উদ আলা বাদ
عود على بدء
জনগুলি
قالت وهى تتنهد: «ومن ذا الذى يرغب فى خادمة فقيرة؟ ثم إنى راضية قانعة بما أنا فيه. ولله الحمد».
وتنهدت مرة أخرى، وندت عن صدرها «إيه» طويلة ممطوطة ثم تنبهت وقالت لى: «اجر العب مع ضيوفك ... اذهب ... ماما تشير».
ودخلنا إلى حيث المائدة، وتقدمت الصفوف، وإلى يمينى ويسارى حماده وسعيد، ولم أخترهما أنا وإنما اختارتهما أمى - تلك التى أعرف بشقى المستور أنها زوجتى - فحمدت اختيارها على الرغم من تطاول حماده على بالقول الجارح والوصف الممض، واصطففنا أمام المائدة من الجانبين. وحمدت لأمى مرة أخرى أنها أعفتنا من العم والسيدتين ومضت به وبهما إلى غرفة أخرى وتركتنى مع أترابى أحرارا. وما كادت تخرج، حتى صارت الغرفة كالحمام الذى ليس فيه ماء، فعلا الصياح، وكثر اللغط، وتدافعت الأيدى، وانطلقت صرخات من هنا وههنا، لأن واحدا داس على قدم جاره، أو ضرب ساقه العارية بطرف حذائه، المحدد، أو رفسه بمؤخره، أو قرصه، أو فعل غير ذلك مما يغرى به الغلمان.
وكان حمادة وسعيد لا يأكلان إلا بقدر، وكنت أحثما وأشجعهما فيبتسمان ولا يزيدان، فسرنى وساءنى هذا - سرنى منهما القصد وقلة التهالك، وساءنى أن أراهما يأكلان دون الشبع.
وآن أن ننفخ الشمعات ونطفئها، وكان شر ما فى ذلك أن الأم وضيوفها عادوا ليشهدوه، فخفتت الأصوات، وصارت همسات مقرونة بخبطات خفية ووخزات الجنوب، ونخسات من الخلف، وركلات تحت المائدة، وكان بالى إلى الجمع وعينى عليه لا على جارى اللذين كانا يبدوان ساكتين رزينين. وقد أقلقنى منهما هذا السكون، فإنى أعرفها، لا يكون سكون طائرهما إلا نذيرا بالشر.
وأدنيت الفطيرة بالشموع المغروزة فيها، واحتجت مع ذلك أن أشب عن الأرض لأطولها. ولم تكف نفخة واحدة، فتكرر النفخ مرات إلى اليمين وإلى اليسار، وشغلت بذلك عن كل ما عداه، حتى إذا فرغت منه تناولت الشوكة والسكين وعكفت على الفطيرة أقطع منها وأوزع. وناولت منها الكبار نصيبهم، فحملوه فى أطباقهم ووقفوا حلقة على مسافة منا يتحدثون، وإذا بهؤلاء الصبيان ينفجرون ضاحكين مقهقهين، مكركرين، مطخطخين، ويلقون بالأطباق على المائدة فترتج وتقع الأشواك أو بعضها على الأرض، ويروح بعضهم يصفق، والبعض يضرب المائدة بجمع يده أو ببطنها، وأنا أنظر إليهم، وأدير عينى فيهم، وفمى فاغر كالأبله من الدهشة.
ولكنهم كانوا معذورين، فقد كان منظرى يضحك الثكلى. وتصور غلاما فى ثياب جديدة نفيسة، وجيوبه تطل منها وتتدلى قشور الفواكه، من مثل الموز والبرتقال والليمون الحلو! حتى العرى أدخلت فيها «قصاصات» من هذه القشور، وعقدت على هيئة الأنشوطة، حتى زيق السترة المحيط بالعنق تدلى من تحته قشر الموز، حتى الرأس رشقت وردتان على جانبيه، وزين اليافوخ بنثار الزهر.
وكنت حقيقا أن أحمل كل ذلك على محمل المداعبة، ولكن العيون ضربت على من حدق نطاقا، وكانت سخرية النظرات والضحكات بينة، لاخفاء بها، ولم يخالجنى شك فى أن حمادة وسعيد هما اللذان صنعا بى هذا، ولو اقتصر الأمر على قشور الفاكهة التى حليت بها ثيابى لما كبر على ذلك، ولكنهما - والويل لهما، وإن كانا ولدى - رشقا لى الورد فى شعرى ونثرا لى غلائل الزهر عليه تشبيها لى بالبنات وتشنيعا على، ولمزا فعابانى فى وجهى، وحقرانى على ملأ من أحداث لاشك أنهم سيجعلونى مضعه فى أفواههم طول الأسبوع، بل الشهر على الأرجح.
ورميت الورد، ونفضت نثار الزهر عن رأسى، أول شىء، فقد كان هذا هو الذى أمضنى وأرمضنى، ونزعت أمى ما على ثيابى، وهى تضحك - سامحها الله - وتقول لى: إنه مزاح لاينبغى أن يغضبنى.
ولكنى كنت مغيظا محنقا ولافائدة من محاولة التسرية عنى، فدفعت يدها عنى بعنف، وانطلقت خارجا من الغرفة إلى الحديقة، ورحت أتمشى، مطرقا، وأفكر فيما ينبغى أن أصنعه، فما بقى مفر من أن أصنع شيئا أميط به عنى هذا الذى يلصقه بى الولدان اللعينان، ويجعلانى به أضحوكة وهزؤا بين الغلمان، ولافائدة ترجى من الترقق بهما والحنو عليهما، فما يعرف أحد ما أعرف من نفسى، وكل مايعرفه هؤلاء الصبيان أنى ولد مثلهم، وأن حمادة وسعيد مازحانى هذا المزاح الثقيل، وزعمانى كالبنت، وأنى جبنت فالخير كل الخير أن أؤدبهما، وإن كانا ضيفى، وإن للضيف لحرمة عند الكبار، ولكن الصغار لايرعون حرمة لشىء، وسيحملون حلمى على الجبن وضعف القلب، ويتقرر فى نفوسهم أنى كما زعم الخبيثان فلا أزال بعد ذلك أقع كل يوم فى بلية، وأتعرض لحديث الأولاد وسخرهم وعبثهم.
অজানা পৃষ্ঠা