قال: ...
خيل إلي أني حقيقة لم أسمع، فقد كان الطلب الذي طلبه غريبا جدا وغير معقول بالمرة، سألته: أفندم؟
قال: اخلع هدومك.
أشار لحامل الكرباج وزميله حامل الشومة، رفعت يدي مسلما قائلا: حاضر يا بيه، أخلع هدومي.
ولكني ترددت، نظرت حولي بركن عين، طابورنا المنكود الحظ قابع كصفين من طابور ذباب أنهكه الكدح والزق والزجر. في دائرة واسعة رهيبة يلتف حوله سور من عساكر يحملون الأسلحة الأوتوماتيكية بكافة ألوانها وأنواعها، قريبا منه تناثرت فرقة الضرب تحمل الهراوات والكرابيج والنبابيت والأحزمة والقبضات الحديدية. أنا واقف وحدي ويونس بحري قابع على كرسيه أمامي، ولا مفر.
استنهضني بشخطة، ولما كنت كما قلت قد قررت أن أؤجل الاشتباك فقد مددت يدي الأخرى، وبدأت أخلع جلبابي، وخلعت الصديري، ولا أطيل، فقد وجدت نفسي بعد برهة خالعا كل ملابسي واقفا عاريا كما ولدتني أمي أمامه. - خلعت هدومك؟ - زي مانت شايف يا بيه؟ - طيب (...) النملة اللي في أيدك. خيل إلي أني حقيقة لم أسمع، وكيف أسمع، وما طلبه لا يمكن أن يمر إلا من عقل مجنون، حتى المجنون نفسه يخجل أن يطلبه. - نعم!
الكرباج مرفوع فوق رأسي والنبوت يتهيأ للانقضاض، ويونس بحري تجمدت نظراته النارية على هيئة الأمر الذي أمره، والدنيا، وسور العساكر، والطابور والبازلت والجبل والصخر والطريق، وكل شيء سكت وصمت وكأنه يستحثني أن ألبي.
انتفض الفلاح الخبيث الذي في يقلب الموقف الجاد الرهيب، وقلت فجأة: - بس دي ذكر يا بيه.
لم يضحك، ولا أحد من القريبين أو البعيدين ضحك، بكل صرامة قال: روح هات واحدة نتاية.
وكالذي نومه المنوم المغناطيسي استدرت وقصدت كومة التراب، وعسست بيدي. طبعا كان أول ما خطر لي أن أبحث عن نملة أنثى، ولكن كدت أضحك من نفسي؛ لأني انسقت وراء المشهد فعلا وأخذته جدا، وسألت نفسي: كيف أعثر على الأنثى؟ ما الفرق بين النملة الذكر والنملة الأنثى؟ بل هل توجد نملة أنثى ونملة ذكر؟ المقصود عدت إليه ووقفت أمامه، وفتحت قبضتي على نفس النملة، وقلت: ها هي نملة أنثى.
অজানা পৃষ্ঠা