غير أنا رأينا أن إعادات التوزيع الثانوية هذه لا تجد لها، على هذا النحو، تعبيرا كاملا. فعلى حين أن الأجزاء التي ينحل إليها أي كل تزداد اختلافا بعضها عن البعض، فإنها تزداد في الوقت ذاته تميزا.
وعلى ذلك فإن نتيجة إعادات التوزيع الثانوية هي تحويل تجانس غير واضح المعالم إلى لا تجانس واضح المعالم. وقد ظهرت لنا هذه الصفة الأخرى في جميع أنواع التجمعات المتطورة أيضا. ومع ذلك فقد اتضح من البحث اللاحق أن وضوح المعالم المتزايد الذي يقترن باللاتجانس المتزايد ليس سمة مستقلة، وإنما يأتي نتيجة للتكامل الذي يزداد في كل من الأجزاء المتفاضلة،
7
مع تزايده في الشكل الذي تكونه هذه الأجزاء.
كذلك أشرنا إلى أن هذا التنظيم للمادة يقترن، في كل التطورات، سواء منها غير العضوية وفوق العضوية، بتغير مواز في تنظيم الحركة المحتواة؛ أي إن كل زيادة في التعقد التركيبي تنطوي على زيادة مقابلة في التعقد الوظيفي. وبينا أن اندماج الجزئيات في كتل، يقترن باندماج لحركة الجزئيات في حركة الكتل، وأنه بمثل السرعة التي يحدث بها تنوع في أحجام التجمعات وأشكالها وعلاقاتها بالقوى الحادثة، يحدث أيضا تنوع في حركاتها.
ولما كان التحول الذي اهتدينا إليه ها هنا على وجهين منفصلين لا يعدو في ذاته أن يكون تحولا واحدا ، فقد تحتم توحيد هذين الوجهين المنفصلين في مفهوم واحد، والنظر إلى إعادة التوزيع الأولية وإعادات التوزيع الثانوية على أنها تعمل في آن واحد على حدوث نتائجها المختلفة؛ ففي كل حالة نجد أن التحول من البساطة غير الواضحة إلى التعقد الواضح المتميز، في توزيع المادة والحركة معا، يحدث مع تركز المادة وفقدان حركتها الداخلية، ومن هنا فإن إعادة توزيع المادة وحركتها المحصورة فيها، تتم من تنظيم منتشر ومطرد ولا محدد نسبيا، إلى تنظيم مركز كثير الصور ومحدد نسبيا.
القسم 188 : وهنا نصل إلى إحدى الإضافات التي ينبغي إلحاقها برأينا العام ونحن في معرض تلخيصه. فهنا آن أوان إدراك وجود درجة من الوحدة في الاستقراءات السابقة تزيد على ما لاحظناه فيها أثناء عرضنا لها.
لقد نظرنا حتى الآن إلى قانون التطور على أنه يصدق على كل نوع من الموجودات على حدة، غير أن عرض الاستقراء على هذا النحو يجعله يفتقر إلى ذلك الاكتمال الذي يكتسبه عندما ننظر إلى مختلف أنواع الموجودات هذه على أنها تكون بأسرها كلا طبيعيا واحدا. فعندما ننظر إلى التطور على أنه ينقسم إلى تطور فلكي، وجيولوجي، وبيولوجي، ونفساني، واجتماعي ... إلخ، قد يبدو أن انطباق قانون واحد للتحول على كل هذه التقسيمات إنما هو من قبيل المصادفة إلى حد ما. ولكنا إذا ما أدركنا أن هذه التقسيمات ليست إلا تجمعات مصطلح عليها، أجريت تيسيرا لتنظيم المعرفة واكتسابها، وإذا تذكرنا أن الموجودات المختلفة التي تتعلق بها هذه التقسيمات كل على حدة، إنما هي أجزاء مكونة من كون واحد، لتبين لنا على التو أنه ليس ثمة أنواع متعددة من التطور لها سمات معينة مشتركة، وإنما هناك تطور واحد يسري على كل شيء وعلى نحو واحد. ولقد لاحظنا مرارا أنه في الوقت الذي يتطور فيه أي كل، يحدث على الدوام تطور الأجزاء التي ينقسم إليها هذا الكل. ولكننا لم نلاحظ أن هذا يسري بنفس القدر على مجموع الأشياء، وهو المجموع المؤلف من أجزاء، من أعظمها إلى أصغرها. ونحن نعلم أنه في الوقت الذي يتزايد فيه كبر تجمع مترابط ماديا، كجسم الإنسان، ويكتسب شكله العام بالتدريج، يحدث نفس الأمر لكل من أعضائه، وأنه في الوقت الذي ينمو فيه كل عضو ويصبح مختلفا عن الآخرين، يحدث تفاضل وتكامل في أنسجته وأوعيته المكونة له؛ وأنه حتى مكونات هذه المكونات تتزايد كل على حدة، وتتحول إلى تركيبات يزداد لا تجانسها وضوحا. ولكنا لم نلاحظ بما فيه الكفاية أنه في الوقت الذي يتطور فيه كل فرد، يتطور كذلك المجتمع الذي هو وحدة ضئيلة الشأن فيه، وأنه في الوقت الذي يتحول فيه مجموع السكان الذين يكونون مجتمعا إلى التكامل ويصبح لا تجانسهم أوضح، فإن المجموع الكلي، وهو الأرض، يواصل تكامله وتفاضله، وأنه في الوقت الذي تتحول فيه الأرض، التي لا تزيد في كتلتها عن جزء من المليون من النظام الشمسي إلى تركيب أكثر تركزا، يسير النظام الشمسي ذاته على نفس النمط.
فإذا فهمنا التطور على هذا النحو، فسنجد أنه واحد لا من حيث المبدأ فقط، بل من حيث الواقع أيضا؛ فليس ثمة تحولات كثيرة تتم على نمط متشابه، وإنما هناك تحول واحد يسري على نحو شامل، في كل الحالات التي لا يكون فيها التحول المضاد موجودا. وفي كل مكان، كبيرا كان أم صغيرا، تكتسب فيه المادة التي تشغله فردية ملموسة أو قابلية للتمييز عن المواد الأخرى، يكون ثمة تطور حادث، أو على الأصح، يكون اكتساب هذه الفردية الملموسة بداية للتطور. وهذا يصح بغض النظر عن حجم المجموع وبغض النظر عن احتوائه على مجموعات أخرى.
القسم 189 : وبعد أن قمنا بهذه الاستقراءات التي تثبت في مجموعها قانون التطور، وجدنا أنها، طالما ظلت استقراءات، لا تكون ذلك الكل الذي ينطبق عليه اسم الفلسفة، بل إن الانتقال الذي أوردناه منذ قليل لهذه الاستقراءات من الاتفاق إلى الهوية، لا يكفي لإيجاد الوحدة المنشودة؛ إذ لا بد لتوحيد الحقائق التي توصلنا إليها على هذا النحو مع الحقائق الأخرى من أن تكون ، كما لاحظنا في ذلك الحين، مستنبطة من مبدأ دوام القوة. ولذا فإن الخطوة التالية كانت بيان السبب الذي من أجله يكون من الضروري حدوث التحول الذي يظهره لنا التطور، مع كون القوة دائمة.
অজানা পৃষ্ঠা