الفصل السابع عشر
بينما كان الكاهن يقترب من بوابة السلام، أخرج منديلا من جيب سترته ومسح العرق عن جبهته. كانت تلك زيارته الأولى للقصر، ورغم أنه حاول جاهدا ألا يندهش بما يراه، فقد اندهش بالفعل. كانت البوابة محاطة من الناحيتين بزوج من الأبراج الحجرية الضخمة، ولكن الضخامة الشديدة للبوابة ورقة النقوش التي تزينها عكست الترحيب والعداء القوي في آن واحد، وهو ما بدا له منطقيا. ورغم أنه افترض أنه موضع ترحيب في القصر، فإن المرء لا يعلم متى يتبدل هذا الترحيب. طوى الكاهن منديله إلى أربعة أقسام وأعاده إلى جيب سترته، وبينما كان يفعل ذلك اقترب منه الحراس ذوو المعاطف الأرجوانية وأشهروا أسلحتهم في وجهه.
فتذمر قائلا: «بوابة السلام مغلقة في وجه الزائرين»، غافلا على ما يبدو عن المفارقة الكامنة في هذه الفكرة.
ولكن عندما ذكر الكاهن اسم جمال الدين باشا، خفض الحارس سلاحه وتنحى جانبا، فلم يكن أجنبي يقابل الصدر الأعظم بالشخص الذي يرغب المرء في إهانته. وأشار الحارس إلى حارس آخر متمركز عند قاعدة المتراس، فرافق الكاهن مولر عبر سلسلة من الأبواب الخشبية السميكة إلى الصومعة الداخلية للساحة الثانية بالقصر.
وعندما أصبح داخل حوائط القصر، اختفى التزاحم والفوضى اللذان يميزان إسطنبول. ظل يشعر بحضور المدينة، كالقمر الذي يتدلى معلقا في سمائها الشاحبة، ولكن شئون القصر كانت تنتمي لعالم آخر أكثر رقة. استمع الكاهن إلى تقطر الماء البارد على الرخام، ولمح طائرا يعد العش قبل أن يحل الليل، واستنشق الرائحة الخافتة لأزهار الخطمي وهي تتفتح. كانت حركة المرور في الساحة الثانية قليلة بينما كان الدبلوماسيون والطهاة والموسيقيون ينصرفون قبل حلول الليل، سواء إلى عائلاتهم أو إلى المقاهي أو إلى أي ملهى ليلي. وجه الحارس الذي رافقه عبر البوابات بضع كلمات إلى رسول السلطان الذي قاده صعودا في إحدى الطرق المحاطة بالأشجار التي تتشعب من بوابة السلام. حتى ذلك الحين، كانت مقابلات الكاهن مع الصدر الأعظم تتم في نهاية كل شهر في موقع سري مثل مقبرة أو حمام عام خال. ولم تكن لديه فكرة عن سبب رغبة جمال الدين باشا في قدومه إلى القصر شخصيا. ربما سمع عن طرده من عند البك، وربما كانت معاملاته الأخيرة مع الروس، أو ربما لا شيء. قد يكون الصدر الأعظم متكاسلا عن مغادرة القصر فحسب. وبهزة رأس أومأ رسول السلطان إلى مجموعة أخرى من الحرس لإفساح الطريق، وقاد الكاهن مولر عبر دهليز رخامي تصطف على جانبيه الأسلحة العتيقة. وطبقا للرسول فإن تلك هي القاعة الكبرى لمجلس الوزراء، أما غرفة المقابلات الخاصة بجمال الدين باشا فإنها تقع في نهاية القاعة إلى اليسار.
قال الرسول قبل أن يهرول مختفيا في إحدى الزوايا: «سوف تعرفها عندما تراها.»
وبالفعل فقد حدث ذلك. لم تكن مساحة غرفة المقابلات تزيد عن إحدى حجرات الدراسة في كلية روبرت، ولكن سقفها ارتفع عاليا ككنيسة. وأمام الحائط البعيد أريكة مربعة من خشب الماهوجني يتكئ عليها الصدر الأعظم. كان رجلا عصبيا يرتدي عباءة من الحرير الأبيض وعمامة خضراء، ولديه هيئة حيوان قارض وعينان بلون العنب غير الناضج. وعندما دخل الكاهن مولر الغرفة، نهض قليلا كنوع من التحية. «مرحبا يا صديقي، أرجو أن تكون قد وصلت إلى هنا دون مشقة.»
فقال الكاهن: «نعم، أشكرك، فالحراس شديدو التعاون.»
شبك الصدر الأعظم يديه معا، وتجعد أنفه كما لو كان يفكر في تقلبات تلك الإجابة. ركز تماما على ضيفه، ولكنه لم يعرض عليه الجلوس. وفي حقيقة الأمر، لاحظ الكاهن أنه لا توجد مقاعد. لم يعرف ما إذا كان هذا ازدراء مقصودا أم لا، ولم يهتم أيضا.
سأله جمال الدين باشا: «هل ترغب في تناول كوب من الشاي؟ أم القهوة؟» «كلا، شكرا لك.»
অজানা পৃষ্ঠা