ولكن رغم أن التعريف الذي أوردناه للتطور والتحمل
Evolution & Dissolution ، وهما الاسمان اللذان نطلقهما على هذين التحولين المتضادين، يحدد طابعهما العام تحديدا صحيحا، فإن هذا التعريف ما زال ناقصا، أو على الأصح فإن تعريف التحلل كاف، بينما تعريف التطور غير كاف على الإطلاق؛ فالتطور دائما تكامل للمادة وانتشار للحركة، ولكنه في كل الحالات تقريبا لا يقتصر على ذلك؛ إذ إن إعادة التوزيع الأولية للمادة والحركة تقترن بإعادات توزيع ثانوية.
وقد ميزنا بين النوعين المختلفين للتطور، الناجمين على هذا النحو، فأسمينا أحدهما بالتطور البسيط والآخر بالتطور المركب، ثم انتقلنا إلى بحث الظروف التي تحدث فيها إعادات التوزيع الثانوية التي تجعل التطور مركبا، فوجدنا أن المجموع المتركز الذي يفقد بسرعة ما ينطوي عليه من حركة أو يتكامل بسرعة، لا يتكشف إلا عن تطور بسيط، ولكن بقدر ما يؤدي كبره، أو التركيب الخاص لمكوناته، إلى إعاقة انتشار حركته، فإن أجزاءه، مع مرورها بإعادة التوزيع الأولية التي تسفر عن تكامل، تمر بإعادات ثانوية تؤدي إلى درجات متباينة من التعقد.
القسم 187 : ومن هذا الفهم للتطور والتحلل، من حيث هما يؤلفان معا العملية الكاملة التي تمر بها الأشياء، وكذلك من هذا الفهم للتطور من حيث هو ينقسم إلى بسيط ومركب، انتقلنا إلى بحث قانون التطور كما يتمثل في جميع صور الموجودات في عمومها وتفاصيلها.
ولم نقتصر على تعقب تكامل المادة وما يقترن به من تبدد للحركة، في الكل الذي يكونه كل موجود على حدة، بل تعقبناه أيضا في الأجزاء التي ينقسم إليها كل موجود كامل؛ في المجموعة الشمسية بأسرها، وكذلك في كل كوكب وتابع، كان وما زال يتمثل تركز تدريجي. وفي كل كائن عضوي يقترن ذلك الاندماج العام للمواد المتفرقة، المؤدي إلى النمو، باندماجات محلية، تكون ما نسميه بالأعضاء. وعلى حين تتبدى في كل مجتمع العملية التجميعية
aggregative process
من خلال زيادة مجموع سكانه، فإنها تتبدى فيه أيضا من خلال تركز هؤلاء السكان في أجزاء معينة من أرضه. وفي كل الحالات يقترن بهذا التكامل المباشر تكامل غير مباشر تصبح بفضله الأجزاء معتمدة ببعضها على البعض.
ومن إعادة التوزيع الأولية هذه انتقلنا إلى الكلام عن إعادات التوزيع الثانوية، فتساءلنا عن الطريقة التي يتم بها تكوين أجزاء خلال تكوين الكل. وتبين أن هناك عادة انتقالا من التجانس إلى اللاتجانس، مقترنا بالانتقال من الانتشار إلى التركيز؛ ففي الوقت الذي اتخذت فيه المادة المكونة للنظام الشمسي صورة أكثف، تحولت من الوحدة إلى تنوع التوزيع. وقد اقترن تيبس الأرض بتقدم من الوحدة النسبية للصورة
6
إلى التنوع الشديد. كما أن كل نبات وحيوان، في تحوله من بذرة إلى كتلة ضخمة نسبيا، يتحول أيضا من البسيط إلى المركب. وكل زيادة في عدد أفراد المجتمع وتركزهم تقترن بزيادة في تغاير التنظيم السياسي والمهني لهذا المجتمع. ومثل هذا يصدق على كل النواتج فوق العضوية، كاللغة والعلم والفن والأدب.
অজানা পৃষ্ঠা