وأما الدعوة فإذ فرضت حصولها، لا عن مواطأة لأحد من أهل الحل والعقد، ولا رضي واحد منهم، فغير بعيد ثبوت الإمامة واستقرارها، ولا تخلو الأمة عن التعلق به، والمشاركة فيه، والإحتجاج إليهم فيه.
فإن أجابوا وبايعوا ورضوا به، استقرت إمامته، وصحت دعوته، ولو لم يقع ذلك منهم فلا صحة لدعوته ولا استقرار لها.
ويؤكد ذلك ما جرت عادة الأمة والأئمة، من التشاور في هذا الأمر، والتواطؤ عليه، وسبق الدعوة بالعقد والاختيار لا نجد إماما قام غالبا إلا على هذه الكيفية المرضية، ولا يستحسن الإمام أن يبين للأمة أمرهم هذا، ويشتغل بالنظر فيه.
ويجانب ما أمر الله به من المشاورة وندب إليه بها على سبيل العموم، ولا يفعل هذا من له تثبت في الأمور،ومثل هذا التكليف العسير، لا ينبغي أن يتسارع إليه إلا عن مشاورة ومفاوضة لأهل الحل والعقد، ومن له في صلاح الأمة والأمور المهمة جد وجهد. ولا يخلو الأمر عن أحد وجهين:
إما أن يغلب على ظنه رغبتهم في ذلك إليه، وأشد حاجتهم إياه، ففي ذلك تقوية لأمره، وشد لأزره.
ومن سوء التدبير أن يحجب ذلك عنهم والحال هذه، فأن غلب على ظنه أنهم له كارهون وعنه نافرون، وأنهم لذلك لا يحبون وفيه لا يرغبون، فليس مثله من يقدم على أن يؤم الناس مع كراهتهم له ولا صلاح في ذلك، وإذا كانت إمامة الصلاة تحرم على من عرف كراهة المؤمنين إياه، مع سهولة المؤنة في ذلك، فبالأولى والأحرى أمر الإمامة الكبرى، والله سبحانه أعلم.
পৃষ্ঠা ২৯