উদ আলা বাদ
عود على بدء
জনগুলি
واستقر رأيى على أن أضربهما علقة، فى هذه الليلة، وفى هذه الحديقة، وأنسانى الغيظ والموجدة، أنى لو كنت فى إهابى المنزوع لهان ذاك وتسنى، وأنى صغير مثلهما، ولعلى أضعف منهما وأضوى جسما وأقل شدة عظام.
ودرت لأدخل وأستدرجهما إلى الخروج، ثم آخذهما بما فعلا. ولكنى لم أحتج إلى تكلف ذلك. فما كدت أخطو خطوات، حتى رأيتهما مقبلين على مهل. فوقفت في مكانى، أنتظرهما، فلما صارا أمامى قال أكبرهما (سعيد): «لقد كان منظرك ممتعا».
كأنما يباهى بما صنع، ولا يحفل ما أورثنى من ألم وخجل، فلم أقل شيئا، ورميته بنظرة سخط واشمئزاز.
وقال الاخر (حمادة): «ما كان أحلى الورد فى شعرك ... لو كان الوقت اتسع لضفرت لك منه إكليلا ... يا خسارة ... إذن لكنت كالعروس ليلة الزفاف».
فطار عقلى، وارتميت عليه اريد أن آخذ بتلابيبه، وأجذبه إلى الأرض وألقيه على وجهه أو شقه، وأعجنه بقدمى، ولكنه كان كأنما توقع ذلك. فقد انحرف عن طريقى بخفة، فوقعت على الأرض - بوجهى - كالحجر، وانغرس أنفى فى التربة الطرية، فلبثت هكذا ثوانى، لا أتحرك، ثم رفعت رأسى وجذبت رجلى ونهضت متثاقلا، وشرعت أمسح ما لطخ به وجهى من الطين، وهما يضحكان، ومن ورائهما جمع يضحك معهما، فقد تبعهما الباقون، وأنا لا أدرى.
وصار موقفى أبعث لى على السخط، ولهم على الهزؤ، وأدركت أنه لا خير فى مثل ما صنعت، فقلت لحماده: «لو لم تكن جبانا لما أجفلت ...».
فضحك وقال بهدوء غريب: «إنما تنحيت عن طريقك إشفاقا عليك، فإنك مسكين هش لاعظم فى بدنك، ولوشئت لدفعت فى صدرك فحطمت لك ضلوعك أو لبططت لك أنفك وشوهت وجهك البناتى».
قلت: «طيب خذ». وألقيت نفسى علية مرة أخرى، وحرصت على أن لا أدعه يفلت كما فعل من قبل، ولكنه أخذ بناصينى وثنى عنقى، حتى خلت من ألمى أنه سينقطم، وراح يضرب صدغى بجمع يده، وبطنى بركبته حتى أيقنت من شدة الوجع أنى طائح هالك لا محالة ثم خلانى ودفعنى بكلتا يديه فانطرحت على ظهرى، انطراح من لا ينوى أن يقوم بعد ذلك أبدا.
ولم أكن - وأنا راقد - أفكر فى شىء أو أحس شيا سوى هذا الفتور الذى جعلنى أخلد إلى رقدتى، وسمعت صوتا تأدى إلى من بعيد يقول: «يظهر أنه استحلى الرقدة، فتعالوا يا جدعان».
وتالله ما أقسى قلوب الصغار وأغلظ اكبادهم، إن صح أن لهم أكبادا، وهو ما أشك فيه، فقد تناولونى من ذراعى، ورجلى، ورفعونى بينهم عن الأرض وراحوا يطوحوننى يمينا وشمالا، كأنى لعبة فى أيديهم، لا مخلوق مثلهم مشف على الهلكة، وكنت لا أصيح، ولا أقاوم، لأنه لم تبق لى قدرة على صياح أو حركة وإن كنت مدركا لما يفعلون محسا به. ولو كان الأمر إليهم لقتلونى وما عبأوا شيئا. وما زلت إلى هذه الساعة أتعجب لشدة نقمتهم على من تقمصت جسمه، وقلة عطفهم عليه ورحمتهم له، فما سمعت واحدا منهم يزجرهم أو يدعوهم إلى القصد وينهاهم عن الشطط، فلولا أن عم أحمد - جزاه الله خيرا - أقبل فى تلك الحظة، لظلوا فى لهوهم القاسى. وما كادوا يبصرونه حتى تخلوا عنى وذهبوا يعدون فى أرجاء الحديقة، فهويت إلى الأرض مرة أخرى، كالحجر ....
অজানা পৃষ্ঠা