وقرر المهدي -عليه السلام- هذا الاستدلال ما أمكنه، وبسط فيه القول حينما استحسنه، فأما لو فرض أن المسألة ظنية اجتهادية فلا بأس بمثل هذا التكليف والتشبث بالمآخذ البعيدة، فمثل هذا في مسائل الظن غير قليل.
وأما مع ما هو بان عليه هو وغيره من كون المسألة قطعية، فترك التعلقات بهذه المتعلقات هو اللائق ممن كان ذلك مذهبه، فإنها مما ينبغي أن يكون عنده مآخذ بعيدة إذ الأمر المذكور لا مدخل له هنا ولا أثر، والخبر المذكور أحادي ودلالته غير صريحة ومرجع التمسك به في القياس الذي ليس بمعلوم، والآيتان الكريمتان الأولى منهما غير صريحة ولا واردة في هذا المعنى ولا لمح فيها إليه.
والأخرى وإن كانت أقرب منها إلى ما نحن بصدده، فهي عن إفادة العلم بلزوم اشتراط الاجتهاد في الإمام بل عن إفادة الظن بمراحل، وليس فيها أن نبي بني إسرائيل أخبر بلزوم اشتراط ذلك في الملك الذي بعثه لهم بل اعتذر به في اختياره لطالوت، فمدلول ذلك أنه أمر مرجح ولو لزم منه اشتراطه للزم اشتراط البسطة في الجسم ولا قائل به.
ثم عاد المهدي -عليه السلام- إلى طريقة عقلية، وقال: يصلح ذلك بعد معرفة المقصود بقيام الإمام وهو إقامة الحق أو الدلالة عليه، ورد الشارد منه إليه، ونحن نعلم ضرورة أن القائم لا يمكنه ذلك إلا إذا كان عارفا بالحق، ولا يمكنه المعرفة إلا بالاجتهاد في العلوم الدينية.
قال: وهذا واضح كما ترى. قلت: بل هو غامض لا يرى، وغير لائق من مثله -عليه السلام- أن يستدل بالعقل في المسائل الشرعية الفرعية، كما قدمنا في اشتراط المنصب.
পৃষ্ঠা ৫৭