القول ببطلان مقابله لقيام شبهته، ولو قيل بذلك لأدى لتبديع الأمة كلها، لأن على كل قائل قائلا، وقد عرف أن حكم الله في مجتهد الفروع ما أداه إليه اجتهاده، سواء قلنا المصيب واحد أو متعدد، وقد قال رسول الله (ص): "ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" (١)
_________
= "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون حلق الذكر"، وهو صريح في ندب الجمع لعين الذكر، للترغيب في سياقه، وما وقع في آخره من "أن فيهم من ليس منهم، فيقول تعالى: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم"، فأخذ منه جواز قصد الاجتماع لعين الذكر، بوجه لا يسوغ تأويله، لحديث: "ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفت بهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده" الذي تؤول بالعلم مرة، وبذكر الآلاء أخرى، وحمل على ظاهره أيضا، فإن قيل: يجتمعون، وكل على ذكره، فالجواب: إن كان سرا فجدواه غير ظاهرة، وإن كان جهرا وكل على ذكره، فلا يخفى ما فيه من إساءة الأدب بالتخليط وغيره مما لا يسوغ في حديث الناس، فضلا عن ذكر الله، فلزم جوازه، بل ندبه بشرطه، وإن آثر الصحابة عليه غيره فلأفضلية الغير عليه، كالذكر الخفي، وما يتعدى من العبادات نفعه، كالعلم والجهاد والتكسب على العيال، إلى غير ذلك مما كان اعتناء الصحابة به، وشغلهم فيه، حتى شغلهم عن الاجتماع للذكر، والفراغ له، ألا تراهم عند إمكانه - مع ما هم فيه - استعملوه، كالأسفار والأعياد وأدبار الصلوات، وغير ذلك، ثم يقول: ولا بد أن يكون ذلك مع مراعاة شروطه، وهي:
١ - خلو الوقت عن واجب أو مندوب متأكد يلزم من عمله الإخلال به، كأن يسهو فينام عن الصلاة، أو يتثاقل فيها، أو يفرط في ورده أو يضر بأهله، إلى غير ذلك.
٢ - خلوه عن محرم أو مكروه يقترن به، كاستماع النساء أو حضورهن، أو حضور من يتقى من الأحداث، أو قصد طعام لا قربة فيه، أو فيه شبهة ولو قلت.
٣ - التزام أدب الذكر من كونه شرعيا، أو في معناه، بحيث يكون بما صح واتضح، وكونه على وجه السكينة، وإن مع قيام مرة وقعود أخرى، لا مع رقص وصياح ونحوه، فإنه من فعل المجانين كما أشار إليه مالك ﵀، انظر قواعد التصوف ٧١ - ٧٢ - ٧٦.
(١) الحديث خرجه البخاري بلفظ: "لا يصلين أحد العصر ... " إلخ، انظر البخاري مع فتح الباري ٣/ ٨٩، ٨/ ٤١٢.
1 / 40