بالقرب من سفح الممر الخاص توقف الكاهن كي يلتقط أنفاسه. مسح جبهته بمنديل، وألقى نظرة على الكتاب المهترئ ذي اللونين الأحمر والذهبي، الذي قرر في اللحظة الأخيرة أن يحضره معه، وهو كتاب مترجم لهيرودوت. وبينما كان يتصفح الغلاف الداخلي للكتاب، نبح كلب ففزع الكاهن. كانت لحظة ذات خصوصية، لحظة لم يكن ليفكر فيها مرة أخرى لو لم ينظر عندئذ لأعلى ويرى إلينورا تراقبه من نافذتها. وعندما أدركت أنه رآها، لم تلوح بيدها أو تبتسم، ولم تتراجع بعيدا، ولم تتظاهر حتى أنها تنظر إلى مكان آخر؛ بل استمرت تحدق إليه بنفس النظرة البسيطة الخاوية. كانت طفلة فضولية حقا. وظلا ينظران أحدهما إلى الآخر فترة طويلة قبل أن يتوجه الكاهن كي يقرع الباب الأمامي.
قال كبير الخدم: «مرحبا، أظنك الكاهن مولر، أليس كذلك؟» «بلى.»
فقال وهو يمسك بالباب: «تفضل، سوف أخبر منصف بك بأنك قد وصلت.» «حسنا، أشكرك.»
على الرغم من الواجهة الخارجية المبهرجة لمنزل منصف بك، كانت غرفة الانتظار في المنزل مزينة على نحو أنيق؛ حيث كانت مزيجا مصمما بعناية من طراز لويس السادس عشر والطراز العثماني الكلاسيكي. سوى الكاهن ربطة عنقه وألقى نظرة على الرواق الرئيس. ولعل الجاسوس الماهر كان سينتهز تلك الفرصة كي يفتش بعض الأدراج، أو على الأقل يفحص قفل الباب الأمامي. نظر حوله، وقام بمحاولة تعوزها الحماسة للبحث في كومة بطاقات على مائدة استقبال الزائرين. لا شيء ذا أهمية هنا، رغم أن المرء لا يتوقع أن يترك عميل سري بطاقة عمله هكذا. وعندما رفع الكاهن رأسه مرة أخرى كانت إلينورا تقف أعلى الدرج تحدق إليه بتلك النظرة الخاوية التي تحمل اتهاما خفيا. ورغم أنه كان واقفا على بعد، استطاع أن يرى وجهها مهموما شاحبا، وعينيها غائرتين في محجريهما مخضبتين باللون الأحمر. كانت تحمل في يدها اليمنى قلما وورقة، وهبطت الدرج بحذر يشوبه التوتر كما لو كانت امرأة عجوزا.
أخذ الكاهن مولر خطوة نحو أسفل الدرج، ورسم على وجهه تعبيرا متعاطفا. «إنني حزين لسماع نبأ وفاة والدك.»
ارتجف ذقن إلينورا قليلا، ولكنها لم تقل شيئا .
فتابع الكاهن قائلا: «كان رجلا أمينا، رجلا فاضلا، وكان يهتم لأمرك كثيرا.»
فلمست شفتيها بحافة أصبعها وهزت رأسها. «لم تتحدث الآنسة كوهين منذ أن وقع الحادث.»
استدار الكاهن مولر على وقع الصوت، ورأى البك واقفا في مدخل الرواق الكبير. «عندما ترغب في التعبير عن شيء، فإنها تكتبه على ورقة.»
فقال الكاهن: «حسنا.» «ليس موقفا مثاليا، ولكنها لا ترغب في الحديث.»
অজানা পৃষ্ঠা